دخلت مصر بأحكام الإعدام الأخيرة على أكثر من 600 معارض فى محافظة المنيا، موسوعة جينيس من أوسع أبوابها لتسطر بذلك تاريخًا جديدًا من عصر المشانق على غرار المحاكمات والإعدامات الجماعية التى جرت فى دول أمريكا الشمالية وبعضًا من دول إفريقيا، إضافة إلى إيران وغيرها .
” طبيعة الحالة والقائم بها ” تختلف تلك المرة فالعالم شهد إعدامات جماعية عدة إلا أن الحالة وفاعلها اختلفت تلك المرة، فكان من حكومة محلية تجاه أبناء وطنها لاختلاف الأفكار والخروج للتظاهر معارضة لخطوات النظام.
تاريخ طويل سطرته أحكام الإعدامات الجماعية فى العالم وكانت مصر بالطبع لها جانبًا من هذا الأمر أيضا، ومرت تلك الأحكام بالصين وأمريكا والاتحاد السوفيتى وإيران لتقف محطتها الأخيرة فى مصر .
والبداية كانت فى عام 730 عندما تم إعدام عدد كبير من الصينيين على خلفية الغضبة الملكية ضدهم وكان ذلك من قبل الإمبراطور “تايزونج” من أسرة تانج الحاكمة (حكم من عام 712 إلى عام 756) الذى سبق أن كان الشخص الوحيد فى الصين الذى له السلطة فى الحكم على المجرمين بعقوبة الإعدام لمجرد الاختلاف فى الرأى .
وفى عام 1939 قامت الحكومة السوفيتية بتنفيذ حكم الإعدام على 158.000 جندى بسبب الهروب من الجندية أثناء الحرب العالمية الثانية ولكن لم تكن تلك الحالة الوحيدة ولكن كانت هناك عقوبات أخرى خطتها إيران فأعدمت، العام الماضي، ما يتراوح بين 500 و625 شخصًا بينهم 28 امرأة على الأقل من بينهم إعدام ما لا يقل عن سبعة أشخاص علنًا العام الجارى وفى دفعة واحدة .
وفى مصر قدم 92 قرويًا للمحاكمة بجريمة القتل المتعمد وتم إثبات التهمة على 36 منهم فى 17يونيه 1908 فيما عرف بأحداث دنشواى وتفاوتت الأحكام فيما بينهم وكانت معظم الأحكام بالجلد والبعض حكم عليه بالأشغال الشاقة وتم إعدام 4 قرويين منهم وقد ترأس القضاة بطرس غالى وأحمد فتحى زغلول باشا.
وفى العصر الحديث شهدت مصر عددًا من أحكام الإعدام الجماعى فكان أول حُكم إعدام جماعى صدر ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين عام 1954 فى قضية محاولة اغتيال الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر فيما سمى «حادث المنشية»، حيث حُكم على 7 من أعضاء الجماعة البارزين، منهم المرشد السابق، حسن الهضيبى بالإعدام بالإضافة إلى محمود عبد اللطيف، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوى دوير، ومحمد فرغلى، وعبد القادر عودة، قبل أن يخفف الحكم على المرشد الهضيبى إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
وكان هناك حُكم الإعدام الجماعى الثانى، فى القضية رقم 12 لسنة 1965 فيما عرف باسم «تنظيم 65»، وكان الاتهام قد وجه إلى الآلاف من جماعة الإخوان، لمحاولتهم إحياء التنظيم. وتم تحويل القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا، بتوقيع صلاح نصار، رئيس نيابة أمن الدولة العليا، وقد تم تقسيم المعتقلين إلى 4 مجموعات أكبرها وأشهرها المجموعة الأولى التى حكم على 7 منها بالإعدام شنقـًا، على رأسهم سيد قطب.
شيئـًا فشيئـًا تكررت أحكام الإعدام الجماعية فى السنوات الأخيرة، مثل أحكام الإعدام فى مذبحة بورسعيد، حيث قضت المحكمة وقتها بإعدام 21 متهمـًا فى القضية. لم تكد تمر شهور حتى تم الحكم على 26 شخصـًا تورطو فى استهداف المجرى الملاحى لقناة السويس، ثم جاء الحكم فى قضية قسم شرطة مطاى بالمنيا بإعدام 529 شخصـًا ولبعدها تمت إحالة 683 شخصًا آخرين من بينهم محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين إلى مفتى الجمهورية على خلفية أحداث اقتحام قسم العدوة بالمنيا لتفتح مصر بذلك تاريخًا طويلاً من الإعدامات الجماعية فى مصر .
الإعدام الجماعى بمصر غير مسبوق
أكد فقهاء دستوريون، أن الحكم بالإعدام على 37 متهمًا والمؤبد لـ488 من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى فى أحداث الشغب بمحافظة المنيا وكذلك الحكم بإحالة أوراق 683 متهمًا فى قضية شغب العدوة، والمتهم فيها الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان المسلمين لم يسبق لها مثيل فى تاريخ القضاء المصرى وأن هذا الحكم أثار ردود الفعل المحلية والعالمية خاصة مع المشهد السياسى المعقد الذى تعيشه مصر الآن.
وقال ثروت بدوى الفقيه الدستورى، إن أحكام الإعدام بحق 638 منهم مرشد الإخوان، وكذلك 37 آخرين لم يحدث فى تاريخ مصر ولا غيرها وما حدث من أحكام جماعية فى الماضى كانت قرارات إدارية من الأجهزة الإدارية وليس من القضاة أنفسهم، موضحًا أن هذه الأحكام التى صدرت تتعارض جميعًا مع كافة المبادئ القانونية والدستورية المسمن بها فى كافة الشرائع السماوية والوضعية، موضحًا أنه لا تجوز الإدانة إطلاقا لأى شخص إلا عند وجود دلائل قطعية ثابتة ومؤكدة لا تثير أى شكوك لأن الشك دائمًا يفسر لصالح المتهم.
وأضاف بدوى، أنه من المستحيل أن تتحقق كل هذه الأدلة القطعية فيما يتعلق بالجرائم المنسوبة للمتهمين لأن تلك الوقائع حدثت فى غضون تظاهرات عارمة، وقدمت النيابة على أثرها أعداد كبيرة متهمة إياها بارتكاب تلك الجرائم وهنا يستحيل توافر أدلة تؤكد علاقة أى متهم بتلك الجرائم، مؤكدًا أنه لا يجوز الحكم بأى عقوبة جنائية ما لم يثبت بالدليل القطعى نسبة هذه الجريمة إلى مرتكبيها سواء عن طريق معاينة الأسلحة وكذلك الأشخاص المتهمين بتلك الجرائم، موضحًا أن الكم الهائل من المحكوم عليهم بالإعدام لم يتم تحديد أماكن ارتكابها ومن منهم الذى قام بالجريمة الأمر الذى يجعل هذه الأحكام منعدمة ولا أساس لها .
وأشار بدوى، إلى أن هذه الأحكام أدت إلى استهجان العالم أجمع والشعور بأن القضاء فى مصر لم يعد يتميز بالحيدة، والاستقلال، والعدل، والتجرد داعيًا القضاة إلى احترام هذا الصرح وإنقاذه من التسييس أو الانحياز لطرف ضد الآخر .
من جانبه قال المستشار عبد الستار إمام رئيس محكمة جنايات القاهرة، إن حكم الإعدام الجماعى لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسى بالمينا لا يوجد مثله فى تاريخ القضاء المصرى، وذلك لأن الظروف التى تمر بها مصر فى هذه الأثناء لم تسبق من قبل من حوادث إرهاب وعمليات قتل وحرق واغتيال ضباط الشرطة، بالإضافة إلى الهجوم على مقار الشرطة من قبل الجماعات الإرهابية كل ذلك أدى إلى تغليظ العقوبات نظرا للظروف التى تمر بها البلاد .
وأضاف رئيس محكمة جنايات القاهرة، أن أحكام القضاء لا يجوز التعليق عليها، والوسيلة الوحيدة للاعتراض عليها هو الطعن عليها من خلال الوسائل القانونية عبر محكمة النقض، مؤكدًا أن القانون يوجب على النيابة العامة عرض القضية مرة أخرى على محكمة النقض للفصل فيها، كما للمتهمين الحق فى ذلك، مشيرًا إلى أن هذه الأحكام صدرت من المحكمة بعد تصفح أوراق القضية وسماع الشهود وبالتالى فإن صحة الحكم من عدمه ترجع إلى عدالة المحكمة ومحكمة النقض بعد الطعن على الحكم .
وأشار إلى أن هذا الحكم وصف بـ “التاريخى” من حيث عدد المتهمين فى القضية وردود الفعل المحلية والعالمية خاصة مع المشهد السياسى المعقد الذى تعيشه مصر الآن ووضع الحكم القضاء فى مصر ومنصة العدالة ممن يجهلون الظروف التى تمر بها مصر وما تتعرض له من مخاطر عديدة من جماعات الإرهاب .
خبراء وسياسيون: الأحكام تعود بمصر للخلف.. وتوسع دائرة الإرهاب
” توسع دائرة الإرهاب ” بتلك الكلمات علق خبراء وسياسيون على أحكام الإعدام الأخيرة بالبلاد، مؤكدين أن الإعدامات تعود لتاريخ طويل عاصرته أمريكا والصين وإفريقيا، وشددوا على أن مصر تشهد حلقة جديدة من الإعدامات الجماعية التى قد تدفع المجتمع الدولى لتوقيع عقوبات على مصر مطالبين بتحرى الدقة فى تلك الإحكام لأنها خطيرة للغاية .
وقال الدكتور أحمد مهران أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، إن الأحكام الجماعية التى شهدتها مصر خلال الأشهر الماضية إنما هى أحكام مسيسة لا تمت للقانون بصلة، حيث وصفها مهران بالمذابح والمجازر وليست بالأحكام كما شبه مهران تلك الأحكام الجماعية بمذبحة دنشواى التى قام بها نابليون وكذلك بالمحارق التى صنعها هتلر باليهود، مستنكرًا فى نفس الوقت أن تكون الوقائع التاريخية التى ذكرها أقل بشاعة من تلك الأحكام الجماعية التى نعاصرها الآن.
أكد مهران، أن تلك الأحكام مخالفه لنصوص قانون العقوبات قائلاً: “للأسف القضاء المصرى ينفذ منهجًا عفا عليه الزمن”.
وأكد مهران أن وضع القضاء المصرى خارجيا فى نظر المجتمع الدولى الآن سيئ للغاية وكذلك به العديد من الأحكام المسيسة.
واستنكر مهران دور منظمات حقوق الإنسان المصرية، واصفا إياها بـ”قليلة الحيلة ” وبالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان الدولية قال مهران، إنها لا تستطيع أن تصنع شيئا سوى أن تشجب وترفض ما يحدث من انتهاكات حقوق الإنسان فى المجتمع المصرى وربما توقع عقوبات على مصر.
وقال الدكتور وحيد عبد المجيد الخبير السياسى لمركز الأهرام للدراسات السياسية، إن مثل تلك الأحكام العاجلة، دون منح للدفاع الفرصة كاملة، توسع نطاق الإرهاب، وتزيد منه، ولا تقلل من وجوده، وبالتالى فهى غير رادعة، وعدم الاهتمام بإجراء محاكمات عادلة، فيها مقومات الدفاع سيلحق الظلم بأفراد لا ذنب لهم ولا علاقة بالإرهاب.
وأضاف عبد المجيد، أن مصر عادت لعصور متأخرة مع تزايد أحكام الإعدام مؤخرًا، مؤكدًا أهمية وقف هذا الأمر والعودة لنقطة توافق بدلا من الإعدامات غير المفهومة .
بينما قال عبد البارى عطوان الكاتب السياسى، إن مصر مقبلة على عهد المشانق لا عهد الاستقرار والحريات التى سقط المئات من الشباب وضحوا بأرواحهم من أجل الوصول إليه، وتكريسه وإغلاق صفحة الديكتاتورية والفساد إلى الأبد. وأكد أنه قضاء فاسد، وأحكامه مهزلة، ومعظم قضاته بلا ضمير، ولا يعرفون معنى العدالة، وهؤلاء يسيئون لمصر، ويعملون على تكريس الظلم فيها، وجرها إلى الصدامات الدموية التى قد تحصد أرواح الأبرياء فى المستقبل، لإشفاء غليل بعض ممن تسيطر عليه نزعات الحقد والضغائن.