دقيقة صمت على أرواح من قتلهم الصمت، ذهابا وإيابا يقف الطفل وتقف الأم ويقف الكهل والشاب أمام أنقاضٍ كانت بالأمس مأوى من رحلوا بصمت، يتخيلونها كيف كانت عامرةً قبل أن تتهاوى عليها براميل الموت، يعودون بذاكرتهم قليل من الوقت، لو أننا قمنا بوداعهم لو أننا ألقينا عليهم تحية الوداع، لكن من يعلم، لكن من يعلم، ربما سيرحل أخرون بصمت أيضاً، علينا بالإسراع وإلقاء تحية الوداع عليهم قبل أن يرحلوا.
انتهت دقيقة الصمت واتجهنا إلى الحي المجاور لإلقاء التحية ووداع أخرين لكن لنتفاجئ، أنه سبقنا الوقت اليهم وأيضا رحلوا بصمت، لكنهم تحت الأنقاض منهم قد غادر إلى السماء ومنهم يستصرخ الضمير ويأن بجراحه، جراح الجسد وجراح الفؤاد، حيث لا يوجد من يرفع عنه حطام كوخه الذي انتهى منه قبل أيام وهو مستعد لأن يدخل قفص الزوجية وهو حالم بطفل يحمل اسمه ليحكي له حكاية الحرية حكاية شعب ثار ضد الظلم وضد من قتلهم، فقط لأنهم طالبوا بقليل من الكرامة والحقوق السماوية.
أيها المارون لا تنسوا أن تقفوا دقيقة صمت على أنقاض من رحلوا بصمت بسبب عالم إجتاحه الصمت هل هم صامتون لينتهي القاتل من الإنهاء على ضحاياه ليصنعوا من رحيلهم أفلام هوليود، أما أنهم مذهولون بأنواع الموت وأساليبه وكيف القاتل يتلذذ بتعذيب ضحيته قبل أن ينهي عليها، فهل نتم بشر بربكم أين أسقطتم حرب الباء، ما يجري في سوريا ليس شبيها لفلم المنشار ما يجري في بلدي تخطى عالم الأشرار، لترحل الشمس برحيلهم وليعم الظلام وعالم الإنحدار، برحيلهم لا وجود للإنسان، لا وجود للحياة أو الأخيار، فقط أشرار ولهيب نار، أيها المارون قفوا بصمت أمام من رحلوا عن الديار.
أيوجد بينكم إنسان كهذا الإنسان الذي قتله صمتكم، هنا في حلب أقدم مدينة مأهولة في العالم، حيث الأنقاض، حيث كان هناك أطفال يلعبون ويبيعون العلكة على الأرصفة، جاء شيخ ” كهل ” يبحث عن فلذة كبده الذي إنتقل الى السماء بسبب برميل متفجر هوى من السماء، قالوا له أنه قد رحل ويمكنه أن يستلم جثته من أحد المشافي التي تستقبل الاموات، ذهب وبحث عن فلذة كبده لكنه لم يجده بحث لساعات دون جدوى، قال له الطبيب : جاءنا اليوم شاب قضى نحبه وهو حاضن لطفلٍ صغير لم يبلغ ربيعه العاشر.. فقال الشيخ العجوز : ولدي ليس لديه أطفال فهو على وشك الزواج، لكنه قبل أن يرحل.. أصر الرجل العجوز أن يشاهد هذا الشاب الحاضن للطفل، وعندما اقترب منه ورفع القماش عن وجهه، تبين أنه فلذة كبده، لكن من هذا الطفل الذي بين ذراعيه، نعم الطفل ليس بأخيه وليس بطفله، هذا الطفل كان مصاب والشاب حاول انقاذه بعد سقوط البرميل الأول، لكن البرميل الثاني سقط فوقه وهو ينقذ الطفل، نعم رحل وهو حاضن للطفولة، فما كان من والد الشاب إلا أن قبل جبينيهما ورحل بصمت بدمع ينهمر، بسبب صمت دعاة الإنسانية والقومية، أيها المارون قفوا بصمت أمام من رحلوا عن الديار.
أيها المارون لا تحزنوا على اطفال رحلوا واليوم هم بأجنحة ملائكية يطوفون بينكم يرعون أطفالكم، أيها الصامتون لتعلموا أن للحرية ثمن ولا يطلبها إلا كل حر أنجبته إحدى الخنساوات، فليدم صمتكم وليرتاح من صوتكم الراحلون.
هاني محمد العزو