بدا عبد الفتاح السيسي، كعريس، يتأهب لليلة الدخلة. ولا غرو فأحد الكتاب من أنصاره، كتب مقالاً حمل عنوان: “مصر للسيسي: زوجتك نفسي”. ويبدو أن هذا اللون الجديد من الفعل السياسي صار لغة الانقلاب المحببة؛ فوزير خارجية الانقلاب قال إن العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، هي “زواج شرعي” وليس نزوة لليلة واحدة. ومن قبل كتبت كاتبة تذوب وجداً وصبابة في السيسي تعرض نفسها للزواج منه، ولا بأس عندها إن كان ترتيبها “مثنى”، أو “ثلاث”، أو رباع”، فإن لم تجد لها موقعاً، فلا مانع عندها من أن تكون ملك يمينه وجارية في بلاطه.
خلال الأيام الماضية تم الترويج لصورة ثلاث فتيات في “ليلة الدخلة”، وقد علقن صور عبد الفتاح السيسي. وكأنها حجاب يمنع عنهن العين “وربطة العريس” في هذه “الليلة المفترجة”.. وتعلمون بالطبع الاصطلاح المصري: “العريس مربوط”.
وقد استمعنا مؤخراً لهذه السيدة، التي قالت لو أن السيسي هو زوجها، فسوف يشرفها أن تنجب منه كل تسعة أشهر. وفق قواعد “الشحن والتفريغ”!.
لاحظ أنني لم ألتفت إلى أي مطالب أو رغبات أو تصرفات تخالف شرع الله، فلم ألتفت مثلاً إلى تصريحات هذه الطبيبة التي أعربت عن أنها تحب السيسي جداً، وكان واضحاً أنها في حالة سكر بين. وكما يقول المتصوفة: ” وهل رأيت محباً غير سكرانا”؟!، ولم ألتف بطبيعة الحال إلى تصرف هذه السيدة التي قبلت صورة للسيسي فقام زوجها بتطليقها، ولا نعرف مصيره الآن، فظني أنه سيتم توقيع العقاب الأمني عليه.
كلامنا هنا، عن الراغبات في التعامل مع المرشح الرئاسي بما يرضي شرع الله، وهن وغيرهن تعاملن على أن السيسي هو العريس، الذي يجري تهيئته لليلة الدخلة. ووفقاً لهذه الرؤية الجديدة، ففي اللحظة التي ستنشر فيها هذه السطور، سنكون في ” ليلة الحنة”، وطقوسها تختلف من مجتمع لمجتمع. وفي الصعيد علي أيامنا، كانت هذه الليلة المباركة تشهد وضع “الحنة” في اليدين والرجلين، للعروسين، بعد ليلة صاخبة، يحتفل فيها كل منهما وسط أهله وأصحابه، قبل الليلة الكبيرة، وهي “ليلة الدخلة”، فيصبح الفرح واحداً. ومع ذيوع ظاهرة التعليم، صار الشباب من الجنسين يتعامل مع ” الحنة” باعتبارها طقساً بالياً، فصارت “ليلة الحنة” تسم هكذا مجازاً.
اتساقاً مع هذه الظاهرة المستحدثة في عالم السياسية، وهو تصوير المرشح الرئاسي علي أنه ” عريس”، مقرر له أن يدخل بها، علي طريقة عادل إمام في احدي مسرحياته: ” لابد أن يدخل بها”، يصبح لزاماً علي العبد لله، أن يساير هذه الظاهرة، حتى لا يتهم بأنه نشاز!.
ومما يؤسف له، أن عبد الفتاح السيسي، لا يري في الزواج سوي “ليلة الدخلة”، ومن التركيز في تجربته في “الزواج العرفي” من مصر، منذ 3 يوليو إلى الآن.. وبالتركيز كذلك في رؤيته، التي قالها عبر مقابلاته التلفزيونية، سنقف علي أن الرجل ليس له تصور يتجاوز به، حدود ما يحدث في “ليلة الدخلة”.
علي أيامنا، وعندما كانت ظاهرة الزواج المبكر هي الأصل بالنسبة للجنسين، كان المراهقون يندفعون مطالبين أولياء أمورهم بتزويجهم، وكل تصوراتهم عن الزواج هو “ليلة الدخلة”، مع أنه وبعيداً عن هذه الليلة، فانه يكون أمام مطالب كبيرة. مثل المسؤولية عن بيت وأسرة وأطفال. لكن هذه النوعية من المراهقين تبسط الأمر فولي أمره هو من يقوم بكل هذا، ليبقي له هو عملية الاستمتاع بليلة الدخلة، وما يتبعها من ليال شبيهة.
بعض الآباء كانوا يضيقون ذرعاً من المطلب غير المسؤول لأبنائهم، فيكون تعليقهم استنكاراً: يريدني أن أزوجه وأنفق عليه. باعتبار أن الإنفاق علي النفس والأسرة، هو من كمال الرجولة، ولا يتزوج المرء إلا إذا استكملها وان كان صغير السن. فأي عاقل الذي يقبل أن ينفق عليه وعلي زوجه أحد غيره، وان كان والده؟!.
والمتابع لعبد الفتاح السيسي، سيقف بسهولة، علي أن تصوراته عن الرئاسة هي الأحلام الوردية، ولحظة دخوله القصر الجمهوري، ولحظة تقديمه علي أنه رئيس جمهورية مصر العربية. وفهمه للأمر لا يتجاوز فهم الشاب صغير السن عن الزواج، الذي ما هو إلا “ليلة الدخلة”.
بعد نجاحه المؤكد، سيجد السيسي نفسه أمام “هم ما يتلم”، فالمشكلات التي يعاني منها الناس سوف تستمر أو تتفاقم، وهو قادم لمرحلة “الحكم الشرعي”، بعد “الحكم العرفي”، والاقتصاد المصري في أسوأ حالاته. ولا يمكن لمستثمر عاقل ، في الداخل أو الخارج أن يأتي للاستثمار في بلد قلق سياسياً. كما ان السيسي يأتي رئيساً ولا أمل في أزمة السياحة. فضلاً عن الأزمات اليومية التي تفاقمت منذ الانقلاب.
من قبل كان الرد بأن السيسي لا يحكم، وأن من يحكم هو المسؤول عن الأزمات المتفاقمة. وهو كلام وان كان لا ينطلي علي أي “صريخ ابن يومين”، إلا انه ينطلي علي البعض، ويروج له أنصار الرجل. فماذا عندما يصبح “الزواج شرعياً”، وأمام مأذون معتمد، وقد تم الضرب عليه بالدُف، فيصبح هو الحاكم المطالب بحل المشكلات، ولن يمكنه أن يحمل غيره مسؤولية فشله.
السيسي عندما يفكر قليلاً في مرحلة ما بعد “ليلة الدخلة”، فانه يلقي بكل همومه علي عاتق أولياء أمر الانقلاب: ” السعودية والإمارات”. صحيح أنهما تململا من تقديم المساعدات في السابق، لدرجة أنها أوقفتها. لكن كلا البلدين قد تضطر لتقديم مساعدات جديدة له، من باب المسؤولية الأخلاقية عن الانقلاب.
كلاً من السعودية والإمارات، تدركان حجم الكارثة وأن الاستمرار في تقديم مساعدات لبلد، لا أمل في نهوضه اقتصادياً في ظل استمرار حكم العسكر، معناه أن تنفقا كامل الاحتياطي النقدي للبلدين، ثم يقول لهما السيسي: هل من مزيد؟. فبلد المائة مليون نسمة لو تولت دول الخليج اطعامهم ” فول وفلافل” في كل صباح لمدة حول، ستلجأ دول الخليج قاطبة لنادي باريس!.
والسيسي يعلم، أنه الآن لا يوجد عنده ما يقدمه، سوي الحديث حتى الملل عن ان الجيش المصري سيكون في خدمة دول الخليج ” الراعية للانقلاب طبعاً”، و”لمسافة السكة”، وظن بما قاله أنه دغدغ المشاعر الجياشة لهذه الدول. فاته أن إيران لا يمكنها أن تتورط في معركة مع هذه الدول، وإذا حدث فان فاتورة استدعاء قواته ستكون أكثر كلفة، وأقل قدرة علي الحسم، من استدعاء الجيش الأمريكي، الذي لن يحتاج ” لمسافة السكة”، في زمن حضور الجيوش قبل أن يرتد إليك طرفك
المعني، أن السيسي في إقدامه علي القصر الرئاسي، لا يوجد عنده تصور خارج “ليلة الدخلة”. فماذا بعدها لو قالت له ست الحسن والجمال: ” اين مصروف البيت”؟ّ!.. ونظر حوله فلم يجد “ولي أمره”؟!
تمنيت لو أن بجوار عبد الفتاح السيسي رجل رشيد يقول له: “إن الزواج ليس ليلة الدخلة”، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.