يعتزم بعض فناني الكاريكاتير السياسي الكبار حول العالم تكثيف جهودهم لإنتاج رسوم الشوارع احتجاجاً على الإجراءات التي ينوي تطبيقها المرشّح لرئاسة مصر عبد الفتاح السيسي، في حال انتُخِبَ رئيساً.
و تناول تقريه نشرته صحيفة “ذا جاريديان” البريطانية أمس للكاتب باتريك كينجسلي أعده من القاهرة إلى أن نجوم الكاريكاتير السياسي الدوليون الكبار مثل سامبسا وجانزير وكابتن بوردرلين والرسام مولى كرابابل قد بدأوا تصميم شعار حملتهم “جرائم حرب السيسي”، المتوقّع أن يجول في مدن عدّة حول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وشمال أفريقيا.
ويقول الفنانون إنّ مبادرتهم “تهدف إلى إثارة انتقادات دولية شديدة ضد السلوك القمعي الذي انتهجه السيسي. فقادة العالم يتودّدون إلى وزير الدفاع المصري السابق رغم أنّه بدأ حقبة قمع متزايد” بعد إطاحة الرئيس المنتخب لمصر محمد مرسي في يوليو / تموز الماضي.
جانزير، المعروف أيضاً باسم محمد فهمي، هو واحد من الفنانين المصريين الذين ارتفعوا إلى مصاف العالمية بعد “ثورة يناير” العام 2011، يقول لـ”العربي الجديد”: “نأمل أن تساعد هذه الأعمال في تغيير نظرة العالم الي السيسي فيروه على حقيقته”. وأضاف: “يبدو أنّ السيسي سوف يخدع، وبسهولة، المجتمع الدولي، زاعماً أنّ غالبية المصريين تؤيّده. فكلّ الصور واللقطات تُظهِر الساحات مليئة بمؤيّديه، ولا يُنقل سوى القليل أو النادر من أخبار المعارضة والمنافسين، وهناك حظر على أخبار جماعة الإخوان المسلمين، لكن هناك معارضين لتولّي السيسي الحكم، رغم أنّهم لا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين”.
العديد من مؤيّدي السيسي قد يختلفون مع وجهة نظر جانزير. فهناك اعتقاد سائد داخل مصر بأنّ السياسيين الأجانب والصحافيين يقفون ضدّ حكومة السيسي التي تولّت الحكم منذ الصيف الماضي. لكنّ جانزير وزملاءه يشعرون بأنّ المجتمع الدولي لم يفعل سوى القليل لردع السيسي، وأنّه على العكس من ذلك أقرّ المجتمع الدولي تماماً بانتخابه رئيسا الشهر الجاري. لذا يعتقد الفنانون أنّ عليهم عبئاً كبيراً من أجل أن ينتبه العالم لخطورة السيسي: “لا يوجد رئيس مصري يمكنه البقاء في الحكم من دون دعم السياسيين الدوليين”، يوضح جانزير.
وكان نجم الرسوم الجدارية (الجرافيتي) الفنلندي سامبسا هو الفنّان الأول الذي قام بعمل فنيّ خارج مصر يندّد بجرائم السيسي. وسامبسا اشتهر بالأعمال التي تدعم قانون حقوق التأليف والنشر، فرسم أجساماً مظلّلة على عدد من الأرصفة الباريسية ، في إشارة إلى جثث القتلى المصريين. وعلى مبنى في نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية فإنّ الفنان الفرنسي ليفاليت والخطاط التونسي أل سيد وآخرين يخططون لتصميم عدد من الأعمال. أيضاً مجموعة كابتن بوردرلين، مؤسسة أكبر مهرجان فنون للشارع في أوروبا، تعدّ خطّة للتعاون مع جانزير لرسم لوحة جدارية كبيرة في ميونخ بألمانيا.
أما الرسامة الأميركية مولى كرابابل فتنوي القيام بعمل مستوحي من أقفاص الاتهام التي يُحتجز المتهمون فيها أثناء جلسات المحاكمة. وعلّقت قائلة: “أشعر بالاشمئزاز من الطريقة التي تمّ بها الاستيلاء علي الثورة المصرية من خلال ديكتاتورية عسكرية قاتلة هي في الحقيقة أسوأ من ديكتاتورية الرئيس المخلوع حسني مبارك”.
وقد صرّح جانزير وزميلاه الفنانان المصريان زفت وعمار أبو بكر بأنّهما سيستمران في الرسم على جداران شوارع القاهرة للتنديد بالقمع والديكتاتورية، رغم أنّهما باتا يعملان في سياق متزايد الخطورة. تلك الخطورة التي دفعت فنانين لإظهار التضامن ضدّ السيسي.
وعلّق سامبسا قائلاً إنّ “هؤلاء الفنانين هم روّاد العصر الحديث في فنّ الرسم بالشارع. فنجوم هذا الفن الكبار [خارج مصر] لا يهتمّون بأيّ شيء هذه الأيام، بينما الفنانون في مصر لديهم رسالة هادفة يريدون ايصالها. فرسوماتهم السياسية تتواكب مع النشاط الحقوقي والسياسي في مصر”.
في الماضي كانت جدران القاهرة تخلو إلى حدّ كبير من أيّ تعبير فنيّ، ثم ضجّت الجدران في كلّ أنحاء مصر باللوحات الجدارية والشعارات بعد الاطاحة بمبارك في فبراير/ شباط 2011، وتم التقاط صور لهذه الأعمال واعتبرها المجتمع الدولي رمزاً للمكاسب الثورية.
لكن في الأشهر الأخيرة بات الرسم على الجدران أمراً صعباً، وطمست السلطات جداريات جميلة، وبعض المارّة هاجموا الفنانين أحياناً، لكنّ جانزير يشير إلى أنّ الجديد أكثر صعوبة “بعد تشديد المراقبة على الفضاء العام وإصدار قانون يمنع تنظيم الاحتجاجات والتظاهرات”. وتابع، هو الذي اعتقل في ربيع 2011 لنشره ملصقات مناهضة الجيش: “الرسومات الآن أقلّ بكثير ومتباعدة زمنيا، فأيام “ثورة يناير” 2011 كنّا نشهد جدارية جديدة كلّ أسبوع”.
وجانزير، مثل العديد من زملائه، غالباً ما كان يعارض حكومة جماعة الإخوان المسلمين، لكنّه الآن يخشى من اتّهامه بالانتماء إلى “الأخوان”: “أيّ شخص يراك في الشارع ويظنّ أنّك مرتبط بهم قد يهاجمك بسهولة شديدة ما لم تقنعه أنّموالٍ للجيش، لذا فإنّ أيّ عمل يعارض الجيش علينا أن نقوم به بسرعة شديدة”.
ولحماية أنفسهم، طوّر جانزير وآخرون تقنية تقوم على أن يضيفوا التفاصيل الصريحة التي تحضّ على معارضة السلطة في اللحظة الأخيرة الممكنة. يروي جانزير أنّه أثناء رسمه لوحة جدارية مؤخراً في شارع محمد محمود، من الشوارع الشهيرة التي تؤدّي إلى ميدان التحرير ويشتهر بجدارياته الثورية، أنّه بسهولة أقنع أحد المارّة أنّ الجندي الكرتون الذي يقف إلى جانب كومة من الجماجم يرمز إلى الحزن على قتل المصريين الأبرياء. ثم قام في اللحظة الأخيرة بإضافة الدم إلى فم الجندي وكتب أعلى الصورة: “الجيش فوق الجميع”، ليظهر المعنى المعارض للعسكر.
فمنذ أطاح السيسي مرسي في يوليو/ تموز الماضي، بعد أيام من التظاهرات الحاشدة، اعتُقل 16,000 معارض لمرسي، وقتلت السلطة الآلاف خلال الاحتجاجات العديدة التي تلت حملة الاعتقالات. حملة ركّزت بداية على الإسلاميين ثم توسّعت لتشمل ناشطين من التيار العلماني.
وحاليا تلقي الحكومة، وشريحة كبيرة من المجتمع، باللوم في مسألة انتشار العنف، على جماعة الأخوان المسلمين، وتوهم المواطنين أنّ الوجود الكثيف لعناصر الأمن والشرطة ضروري لكبح جماح الإرهاب، بينما يزعم الوزراء أنّ مصر في طريقها إلى تحقيق الديموقراطية، ويدعمون زعمهم هذا بالانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في مايو/ أيّار الحالي. فقد صرّح وزير الخارجية المصري نبيل فهمي لجريدة الجارديان الأحد الماضي قائلاً: “هذا لن يكون استبدادا”.
العربي الجديد