نشر موقع (المصدر) الإسرائيلي هذا التقرير عن ظاهرة المثليين في الكيان الإسرائيلي:
في يوم من الأيام كانت كلمة “متحوّل جنسيّا” تعتبر إهانة، وكانت ملكات “الدراغ” (Drag) تختبئن في نوادي هامشية ومشكوك بها في جنوبي المدينة. أما اليوم، فتحوّلت الظاهرة تقريبًا إلى تيار مركزي، وتظهر ملكات “الدراغ” بفخر في النوادي الرائدة وفي المسارح المؤسّسية، أمام نقابات العمال، في حفلات العُزّاب وغيرها.
وهم رجال مثليّون يعيشون حياة عاديّة تمامًا، بعضهم يعمل في صناعة الترفيه وفي المسرح، وبعضهم في أعمال عادية تمامًا، مثلنا جميعًا. إذن فما الذي يجعلهم في بعض الأمسيات في الأسبوع يرتدون فستانًا متألّقًا وشعرًا مستعارًا ملوّنًا، ويضعون الماكياج بشكل بارز وينتعلون أحذية كعب مروّعة، والظهور كملكة “الدراغ”؟ الأمر بسيط جدّا. فهذه ثقافة وفنّ يحبّونه، يتمتّعون به، وبشكل عام يرونه جيّدًا. وعليه طلب.
ولد مصطلح “دراغ” (Drag) في الأصل من الإنجليزية، ومعناه Dress as Girls أي: ارتداء ملابس امرأة. تمّ استخدام التعبير في إنجلترا في القرن التاسع عشر لوصف الملابس التي كانت مخصّصة لتغيير جنس ممثّلي المسرح من الرجال حين تكون هناك حاجة للعب دور شخصية امرأة على خشبة المسرح. في القرن العشرين فقط، تحوّل التعبير إلى وصف ظاهرة تحت أرضية تقريبًا، وهي الرجولة الشاذّة التي ابتعدت كثيرًا عن الثقافة السائدة والثقافة الراقية لعالم المسرح.
واليوم، شيئًا فشيئًا تعود الظاهرة لتصبح تيّارًا سائدًا. إنّ عرض “الشعر المستعار المقدّس” الذي يتمّ عرضه في المسارح المحترمة في أرجاء البلاد يحظى بنجاح كبير بل وتمّ ترشيحه لجوائز. يأتي للعروض أشخاص من جميع شرائح المجتمع، بما في ذلك الشريحة المتديّنة، التي كانت في الماضي تعتبر هذه الأمور من المحظورات. أيضًا في عرض آخر في مسرح كاميري، وهو أحد المسارح الرائدة والمهمّة في إسرائيل، ويعتبر معقلا برجوازيّا للجمهور المحافظ بشكل عامّ، هناك تتألّق ملكات “الدراغ” في أحد العروض.
أحد الإنجازات في هذا المجال تمّ عام 1998، حين قامت دانا إنترناشيونال، وهي متحوّل جنسيّا ولد ذكرًا ويعيش اليوم كأنثى، حين قامت بتمثيل إسرائيل في الأوروفيزيون (مسابقة أغاني البوب الأوروبية الكبيرة) في أغنية “ديفا”، وفازت بالمركز الأول. بدأ الناس برؤية الشواذ كشيء يمكن أن يندمج تمامًا مع التيّار السائد.
في وصف عرض “الشعر المستعار المقدّس” في صفحته الرسمية على الفيس بوك، كُتب: “حين يتم إشعال الأضواء وفتح الشاشة، يتحوّلون من أربعة رجال سمينين وخشنين، إلى أربع جميلات طويلات (بسبب الكعب)، شقراوات (بسبب الشعر المستعار)، ورشيقات (بسبب المشدّات)”. على المنصّة، يعرضون مقاطع موسيقيّة “ليب سينك” (تحريك الشفاه بالتناسق مع الأغنية المشغّلة مع الرقص والحركات المنسّقة)، وكذلك فواصل هزلية، والجمهور المستمتع لا يكفّ عن الضحك. ليس عليهنّ، وإنما بفضلهنّ.
وحين يلبسن الفساتين والشعر المستعار، تتحوّل ملكات “الدراغ” إلى نساء بكل معنى الكلمة، حتى وإنْ كنّ صاخبات ومبالغ بهنّ. يتحدّثن عن أنفسهنّ مع بعضهنّ البعض بلسان الأنثى، يعرضن بالاسم المسرحي لهنّ، سيقانهنّ الجميلة لامعة بالجوارب الرقيقة، وبالرغم من الشعور بأنّهنّ متنكّرات، فبعضهن يبدون كالنساء الحقيقيّات تمامًا، كأولئك اللواتي كنتم ستجدون صعوبة في سياق آخر من التحديد بأنّهنّ رجال.
إذا كانوا في الأيام العادية أشخاصًا عاديّين يبدون مثلي ومثلك، فباعتبارهنّ ملكات “الدراغ” لا يمكن أن تفوّتوهنّ. بغضّ النظر عن المظهر البارز، فهنّ أيضًا صاخبات ويفضنَ بالثقة الذاتية التي تتناثر لمسافات. باعتباره ملكة “دراغ”، فإنّ كلّ واحد منهم يمكنه أن يعطي حرّية لتخيّلاته، لا يوجد شيء غير ممكن.
الشخصيات النسائية التي تتجسّد متحرّكة بشخصيّتهنّ الخيالية، وحتى مغنّيات الديفاز الأكبر على الإطلاق في الموسيقى الإسرائيلية والعالمية، بما في ذلك، مرّة أخرى، المحاكاة الهزلية. نجمات البوب في سنوات التسعينيات والألفية الثانية، مثل السبايس جيرلز، بريتني سبيرز، دستنز تشايلدز، جميعهن يتألّقنَ أكثر من مرة في عروض مختلفة، إلى جانب شخصيات ذات مكانة ومطربات منسيّات لم تسمعوا عنهنّ في أيّ وقت مضى، ولكن أصدرنَ أغنية بوب رخيصة ومنذ ذلك الحين أصبحنَ عبادة في المجتمع المثلي.
ولكن عروض “الدراغ” لم تعد منذ زمن حكرًا على المثليّين فقط، وقد كسروا بالفعل حدود مدينة تل أبيب، المدينة الأكثر ليبرالية وودّية مع المثليّين في إسرائيل. قاعات في حيفا، في القدس والبلدات الكبيرة والصغيرة في جميع أرجاء البلاد تمتلئ بسرعة، وتنفد تذاكر العروض، ويتعرّض المزيد والمزيد من الجمهور الإسرائيلي لهذه الظاهرة.
إنّ حقيقة أنّ الناس لم يعودوا يخجلون من الظاهرة هي حقيقة مشجّعة بالفعل، ولكن الطريق نحو قبول مجتمعي كامل، الاحترام وعدم التمييز ضدّهم لا يزال طويلا. لا تزال هناك أجزاء من المجتمع غير مستعدّة لقبول ظاهرة الرجال الذين يرتدون ملابس النساء، وغير مستعدّة للاعتراف بهذا النوع من الفنّ، على الرغم من أنّه بالضبط ما هو عليه. فنّ مسرحيّ، فرِحٌ وملوّن، والذي بالتأكيد لا يؤذي أحدًا، وإنّما يصنع الفرح والتفاؤل فحسب. إذن، إنْ رغبتم للحظة أن تنسوا المتاعب اليومية وأن تضحكوا، حاولوا أن تعثروا على عرض “دراغ” وربّما تكتشفون أنّ الشيطان ليس سيّئا للغاية.
{gallery}isgay{/gallery}