قال السيسى فى معرض حديثه مع الاعلاميين أن ((معاهدة سلام استقرت فى وجدان المصريين.. وأنه لا يوجد عبث فى هذا الكلام، طول ما الآخرين هايحترموا حدودنا))
عن أى سلام وأى وجدان وعن أى مصريين تتحدث ؟
المصريون يعلمون جيدا أنه سلام بالاكراه، بدأ باحتلال سيناء بالقوة، وصمت مجلس الأمن، وتدخل الأمريكان ضدنا فى حرب 1973 لسرقة النصر، وإرغامنا فى 1974 على انسحاب قواتنا التى عبرت، وإكراهنا على توقيع هذه المعاهدة المُذِلة التى لا تمت للوطنية بصلة :
· فمعاهدة تعترف باسرائيل، وبحقها فى الأرض التى يعرفها المصريون بانها فلسطين، لا يمكن أن تكون فى الوجدان المصرى،
· ومعاهدة تخرج مصر من قيادة النضال ضد المشروع الصهيونى الذى يهدد مصر والأمة العربية كلها قبل أن يهدد فلسطين،
· ومعاهدة تحرم الشعب المصرى من حقه فى فرض سيادته الكاملة على أرضه، فتجرد ثلثى سيناء من القوات والسلاح، لا يمكن أن تكون فى وجدان أحد،
· ومعاهدة تنحاز الى الامن القومى الاسرائيلى على حساب الامن القومى المصرى، فتعطى لاسرائيل الحق فى ان تضع دباباتها على بعد 3 كيلومتر من الحدود المصرية، وتجبر الدبابات المصرية ان تكون على بعد 150 كيلومتر من ذات النقطة،
· ومعاهدة تلزمك باستئذان اسرائيل والتنسيق معها كلما اردت ان تزيد عدد قواتك فى سيناء المصرية، ولا تلزمهم بالمثل،
· ومعاهدة استبدلت الاحتلال الاسرائيلى بقوات اجنبية أمريكية وأوروبية لا تخضع للأمم المتحدة، تحت قيادة وزارة الخارجية الامريكية، لا يمكن ان تكون فى وجدان اى وطنى،
· ومعاهدة وضعت الامن القومى الاسرائيلى فوق الامن القومى العربى، وأعطت لنفسها الاولوية على اتفاقيات الدفاع العربى المشترك،
· ومعاهدة قيدت السياسة الخارجية المصرية وجردت مصر من حقها فى عقد اى معاهدات مستقبلية تتناقض مع احكامها،
· ومعاهدة أوقعت مصر وجيشها وتسليحها تحت رحمة وفى براثن المعونة العسكرية الأمريكية، تتحكم فيها وتسيطر عليها، لصالح اسرائيل،
· ناهيك على انها معاهدة باطلة دستوريا، اذ تخالف كل الدساتير المصرية التى تنص على ان السيادة للشعب المصرى وحده، بعد ان جردت سيناء من السيادة الكاملة،
· وتخالفها فى تنازلها عن جزء من الامة العربية لاسرائيل، اذ تنص الدساتير على ان مصر جزءا منها ويجب أن تعمل على وحدتها،
***
ثم ما هى حكاية “الحدود” التى تتحدث عنها، وتقول أن الاسرائيليين يحترموها ؟
يا رجل، هناك قطاع كبير من الناصريين، يروجون ليل نهار الى أنك ناصر جديد، وتؤكد أنت فى كل مناسبة بأنك تتمنى أن تكون كذلك،
بينما جمال عبد الناصر هو صاحب النظرية الشهيرة بأن صراعنا مع اسرائيل هو صراع وجود وليس صراع حدود،
وهو الذى تبنى شعار لا صلح لا تفاوض لا استسلام، بعد 1967
***
ثم بعيدا عن عبد الناصر، كيف تختصر الصراع ضد الكيان الصهيونى فى مشكلات حدودية، ألا تعلم أن المعاهدة المستقرة فى وجدانك أنت فقط، قد صنعت لمصر نوعين من الحدود بتعليمات اسرائيلية وأمريكية، حدودا سياسية هى الحدود الدولية المعروفة، وحدودا عسكرية على بعد 50 كيلومتر شرق قناة السويس، أسمتها اسرائيل بحدودها الآمنة مع مصر ؟
ثم عن اى احترام للحدود تتحدث و دماء جنودنا المصريين الذى سقطوا فى 2011 و2012 و2013 لم تبرد بعد، وكلها وقعت إما بأيادى اسرائيل أو بتدبيرها.
***
اننا نعلم منذ عقود، أن الأمريكان يجب أن يوافقوا على أى رئيس لمصر، ونعلم أن الجميع بلا استثناء، ويا للعار، كانوا دائما ما يقدمون مسوغات المنصب وأوراق الاعتماد، بإعلان التزامهم بمعاهدة السلام، فكان يمكنك أن تكتفى بذلك، وأن تصرح به باقتضاب وبلا حماس، أما ان تدعى أن المعاهدة فى “وجدان” الشعب المصرى، فهذا تزّيُد لم يفعله مبارك نفسه.
وان كنت لا تجرؤ على مصارحة المصريين بمساوئ كامب ديفيد التى تعلمها جيدا بحكم وظيفتك، فما كان يجب عليك أبدا أن تشارك فى تضليلهم بالحديث عن ايجابياتها.
***
لقد كان الانطباع السائد لدى كثير من المصريين، هو أن الجيش لم يرض أبدا عن ترتيبات سيناء، وأنه حَمّل القادة السياسيين السادات ومبارك مسئولية سرقة نصر أكتوبر و توريط مصر فى هذه القيود المجحفة،
فاذا بك ولقد كنت وزيرا للدفاع، تشيد بالمعاهدة وتمتدحها، فتثير الشك حول العقيدة الحالية للقوات المسلحة، وهل تأثرت هى الأخرى بكامب ديفيد .
***
هل هو الخوف من اسرائيل، رغم انك تتباهى طول الوقت بأنك لا تخشى أحدا غير الله
أما ان دراستك فى كليات الحرب الأمريكية قد أثرت على معتقداتك و قناعاتك،
لو كان الأمر كذلك، لتوجب على البرلمان المصرى فى دورته الأولى أن يشرع قانون يمنع أى تدريب للعسكريين المصريين فى امريكا.
***
ثم ألم تسأل نفسك، لماذا رفضت غالبية الشعب التطبيع مع اسرائيل كل هذه السنوات، ولماذا قام الشباب بعد الثورة بحصار السفارة الاسرائيلية وإغلاقها، ولماذا دخل الآلاف الى السجون بسبب معارضتهم لكامب ديفيد؟
أليس هؤلاء هم المصريون الحقيقيون؟ وأليست هذه هى حقيقة معتقداتهم الوطنية والعقائدية ووعيهم التاريخى ؟
***
ثم ما حكاية أنه لا عبث مع معاهدة السلام، هل تقصد أنه ممنوع الاقتراب منها أو لمسها أو تعديلها ؟
رغم أن هناك حالة اجماع سياسى وحزبى وشعبى، خاصة بعد الثورة، بأنه يجب تعديل المعاهدة على أضعف الايمان لتحرير مصر من قيودها الخطيرة والمهينة، التى تركت سيناء عارية أمام كل أنواع الذئاب، وتعرضها لتكرار عدوانى 56 و67
***
لقد تداولت وسائل الاعلام فى الايام الماضية تسجيلا لإيهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلى الأسبق، يدعو فيه الأمريكان لتأييد السيسى وعدم الضغط عليه،
ولكنى لم أرغب فى التوقف عنده، لأن كل ما يصدر عن الاسرائيليين، قد يكون وراءه ألف غرض وغرض، ولكنى توقفت كثيرا على ما قمت أنت بالتصريح به بنفسك،
ليس فقط فى موضوع المعاهدة؛
بل حين سألك ابراهيم عيسى أن كثيرين اعتبروا أن ما حدث فى 3 يوليو هو قمة الاستقلال الوطنى، فماذا بعد ؟
كان ردك مائعا، وكانت اجابتك صادمة، حين قلت بالنص : ((أن الأمريكان عارفين ان أنا صادق ومباشر ووطنى، وهم يرون انه من المناسب أن أكون رئيسا ))
وكذلك قولك أن على اسرائيل أن تعطى الفلسطينيين “حاجة” !!
فهل اختصرنا القضية فى النهاية الى شعار ((لله يا اسرائيل))
أرض قليلة تمنع بلاوى كثيرة
هل هذه نظرية جديدة فى الصراع العربى الصهيونى ؟
***
سيادة المشير، بعيدا عن أحاديث السلطة وصراعاتها، والدولة العميقة ومصالحها، والثورات والثورات المضادة والانقلابات وخرائط طرقها، والانتخابات الرئاسية وألاعيبها،
لم يعد مقبولا منك او من غيرك أى خروج عن الثوابت الوطنية المصرية،
ولن يسمح أحد بعد اليوم بأن يكون لاسرائيل كنوزا استراتيجية جديدة فى مصر.
محمد سيف الدولة