لم يوفر السوريون، طريقة للهروب من جحيم بلادهم، تعتب عليهم، ركبوا البحر بكل مخاطره المعروفة، استخدموا جوازات سفر مزورة، وأوراق ( مضروبة )، تعاملوا مع مهربين، وقطاع طرق، و سماسرة، ونصابين، منهم من نجا، آخرون ماتوا غرقاً، فيما تحول البعض إلى ضحية، وقعت في شباك المحتالين، لتفقد آمالها قبل أموالها.
لحظة عبور الحدود السورية، ليست بداية رحلة المآسي والعذاب، اللحظة تبدأ منذ التفكير بالهروب ، خاصة حين يحظى الُمغادر بشرف وجود اسمه ضمن قوائم المطلوبين للأمن، أو الممنوعين من السفر إذا كان أسعد حظاً طبعاً، تليها لحظات التخطيط الثقيلة، وما تتطلبه من تخف وتمويه، ثم اللحظة المرعبة لأول تحرك.
عندئذ، أمام الهارب طريقتان، إما ( قشق ) أي الخروج تهريباً عبر الحدود البرية غير النظامية ( الجانبية والترابية)، مع ما تحمله من مخاطر الألغام أو الحواجز والكمائن ، أو القصف العشوائي، وتتركز حوادثها في المناطق الحدودية مع لبنان والأردن، في حين أن الهروب عبر الحدود مع تركيا أو العراق، يمتاز إضافة إلى ما ذُكر، بامكانية الوقوع بين أيدي ( داعش )، لتقام على (الفار) مختلف ( الحدود الشرعية ) وصولاً إلى قتله بدعوى ( الردة ) عن الإسلام، خصوصاً إذا كان من الناشطين السلميين أو الاعلاميين من غير المؤمنين بدولة البغدادي.unnamed (5)
وتتلخص الطريقة الثانية، بدفع الرشى إلى عناصر الحواجز على الطرق الرئيسية، بعد اختراق وضمان
(مافيا) الهجرة والجوازت، لتمرير الهارب في يوم وساعة محددين، بختم نظامي دون تدوينه في سجلات الكمبيوتر رسمياً، وهذه طريقة باهظة الكلفة، عدا إمكانية التعرض للوشاية، أو رفض الرشوة من قبل الحواجز الأمنية، وبالتالي الاعتقال.
ثمة من يلجأ إلى تزوير الختم النظامي لإدارة الهجرة، ووضعه على جواز سفره، الأمر الذي يعرضه لخطر اكتشاف سلطات جوازات البلد الآخر لعملية التزوير، وعواقبها بحسب الموقف السياسي للدولة من الأزمة، و تتراوح بين السجن بتهمة التزوير، أو التطنيش تماماً، أو منع المزور من الدخول، أو السماح له شرط عدم محاولة مغادرة البلد بالختم المزور، وتسجيل اسمه في قوائم اللاجئين لدى الأمم المتحدة.
تبقى كل الاحتمالات المذكورة واردة، و السلطة الوحيدة هنا للحظ وحده.
العملية، تحولت إلى تجارة، لها شبكاتها المعروفة وشبه العلنية، وذلك بالتزامن مع تصاعد وحشية النظام في الاعتقال، والقصف العشوائي للمدنيين، العامل المشترك بين طرق ومسالك الهروب هي ( دفع الرشى ) والحظ الموفق.unnamed (4)
خلطة الهروب والتهريب بكل مكوناتها هذه، تأخذ أحياناً طابعاً طريفاً، لا يخلو من الابتكار، وتننوع أكثر في الأيام التي يتشدد خلالها عناصر حرس حدود الدول المقصودة، ويستبدلون التجاهل أو قبول الرشوة، بمنع عبور الهاربين خلسة، حينها تنتشر حكايات الاختراعات المضحكة لاختراق الحدود، براً أو نهراً، وآخرها ما تناقله ناشطون عما حدث في بلدة سلقين بريف إدلب، حيث استخدم الراغبون بعبور النهر إلى الجانب التركي، الطناجر الكبيرة، جداً والمعروفة بالحلل، والتي يبدو انها صُنعت خصيصاً بوصفها إحدى وسائل الهروب.
الحكاية المتدوالة، تُقدر حجم ( الطنجرة أو الحلة العملاقة) بما يكفي للتسع نحو عشرة أشخاص على الأقل، ويُصعب حساب أعداد الكوسى المحشي الذي يمكن طبخها في الوعاء، إنما يسهل شرح استخدامها كواسطة للنقل، حيث تربط الحلة بحبل طويل يمسك بطرفيه على جانبي النهر شخصان، يتوليان سحب ( الحمولة البشرية ) بالاتجاهين في نقطة معينة من مجرى التهر، يبلغ عرضها حوالي 14 متراً.
لكن الطرافة بدورها، ممزوجة بمرارة احتمال انزلاق الحلة مثلاً، أو انقلابها، أو تعرضها لقذيفة هاون ، أو برميل متفجر، تقذفه طائرة عابرة بالمصادفة.
إياد عيسى : كلنا شركاء