لطالما صورت الدراما السورية في مسلسلات البيئة الدمشقية العلاقة الاجتماعية بين الحماية والكنة على أنها نوع من التوتر والصراع الأزلي بينهما..
حيث حولتها في سيناريوهاتها الدرامية إلى معارك مستمرة بين الطرفين لا يمكن حسمها، حيث من الصعب أن تسكنا في ذات المنزل وتحت سقف واحد، لكن “الثورة” السورية غيرت أكثر المفاهيم الخاطئة عن تلك “العلاقة” التي كتبت عنها أقلام “الكتاب” وصورتها عدسات “المخرجين” بهدف الترويج والترفيه فساهمت في تكريسها في المجتع السوري.
السيدة (فدوى،48 عاماً)، من سكان دمشق، تقول: “بعدما دمر بشار الأسد بدباته وطيرانه الهمجي سكني القائم في زملكا بالغوطة الشرقية، وبعد مقتل زوجي صالح على أيدي أحد قناصة النظام، اضطررت للنزوح والعيش في منزل ابني محمد في شارع بغداد مع زوجته وطفليه، فكما يقولون (ليس أغلى من الولد إلا ولد الولد) وكيف لا وهم أضاؤوا حياتي نوراً بعد أن خيم عليها الحزن، ومنحوني الفرح والأمل بوجودهم، فمن الجميل أن تحاط بمن تحب فهم يدفعونني للعيش بأيديهم ووجوههم الصغيرة وقلوبهم البريئة التي تحمل حباً يفوق أضعاف حجمها”.
وعن علاقتها بـ “كنّتها” إيمان تقول (فدوى): “العلاقة بيننا هادئه نسبياً وتقوم على الاحترام والمحبة وتفهم كل منا الأخرى، كما أحرص على عدم التدخل بشؤونها كطريقة تربيتها لأطفالها وعلمها كربة منزل وكزوجة لابني، إلّا إذا طلبت مني المساعدة والمشورة لأن تدخلي سوف يؤدي إلى تخريب تلك العلاقة الهادئة”.
وتتحدث (سوزان، 29 عامأ)، عن مخاطرة حماتها “صباح” بحياتها لإنقاذها من منزلها تحت زخم الرصاص والقذائف التي انهالت على حيَ بابا عمرو منذ عامين قبل أن تنزح العائلة إلى مدينة طرابلس اللبنانية، وتصف علاقتهما بالاستثنائية قائلة: “إنها بمثابة أم لي فكيف لا أحبها؟ وهي أم زوجي وجدة طفلتي؟ لا أستغني عن نصحها ومشورتها، خصوصاً عندما تواجهني المشاكل، فألتجئ إليها باعتبارها الأكبر عمراً والأقدم تجربة وحكمة، كما تساعدني بتربية طفلتي (أريج)، وتقوم ببعض أعمال المنزل خاصة عندما أذهب لقضاء حوائجي أو للتسوق”.
وعن السكن المشترك بينهما في طرابلس، توضح (سوزان): “الظروف المتدهورة التي نتجت عن مقتل الآلاف، وتدمير عدد كبير من المنازل وتهجير سكانها أجبرت العديد من العائلات للسكن المشترك ولو في غرفة واحدة، لأنه بات واقعاً حتمياً فرضته الظروف القاهرة وأوجب علينا تقبّله والتأقلم معه لنستطيع التعايش مع بعضنا، وكانت لهذه الأزمة إيجابياتها كما سلبياتها، حيث لملمت من شمل الأسر المبعثرة في (معلّبات سكنية متباعدة) لتجمع بينهم تحت سقف واحد وتألف المصائب بين قلوبهم”، وتضيف: “والدا زوجي ساندوني كثيراً من النواحي المادة والمعنوية لهذا يتوجب على (الكنة) أن تعزز من مشاعر المحبة والألفة في المنزل”.
ويقول “ماهر” زوج سوزان “إن الرجل يلعب دوراً كبيراً في إنجاح العلاقة بين والدته وزوجته باعتباره رجل الأسرة، وقوامها بعد الأب، فيتوجب عليه فرض شخصيته وحل المشاكل العالقة بينهما فوراً، وعدم الانحياز لطرف دون الآخر، أو تفضيل إحداهما، والعمل على تبيان وجهة نظر كل منهما للأخرى، وتلطيف الجو المشحون، وقد يكون الأطفال الحل الأكثر فعالية لحل المشاكل والمصالحة بين الطرفين”.
لا ينسى السوريون وبكل ألم ما أظهره مقطع فيديو نشره ناشطون على موقع “يوتيوب” في أيار/ مايو عام 2011، والذي صور اعتداء قوات الشبيحة على اعتصام نساء من بانياس من أجل الإفراج عن أولادهن الذين اعتقلتهم قوات النظام بتهمة “التظاهر السلمي”، ووظهر في شريط فيديو امرأة تصرخ “مرت عمي..مرت عمي” منادية والدة زوجها التي كانت مضرجة بدمائها بعد أن أطلق عليها الشبيحة الرصاص الحي.