في الأسبوع الماضي حكمت “محكمة أمن الدولة” الأردنية على عشرة إسلاميين أردنيين بالسجن لمدة خمس سنوات مع الأشغال الشاقة، في أعقاب إلقاء القبض عليهم خلال محاولتهم الانضمام إلى صفوف الجهاد في سوريا. وفي الشهر الماضي قامت طائرات حربية أردنية من طراز “أف 16” بتدمير موكبٍ زُعم أنه ينقل متمردين تابعين لـ تنظيم «القاعدة» المناهضين لنظام الأسد كانوا يعبرون الحدود من سوريا. وهذه الحوادث المتعلقة “بامتداد العنف” إلى الأردن ليست هي سوى أحدث حلقة في اتجاه مقلق. فالتقارير عن السلفيين الجهاديين الأردنيين خلال العام المنصرم قد أصبحت روتينية، الأمر الذي يزيد من شبح عودة الإرهاب إلى المملكة.
الخلفية
قبل عشرة أعوام، اعتقل مسؤولون أردنيون عدة مواطنين في عمان كانوا قد وصلوا من سوريا مع ثلاث شاحنات مليئة بالمتفجرات. وبعد ذلك تبنّى زعيم تنظيم «القاعدة في العراق» أبو مصعب الزرقاوي الأردني المولد مسؤولية التخطيط للمؤامرة الفاشلة التي تضمنت تفجير سلاح كيميائي. ووفقاً للسلطات الأردنية أنّه لو نجح الهجوم لكان قد خلّف وراءه عشرات آلاف الضحايا.
وفي الواقع، يعود نصيب الأردن من السلفيين إلى زمن بعيد. إلا أن أعدادهم أخذت في الازدياد في الآونة الأخيرة. ويعكس هذا التطور إلى حدٍّ ما المنحى المنتشر في المنطقة بأسرها. ففي عام 2011 على سبيل المثال، فاز السلفيون بنسبة مذهلة قدرها 25 في المائة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية في مصر. ويبدو الانتشار السلفي واضحاً أيضاً في الأردن. ويقيناً أن الحرب في سوريا – حيث يثير النظام الشيعي اسمياً العداء مع الثوار ذوي الغالبية السنية – تترك صدىً عاطفياً على الأردنيين السنّة. لكن السلفية تكسب أنصارها أيضاً عبر استمالة الإسلاميين الأردنيين المنحدرين من قبائل ذوي اصول تُعرف بـ “شرق أردنية”، الذين باتوا يعتبرون جماعة «الإخوان» منظمةً أجنبية ذات توجه فلسطيني.
من هذا المنطلق، يبدو أن التجنيد السلفي للجهاد في سوريا يحرز تقدماً ملحوظاً في المناطق الأردنية ذات التقليد العشائري مثل الزرقاء والسلط ومعان. وعلى وجه الخصوص، قام أحد زعماء العشائر خلال الاضطرابات المدنية الأخيرة في معان بمبايعة أمير جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [تنظيم «داعش»]، وهي الميليشيا المتشددة التي تبرّأ منها تنظيم «القاعدة» مؤخراً.
أعدادٌ متزايدة
مهما كان السبب، يزداد السلفيون عدداً، مهددين بذلك الاستقرار في المملكة على نحو متزايد. ومن شأن نمو السلفية في صفوف الشباب الشرق أردنيين أن يبدد الالتزام بالتقاليد القبلية على المدى البعيد ويضعف البنى القبلية لدى الشريحة السكانية التي تعتبر الأكثر ولاءً للنظام الملكي. إلا أن القلق الأكثر إلحاحاً هو المشاركة السلفية الناشطة في الحرب السورية – لا سيما التدريب العسكري الذي يخضع له هؤلاء المقاتلون خلال تواجدهم في الخارج. ورفيعٌ هو الخط الذي يفصل بين السلفية والسلفية الجهادية. فوفقاً لأفضل التقديرات، كان هناك ما يزيد عن أحد عشر ألف مقاتل أجنبي في سوريا اعتباراً من كانون الأول/ديسمبر 2013. ويأتي النصيب الأكبر منهم الذين يبلغ عددهم ألفي مقاتل من الأردن. وحسبما ذكرته صحيفة “جوردن تايمز”، يتبع 80 في المائة من هؤلاء الأردنيين إلى «جبهة النصرة»، إحدى الجماعات التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة».
ولعل أشهر الأردنيين الذي انضم إلى الجهاد حتى اليوم هو أحمد عطالله المجالي، النقيب الذي انشق عن سلاح الجو الأردني ليلتحق بـ جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في أيلول/سبتمبر 2013. وبات المجالي، وهو ابن قبيلة بارزة في الكرك، على كل شفة ولسان بعد صدور صورة له عقب انشقاقه، وهي تظهره يركب دراجة نارية ملتحياً وشاهراً بندقية كلاشنيكوف من طراز (أي- كي 47). وفي الآونة الأخيرة، نشر المجالي فيديو تجنيد لـ تنظيم «داعش» على موقع يوتيوب.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك تقارير صحفية أردنية واسعة الانتشار حول توقيف السلفيين – من صفوف القادة والأفراد على حد سواء – الذي يعبرون الحدود من سوريا وإليها. وهو الأمر فيما يتعلق بالتغطية الإخبارية للأردنيين العائدين إلى الوطن من سوريا في أكياس الجثث. وقد تم الإبلاغ حتى الآن عن 250 أردنياً قتلوا في المعارك. ومع ذلك يُزعم أن المساجد في جميع أنحاء المملكة تجنّد الأفراد للجهاد في الشمال ولا يبدو أنها تعاني نقصاً في المتطوعين. وعلى حد قول الزعيم السلفي الأردني محمد الشلبي، المعروف أيضاً بلقب “أبو سيّاف”، “لدينا مئات المؤمنين الحقيقيين الذين يبدون الرغبة والاستعداد، والذين يستطيعون – والحمد لله – العبور إلى سوريا والدفاع عن إخوانهم وأخواتهم المسلمين.”
غير أن هؤلاء السلفيين يملكون أجندة طموحة تمتد إلى ما هو أبعد من الدفاع عن السوريين السنّة. ففي العام الماضي صرّح أبو سيّاف لقناة “بي بي سي” قائلاً: “هدفنا هو [إقامة] حكومة إسلامية تطبق أحكام الشريعة”. وأضاف: “أي نظام لا يطبق ذلك هو نظام كافر ويجب الإطاحة به”.
ويجدر بالذكر أنّ مناصري أبو سيّاف يعملون منذ مدة على تطبيق برنامج الشريعة هذا في سوريا، ويبدو اليوم أنهم يستهدفون المملكة الأردنية. وبالعودة إلى العام 2012، كانت التقارير قد أفادت على نطاق واسع أن أولئك السلفيين أعدموا مواطناً أردنياً بتهمة الردّة والكفر. وفي آذار/مارس من هذا العام، صادر حرس الحدود الأردني ثلاث مركبات “محمّلة بالأسلحة والذخائر” كانت متوجهة من سوريا إلى المملكة، وذلك في تطوّرٍ مشؤوم يذكّر بمؤامرة الزرقاوي عام 2004.
وبالرغم من شعبية السلفية المتزايدة على ما يبدو، فإن الغالبية الساحقة من الأردنيين لا تطمح في الظاهر إلى القيام بأعمال الجهاد في سوريا أو إلى الانضمام إلى «القاعدة». إذ لا يعتبر هذا المسار خطراً فحسب، بل إنّ الإدانة عن القتال في سوريا التي تفرضها “محكمة أمن الدولة” قد تعني عقوبة بالسجن لمدة تتراوح ما بين خمسة إلى خمسة عشر عاماً. وتشير التقارير إلى أن السجون الأردنية باتت بالفعل مليئة بالسلفيين، ومنهم من لجأ إلى الإضراب عن الطعام احتجاجاً على الأحكام الطويلة التي صدرت بحقهم.
وفي عمان وخلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، أعرب المحامي الذي يمثل السلفيين منذ فترة طويلة، موسى عبداللات، عن رأيه القائل بأنّه إذا شارك موكلوه في الانتخابات، فسوف يضمنون نسبةً لا تقل عن 30 في المائة من التمثيل البرلماني. وربما هناك شيءٌ من المبالغة في تصريح عبداللات، ومن غير الواضح ما إذا كان السلفيون سيشاركون يوماً في السياسة الأردنية أو متى سيحدث ذلك. إلا أن تصريح عبداللات ينمّ على الأقل عن درجة مذهلة من الثقة في مسار الحركة.
وبالنسبة للأردن، حيث شغل «الإخوان المسلمون» مقاعد برلمانية بشكل متقطع منذ عام 1989، يثير احتمال وصول الإسلاميين إلى البرلمان القليل من المخاوف. فالقلق الأكبر يكمن في الاحتمال الفائق الواقعية بأن يعود مئات لا بل آلاف المجاهدين السلفيين المتمرسين في القتال والمعارك إلى وطنهم، بعد أن تكون خبرتهم في سوريا قد فاقمت تطرفهم. ولن يكتفي هؤلاء الإسلاميون باعتبار النظام الملكي غير إسلامي، بل سيعدّون العلاقة الاستراتيجية المقرّبة بين الولايات المتحدة والأردن محرّمة. وفي الوقت نفسه، يحتمل أن يكون هؤلاء الجهاديون قد هرّبوا الكثير من الأسلحة والمتفجرات إلى المملكة خلال فترة الحرب الطويلة وذلك تحضيراً لجبهة القتال القادمة.
الخاتمة
في الوقت الذي لا تلوح في الأفق إمكانية انتهاء الحرب في سوريا، ستستمر الأعداد المتزايدة للجهاديين السلفيين الأردنيين وحركتهم العابرة للحدود، ناهيك عن حركة سائر المقاتلين الأجانب الآخرين في المنطقة، في تهديد المملكة بشكل متزايد. وقد طلبت عمّان من واشنطن في آب/أغسطس الماضي أن تساعدها على تعزيز أمن حدودها، مع التركيز بشكل خاص على قدراتها المتعلقة بالاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. في هذا السياق صرّح مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي ديريك شوليت للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بأن إدارة أوباما “تزوّد”، إلى جانب نحو 300 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي، “المعدات والتدريبات التي ستدعم «برنامج أمن الحدود الأردني» وتحسّن قدرة الجيش الأردني على الكشف عن المحاولات غير الشرعية لاجتياز الحدود وعلى اعتراضها، فضلاً عن رصد محاولات تهريب أسلحة الدمار الشامل.”
ويشار إلى أن المبادرة الأمريكية الأردنية لأمن الحدود تعود إلى ما يقرب من عقدين من الزمن، وهي برنامجٌ جدي متقن التمويل ومتوافق مع قيمة الشراكة الاستراتيجية وفقاً لكل المقاييس. إلا أن الأرض الوعرة على طول الحدود والعدد الهائل من المتسللين سيزيدان من الضغوط على “قيادة حرس الحدود الأردني” و “دائرة المخابرات العامة”، علماً بأن هذه الأخيرة مسؤولة أصلاً عن مراقبة ما يقارب من مليون لاجئ سوري في المملكة. وكلما طالت الحرب في سوريا، تعاظم التهديد الظاهر الذي يطرحه السلفيون الجهاديون.
وفي حين تتسم المخابرات الأردنية بالاستباقية والفعالية، لا يعتبر المنحى الملحوظ في الآونة الأخيرة واعداً. فبعد فترة وجيزة من وقوع الهجوم الفاشل بالأسلحة الكيميائية في نيسان/أبريل 2004، وصف العاهل الأردني الملك عبدالله تلك المؤامرة بأنها “جريمة كانت يمكن أن تكون غير مسبوقة في البلاد”. وفي ذروة الحرب العراقية في تشرين الثاني/نوفمبر 2005، نفّذ تنظيم «القاعدة» عدة عمليات في الأردن. ومنذ ذلك الحين أصبح أبرز تلك الهجمات – الذي استهدف في وقت واحد ثلاثة سلاسل فنادق غربية في عمّان وأسفر عن مقتل ستين شخصاً وجرح أكثر من مائة آخرين – يُعرف باسم “حادث 11 أيلول/سبتمبر الأردني”.
لكن للأسف، نظراً للتطورات الحالية في صفوف السلفيين الجهاديين في الأردن وسوريا، فإن الجريمة “التي لم يسبق لها مثيل” في حقيقة الأمر قد تحدث في النهاية.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.