أثار نشر جريدة “المصري اليوم” مقالاً يدعو لقتل أطفال الشوارع، مثل الكلاب الضالة، حالة من الاستياء الشديد بين كافة الأوساط السياسية والاجتماعية والحقوقية التي رأت أن هذه دعوة عنصرية ممجوجة بانتهاك حقوق البشر وتطبيق صارخ لمبدأ قتل الفقراء أسهل كثيراً من معالجة الفقر.
فتحت عنوان “أطفال الشوارع: الحل البرازيلي” عرض الدكتور نصار عبدالله أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة سوهاج والشاعر المعروف ما أسماه التجربة البرازيلية للتخلص من أزمة أطفال الشوارع.
وجاء الحل حسب مقال منشور اليوم فى جريدة “المصرى اليوم” بقتل آلاف الأطفال فى الشوارع فى حملة مسعورة شنتها الشرطة البرازيلية، وسط صمت كل القوى السياسية والإعلامية، وحتى منظمات حقوق الإنسان؛ لأنهم جميعًا يعلمون ما تشكله ظاهرة أطفال الشوارع -حسب وصفه- من خطورة.
وأضاف نصار في مقاله، أن السلطة القضائية -برغم بحور الدم- لم تقدم شرطيًا واحدًا للمحاكمة، وهكذا انتهت مشكلة أطفال الشوارع، بل ويؤكد نصار أن البرازيل تحولت إلى دولة متقدمة، وقضت على الظاهرة بسبب توافر –إرادة الإصلاح- وإيجاد حلول لمشكلاتها المزمنة، مؤكدًا أن هذا هو الدرس الذي ينبغي أن يعيه كل من يحاول أن يتعلم شيئًا ما من التجربة البرازيلية.
فيما اعتبر معلقون من القراء أن ما كتبه الدكتور نصار عبدالله تحريض على الكراهية والقتل، مطالبين الجريدة بعدم التعامل مع الكاتب.
ولم يشفع لـ”المصري اليوم” قرار حذف المقال بعد نشره على اعتبار أن الرصاصة قد انطلقت بالفعل، حيث نشرت الصحيفة تبريراً غير مقبول قالت فيه: “إيمانا من الجريدة بالعهد الذي قطعته للقارئ، وكما اعتادت فتحت صفحاتها أمام كل الأقلام في مختلف الاتجاهات دون سقف إلا ما يخالف القانون، وتجديدا لهذا الالتزام، وبناء على ردود الأفعال غير المرحبة بمقال الدكتور نصار عبدالله، أستاذ الفلسفة بجامعة سوهاج “أطفال الشوارع: الحل البرازيلي”، عرضت إدارة الجريدة المقال المذكور على الشؤون القانونية للمؤسسة، التي نصحت بحذف المقال لما يحتوي عليه من تحريض على العنف.
وتشير الدراسات إلى أن الفقر يلعب دورا خطيرا في تزايد ظاهرة أطفال الشوارع فربما هو أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الظاهرة واستفحالها بهذا الشكل، حيث أنه يدفع الآباء لإلقاء أولادهم إلى الشارع والبداية تكون في تشغيلهم في بيع بعض السلع البسيطة على أرصفة الشوارع مثل مناديل الورق أو حتى حلوى الأطفال كما يدفعونهم أيضا للتسول، وهذا يؤدي بهؤلاء الأطفال إلى وجودهم بمفردهم لساعات طويلة في الشوارع، مما يعرضهم للعديد من المخاطر من قِبل أُناس معدومي الضمير، سواء كانت هذه المخاطر الاغتصاب، أو الاستغلال الجنسي لهم، أو استغلالهم في الإتجار بالمخدرات، أو التسول لحساب أحد .
أما المشاكل الأسرية كالعنف بين الزوجين والتي لا يخلو بيت منها الآن تكون بمثابة الدافع والحافز الذي يدفع الأطفال إلي الهروب من البيت واللجوء إلي الشارع، بالإضافة إلي أن معظم هذه المشاكل تنتهي بالطلاق الذي ارتفعت نسبته في مصر إلي 45% أو الانفصال بين الزوجين وبالتالي ضياع الأطفال.
ومن هنا تتحول براءة الأطفال هذه إلى قوة تدميرية لا أحد يعرف أين ستنفجر المرة القادمة خصوصا وأن كلفة استقطابهم من أي جهة معادية لا تتكلف سوى 50 جنيها، هي في نظرهم ثمن بيع انسانيتهم بل ووطنهم خصوصا وأنهم إفراز طبيعي للجهل والفقر والتهميش والبطالة الذى رسب داخلهم عدم الانتماء لهذا البلد ، ومن ثم يسهل توجيههم للقيام بأعمال غير مشروعة لعدم وجود انتماء لديهم تجاه الوطن فبداخلهم حقد تجاه المجتمع وتجاه الناس، وهم معذورون بسبب نشأتهم والظروف الصعبة التي عاشوا فيها وخرجوا بسببها للشارع ونظرة الناس لهم ، والخطر الأكبر هو سهولة تحريك أولاد الشوارع واستخدامهم بسهولة في توقيت معين.
وقد فرضت ظاهرة “أولاد الشوارع” نفسها على مسرح الأحداث خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011 التي وجدوا فرصة ذهبية ليطفوا على السطح في أمان ، فهذه هي المرة الوحيدة التي شعروا فيها بقوتهم ودورهم فالمتتبع لهم منذ الثورة سيجد أن لهم خيمة ثابتة لم تتزحزح بميدان التحرير منذ 25 يناير ، وهم لا يخفون سعادتهم الغامرة بالثورة ووجودهم بين الثوار حيث لا يسألهم أحد عن أصلهم ولا يصفهم بأولاد الشوارع.
وقد ساهمت تلك الأحداث فى زيادة عددهم فى المجتمع وفى تناقض سلوكياتهم وفى تغير الخصائص المكانية أى الأماكن التى يتركزون فيها، زاد عددهم لتسريحهم من الجمعيات لعدم توافر الإمكانيات للجمعيات الأهلية وهم يتواجدون بعد الثورة فى الأماكن القريبه من ميدان التحرير وبعضهم له سلوكيات ايجابية والبعض الآخر سلوكياتهم سلبية.
فيما ترى وجهات نظر أخرى أنه من الصعب المساواة بين البلطجية وأولاد الشوارع، فالبلطجية صنعهم النظام السابق ويستخدمهم بعد تدريبهم وتأهيلهم وهم يعرفون ماذا يفعلون، لكن أولاد الشوارع مغيبون وعندما يتم تأجيرهم للتخريب بمقابل يقومون بهذه الأعمال وهم يتصورون أنها من قبيل البطولة وهم معذرون فهم ضحية لمجتمع اعتاد على النظرة الطبقية العنصرية لأفراده، وبالتالى ترسب لدى هؤلاء الأولاد عقد نفسية متوارثه عبر سنوات طويلة، ولكى نعالج لابد أن نعيد النظر فى هذه النظرة الطبقية الدونية تجاه هذه الفئة، حتى نبدأ فى رعايتهم وعدم تجاهلهم وتهميشهم ويتواكب هذا مع تطوير فى التعليم لتحرير العقل المصري .
والواقع أن قضية أولاد الشوارع يجب أن تفرض نفسها من باب واحد ألا وهو أن يضع كل منا نفسه وأبناءه في هذا الوضع ، فمن الطبيعي أنه لن يمر على هذه الكارثة مرور الكرام بل سيحاول إنقاذهم بكل ما أوتي من قوة!! ويبقى السؤال الحائر الموجه لكل مسئول في مصر كيف ننقذ ما تبقى من هؤلاء البشر ونعيدهم ونحن نعيش حالة شيزوفرينيا.. نسمع كلاما جميلا معسولا ونري واقعا بشعا ومرا نعجز عن التعامل معه؟!