أثار إعلان الشرطة العراقية في محافظة ديالى شرقي البلاد عن اعتقال “خياط رايات” “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”، (داعش)، موجة واسعة من السخرية في الشارع العراقي، عزّزها إعلان آخر حول اعتقال وزير الزراعة في التنظيم نفسه.
وتطرح مثل تلك الإعلانات تساؤلات حول خطورة العمل بقانون “المخبر السري”، رغم تصويت البرلمان على رفضه العام الماضي. وكانت محطة “السومرية” الفضائية، المقربة من رئيس الحكومة نوري المالكي، قد نقلت عن مصدر أمني، أمس السبت، قوله إن قوة أمنية اعتقلت خياط رايات تنظيم (داعش) في عملية وصفتها “بالاستباقية”، وجرت في شمال شرقي مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى. وأضافت المحطة أن “الرجل في العقد الرابع من عمره ويعمل خياطاً، وجرى تجنيده في صفوف الجماعات المسلحة قبل سنوات”.
وقال مدير مؤسسة “السلام” العراقية لحقوق الانسان، محمد علي، إن “الوشايات والمعلومات المغلوطة وما يحب السلطان في بغداد سماعه، عوامل أساسية لاستمرار اعتقال المزيد من الأبرياء في العراق، تحت بند المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب النافذ في البلاد”.
وأضاف أن “القوات الحكومية اعتقلت في الثالث من أبريل/نيسان الماضي رجلاً قالت إنه قناص تنظيم (داعش) في بغداد، وبعد مرور أيام اكتشفت أن الرجل يعاني من قصر النظر، ولا يمكن له القراءة الا بنظارات طبية كبيرة، فضلاً عن أنه حرم من إجازة السوق، بسبب ذلك، ومثل تلك الحالات تقع بالعشرات شهرياً، والضحية يكون دوماً من لون أو مكون معين في العراق”.
وقال علي: “لم تسأل قوات الأمن الحكومية نفسها قبل الإعلان عن اعتقال خياط (داعش) أن رايات هذا التنظيم عبارة عن خرقة قماش أسود داكن كتب عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله) بواسطة (قناني الأصباغ الجاهزة) دون الحاجة الى خياط، وإن كانت تقصد خياط ملابسها فهذا سيتطلب معملاً للخياطة وليس شخصاً بمفرده”. وبيّن أن “تصريحات الحكومة تميل إلى إثارة ورفع الروح المعنوية للجنود في الأنبار، بعد سلسلة الانكسارات التي أصيبت بها”.
وكانت مؤسسة “شفق” العراقية للدراسات الديمقراطية قد أعلنت الشهر الماضي عن استطلاع جديد للرأي، بالتعاون مع الأمم المتحدة، أجرته في محافظات عراقية عدة أظهر أن غالبية المواطنين العراقيين لا يثقون ببيانات الحكومة الرسمية، خاصة تلك المتعلقة بالمشاريع الخدمية والتنمية الاقتصادية والحرب على الإرهاب، وفقاً لمدير المؤسسة عصام الوكيل. وذهبت المؤسسة الى أن 68 في المائة من العراقيين لا يثقون ببيانات الحكومة المتعلقة بالتنمية والحرب على الإرهاب.
ويقول ضابط الأمن المتقاعد في بغداد، جمال سعدي، بهذا الخصوص إن “العسكر يعملون ما يجعلهم أكثر قرباً من (نوري) المالكي. يصنعون الحدث ثم يحرزون انتصاراً عليه، ثم تأتي الترقيات والمكافآت بعد ساعات من ذلك”.
ويضيف “اعتقلت وزارة الداخلية في يوليو/تموز 2007 من قالت إنه سائق (أبو مصعب) الزرقاوي. واحتفل الجهاز الأمني بالإنجاز، لكن بعد رفع أوراقه إلى القاضي، سأله: هل كنت سائق الزرقاوي الشخصي؟ أجابه، وكانت علامات التعذيب تبدو واضحة عليه: نعم كنت سائقه. عاد مرة أخرى وسأله: ما كان نوع السيارة؟ فأجاب: سيارة نيسان طراز 2010. لحسن حظ الرجل أن القاضي كان نزيهاً ومتنبهاً لما قال بأن الزرقاوي كان يستقل سيارة متقدّمة في الطراز عن عامه بثلاث سنوات”.
من جهته، يشير الصحافي العراقي، محمود أحمد، الى وجود قصور في المؤسسة الإعلامية العراقية، فيما يتعلق بجانب النقد للأداء الحكومي، وتقصّي ما وراء البيانات والتصريحات الحكومية ومحاولة التدقيق فيها. ويقول أحمد إن “ظاهرة الإعلام المؤدلج في العراق أصبحت سائدة بشكل شبه كامل. تحكمها الأموال والضغوطات السياسية وحتى الأمنية كالتهديد بالقتل أو الطرد والإقصاء من البلاد، وهذه نتيجة طبيعية لما يحصل اليوم، علينا ألا نستغرب في حال طالعتنا حكومة المالكي بإعلان يقول فيه: اعتقلنا وزير المصالحة الوطنية في (داعش) أو منسق مواعيد زعيم (داعش)، خاصة بعد سلسلة المناصب التي استحدثت كحاجب والي الموصل ووزير الزراعة ووزير الكهرباء وآخرهم خياط (داعش)، في الوقت الذي تعجز فيه عن ضبط عشرات السيارات المفخخة” التي تفجر العراقيين.
وفي السياق نفسه، علق الكاتب العراقي الساخر علي حسين في صفحته على “فيسبوك” على إعلان القوات الأمنية اعتقال خياط (داعش) بقوله “فكرت في أن أكتب عن الإنجاز الأمني الكبير، الذي تحقق أمس، حيث بشرتنا القوات الأمنية بأنها اعتقلت (خياط داعش) في عملية استباقية، واذا كان جنابك من هواة المعاجم العسكرية، ستجد أن العسكر يطلقون مصطلح العملية الاستباقية لتحجيم قدرات العدو، وشلـّها قبل أن يتحرك بالهجوم، أما في قاموس دولة القانون فإن القبض على خياط رايات داعش يعد عملاً بطولياً وطنياً، ولأننا نعيش في صولات (ظهر الحق وزهق الباطل)، المطلوب أن لا تثار أسئلة من عينة لماذا تعجز القوات الامنية عن حماية الأبرياء، ومن سمح للإرهاب ان يقتحم بيوت الناس، لا جواب حتما.. المطلوب فقط أن يعود الشعب الى الصمت”.
وتندر العراقيون على صفحات المواقع الاجتماعية حول الإعلان، معتبرين أنّه مثال على استخفاف سلطة بغداد بعقول الشعب، إذ “اعتقلوا الإبرة ومرّروا البعير”، فيما كتب أحدهم “يبدو أن الخياط المسكين كتب اسمه على إحدى الرايات بدلاً من شعار (داعش)”.