معاناة حقيقية، عندما يجد عبد الفتاح السيسي، المرشح الرئاسي، نفسه مضطراً لان يتعذب. وهو القائل إنه يتعذب وهو يتكلم، لأن الكلام عنده يمر على ” فلاتر”، ومن فلتر الصدق إلى فلتر الإيمان. ومن الواضح أن “الفلاتر” عنده لا تعمل بكفاءة، فيأتي كلامه متناقضاً، وغالباً فان أداء هذه “الفلاتر”، يكون شبيهاً بالري بالتنقيط.. فما يتم تسريبه بعد المرور عليها، نقطة، نقطة، لنجد أنفسنا في مواجهة كلمات متقاطعة، إذا حاولت أن تشكل منها جملة صحيحة، باءت محاولاتك بالفشل الذريع!
السيسي ولأنه مرشح رئاسي، فقد كان لزاماً عليه، أن يلتقي بممثلين عن الشعب المصري، بعد أن حالت الظروف الأمنية دون أن يلتقي الناخبين وجهاً لوجه. وفي كل المداخلات التلفزيونية يصر أنصار الرجل على القول إنه مستهدف بالاغتيال، وفي مقابلة تلفزيونية أعترف هو نفسه بذلك، وقال إنه تعرض لمحاولات اغتيال، لم يرو تفاصيلها، ولم يطلب منه من يحاورونه ذكر التفاصيل. حتى لا يكونوا سبباً في معاناته، وهو الذي يتعذب عندما يتكلم.
الحديث عن السيسي الذي لم يهبط للجماهير من عليائه بفندق الماسة، شأن المرشحين في عموم العالم، وارجع ذلك للخطر الأمني، بدد تماماً صورته وهو يستقل دراجة، وهي الصورة التي جرى بثها لسيادته، وهو يتحرك في الشارع بحرية، ويقف ليتحدث مع المواطنين. فالحديث عن المخاطر الأمنية، التي قد يتعرض لها المشير وحالت دون قيامه بالدعاية الانتخابية، تؤكد ما لا يحتاج إلى تأكيد بالنسبة لي، بأن صورته وهو يستقل دراجة في الشارع، كانت من باب التأليف السينمائي، للمخرج الذي يستعين به السيسي، وهو خالد يوسف، الذي صار “منحوساً”، وأينما يولي وجهه لا يأتي بخير.
لا بأس، فالسيسي زادت معاناته في الأسبوعين الأخيرين، فقد “خضع″ لعدد من المقابلات التلفزيونية، التي جلس أمامه فيها محاوروه كأنهم “تلاميذ في مدرسة العقاد”. وفي بعض هذه المقابلات كان يتعامل من على كرسي السيد ناظر المدرسة، فيحتد في مواجهة سؤال كما فعل مع إبراهيم عيسى، عندما تحدث عن حكم العسكر. وكما فعل مع الفنان محمد صبحي رداً على سؤاله عن البرنامج. فالسيسي يقول إنه ليس متفرغاً لوضع البرنامج، ولا نعرف ما هي وظيفته الآن غير أنه زوج ومرشح، حتى لا يكون لديه وقت لوضع البرنامج.
لزيادة المعاناة، فإنني أكتب هذه السطور صباح يوم الجمعة، وفي المساء سنكون على موعد مع السيسي في مقابلة تلفزيونية مع “نائلة بناية”، ولا نعرف ماذا بقي من الصمت يستحق أن يبدده في لقائه مع المذكورة، وليزيد معاناته وهو يتحدث؟!
مهما يكن فان مقابلات السيسي التلفزيونية، فضلاً عما يقوله في لقاءاته مع “زعماء الطوائف”، من فنانين، ومثقفين، وحزبيين، ورجال أعمال، تحتاج لفريق عمل متفرغ يقوم بقراءاتها وتحليل مضمونها، ومؤكد أن هذا الفريق سيقدم بذلك خدمة للبشرية ترفع عنها النكد، وتزيل عنها الهموم، باعتبار أن شر البلية ما يضحك.
السيسي في معاناته، لا ينتبه إلى تناقض كلامه، فبينما قال في حديث سابق، إن هناك جيلين سيغادران الحياة الدنيا قبل أن يشعر المواطن بمردود عطاء الرئيس السيسي للبشرية، فانه الآن يتحدث عن أن الشعب (سيحس) بالانجاز بعد عامين. وبطبيعة الحال فان من لم (يحس) بعد عامين، فان الأمر سيكون راجعاً إلى تراجع منسوب “الإحساس″ عنده. ومن لم “يحس″ حينها، فلن يفضح نفسه، فالإحساس نعمة. كما تقول الحكمة الخالدة.
بين التصريح القديم، والكلام الأخير، كان كلام عبد الفتاح السيسي يدور كله حول أنه لن يعد بشيء، وليس عنده ما يقدمه، وأنه لا يملك عصاً سحرية، وأن المواطن وحده من يملك الحل بأن يقوم بتقسيم رغيف الخبز إلى أربعة. فحول الموضوع إلى نكتة والرغيف المصري ظل يصغر ويصغر إلى أن صار لا يُري بالعين المجردة.
المعنى أن السيسي لا يوجد عنده ما يقدمه للناس، ومن هنا فانه يبدو في كلامه كما لو كان يقول للجماهير: “انتخبوني وأشكروني”. وفي رده على محمد صبحي قال له ما معناه، أنتم من طالبني بالترشح، والآن تتحدثون عن برنامج؟!
عقدة السيسي
البرنامج عقدة المرشح عبد الفتاح السيسي، ومعلوماتي أن البرنامج وضع، ثم جرى تمزيقه، لأنهم وجدوه برنامجاً منحازاً للمغامرين، الذين مكنهم المخلوع من مقدرات مصر، تحت لافتة “رجال الأعمال”، ضد الفقراء. فضلاً عن أن السيسي يعلم أن البرنامج سيمثل أداة للحساب والالتزام، وهو لا يريد أن يعد بشيء، أو أن يقدم أداة لمحاسبته وتقييمه، وقد رأى كيف أن الدكتور محمد مرسي، عندما وضع برنامجاً للمائة يوم جرى حسابه بالساعة، فقد مرت ساعتان دون أن يفعل شيئاً، ثلاث، أربع، خمس ساعات.. ثم كان إمساكه متلبساً بالفشل من هنا.
فقد وعد الرئيس محمد مرسي بحل مشكلة المرور في المائة يوم الأولى لحكمه، فغادر رجال الشرطة الشوارع، ليتحدث الناس عن الزحام المروري، وفشل الرئيس. وتحدث عن حل مشكلة القمامة، فكانت سيارات تتبع لجهات بعينها تلقي تلال القمامة في الشوارع. كما كان جامعو القمامة يجمعونها ويعيدون توزيعها على الشوارع الرئيسية.
مقابلات السيسي تتشابه علينا، فيختلط ما قاله لوائل الأبرشي، مع ما قاله لجميلة “سكاي نيوز″، مع ما قاله للميس الحديدي، مع مقابلاته مع وجهاء الطوائف. وقد عرض المشهد المصري لمقطع له وهو يبشرنا بأننا بعد نجاحه سنرى العجب، فلم انتبه إلى أين قاله؟!
بيع السيسي للسمك في الماء
عبد الفتاح السيسي، أردف بعد ذلك، بأن ذكر حديثاً قدسياً وظن أنه يصب في صالحه عندما يستشهد به، ونصه: “وعزتي وجلالي لأرزقن من لا حيلة له حتى يتعجب من ذلك أصحاب الحيل”. فكشف عن ضحالة في الثقافة الإسلامية مريع بذكره أن أصحاب الحيل هم الشياطين. وهو لا يعلم أن الحديث إذا انزل عليه مثل سلباً منه، فإذا كان هو من لا حيلة له، فهذا اعتراف منه بضعفه وعجزه.
لن تشتر من السيسي سمكاً في ماء، وهو الذي أعلن بأنه ليس لديه ما يقدمه للناس، أما عن حلوله للمشكلات ومن البطالة إلى مشكلة الوقود، فقد أكد للجميع أنهم أمام بؤس ينافس بؤس مبارك. فحل أزمة الوقود باللمبات الموفرة، وحل مشكلة البطالة بألف سيارة تحصل على البضاعة بالجملة وتبيعها قطاعي. وحل أزمة طوابير الخبز التي عادت بعد أن قضى عليها وزير التموين في عهد مرسي، بتقسيم الرغيف إلى أربعة.
العجب رأيناه في زمن الانقلاب، ومع مرشح رئاسي لديه شح مطاع في كل شيء، وان كنا لا نعرف العجب الذي يحدثنا عنه في مقطع “المشهد المصري”، والعبارة قيلت على نحو يحتمل الشيء ونقيضه. ويحتمل التبشير بسنوات السمن والعسل، أو سنوات “الجوع الكافر”، علي يديه الشريفتين. وقد قال من قبل إنه عذاب ومعاناة!
بيع مصر للخليج
واللافت حقاً هو ما قاله في مقابلة تلفزيونية عندما سئل عن علاقة مصر بإيران بأن هذه علاقة تحددها دول الخليج. وهو بطبيعة الحال يقصد الدول الراعية للانقلاب. وهو هنا يرهن القرار المصري عند الدول التي تنفق على عليه وعلى انقلابه. وقد كان المخلوع حسني مبارك يطبق هذه السياسة دون اعتراف، بتبعيته لحكام الرياض، ودون إعلان، وذات مرة استأذنه رؤساء أحزاب المعارضة بزيارة طهران، فقال لهم نصاً: “الأمريكان يزعلوا”، ولم يذكر حكام المملكة.
وما قاله السيسي هو لون من ألوان التبعية، لا يليق بمصر، فقد رهن القرار المصري في يد من يمولونه، ويعوضون فشله بمساعدات مالية وعينية.
ولا ضير، فقد اعترف في واحدة من مقابلاته، بأنه ليس سياسياً، واللافت أن رجلاً ليس سياسياً سيرتقي أعلى منصب سياسي في البلاد. على نحو سيوفر للكتاب الساخرين مادة خام تغنيهم عن سؤال اللئيم!
كنت أعتقد أن السيسي سيوقف حالنا في مجال السخرية، فإذا به يساعدنا في إنتاجها، مع أنه عذاب ومعاناة. ومع أنه يتعذب عندما يتكلم.
سيكون جيداً لو قام عبد الفتاح السيسي بتعطيل “الفلاتر” ليٌكمل جميله!
أرض – جو
تحولت قضية صحافيي “الجزيرة” إلى فضيحة من العيار الثقيل، ولم يتوقف الأمر عند حد اتهام صحافي خواجة بأنه من الإخوان، وإنما تطور لتكون لحظة فض الأحرار، التي تمثل أدلة الإدانة، فضيحة يتغنى بها الركبان!
لقد شاهدنا كيف تم فض أحد الأحراز فإذا بنا أمام أحد المتهمين يغني في الحمام. ولم يكن صوته جميلاً حقيقة. أما الحرز الثاني فكان عبارة عن أغنية: “بعيد عنك حياتي عذاب”. ولأن الأجهزة الأمنية لديها القدرة علي فك طلاسم حجر رشيد، فربما فهمت أن المغني يتحدث عن الرئيس محمد مرسي. وربما لان الأغنية الرسمية المعتمدة الآن “هي العنب.. العنب”. فتم التعامل مع من يغني “بعيد عنك حياتي عذاب” على أنه يهدد الأمن القومي للبلاد.
متى يتم إيقاف هذه المهزلة؟!
سليم عزوز
صحافي من مصر