في ضاحية “التجمع الخامس” النائية التي تنعم بالثراء، توجد تحصينات كثيفة حول مقر الحملة الرئاسية للمشير السابق عبد الفتاح السيسي. وتقوم نقاط التفتيش بتطويق الشوارع المؤدية إلى الفيلا المكونة من أربعة طوابق، ويحيط بالمدخل ستة حراس مسلحون، أحدهم يحمل بيديه سلاحاً شبه آلي طوال الوقت.
ولكي تدخل إلى تلك المنشأة عليك إبراز بطاقة التعريف الخاصة بك، والمرور عبر جهاز كاشف للمعادن، وارتداء شارة زائر ذات كتابة ملونة، ثم المضي بصحبة أحد أعضاء طاقم الحملة الانتخابية عبر المبنى. وهذه تختلف تماماً عن مناخ الحملات الانتخابية الذي ساد في 2012، عندما كانت مقرات الحملات الرئاسية الرائدة تحت حراسة – على الأكثر – موظف إداري غير مسلح. لكن الفائز في تلك الانتخابات يقبع الآن في السجن، ورغم أن الرجل الذي أطاح به هو منافس رئاسي، إلا أنه أيضاً هدف رئيسي لأنصار «الإخوان المسلمين» المتحمسين للانتقام.
لا تخطئ فهمي: هناك العديد من أعضاء «الجماعة» الذين يريدون قتل السيسي. وشباب أعضاء «الإخوان» على وجه الخصوص أكثر حدة في هذا الشأن. وقد أخبرني ناشط في جامعة القاهرة ينتمي إلى «الجماعة» يبلغ من العمر 18 عاماً قائلاً، “يجب إعدامه لدى سقوط الانقلاب”. أما قادة «الإخوان» المتحفظون فهم أكثر مواربة قليلاً. واقترح أحد كبار مسؤولي «الجماعة» بأن الخطوة الأولى باتجاه المصالحة الوطنية هي تشكيل “لجنة مستقلة” تتولى التحقيق في العنف المميت الذي أعقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي “وسوف تكون النتائج ملزمة للجميع، على أن تعتبر عمليات القتل…من الاغتيالات” – مشيراً إلى أن السيسي سوف يُدان بالاغتيال الجماعي ومن ثم سيكون مصيره الموت.
كما يخمن مسؤولو «الإخوان» طرقاً أخرى يمكن أن يحدث بها موت السيسي. فعندما قابلت القائد في جماعة «الإخوان» جمال حشمت في تركيا، التي فر إليها هارباً عقب الانقلاب، أشار إلى أن موت السيسي قد يأتي من مصدر مختلف: “أولئك الذين من حوله” – ويقصد بذلك أن مسؤولين مصريين آخرين – “قد يقتلونه من أجل وضع نهاية للأزمة”.
إن عطش «الجماعة» للدم – وكذلك ارتفاع مستويات العنف ضد أهداف من الشرطة والجيش – دفع العديد من المصريين إلى دعم رجل قوي مثل السيسي بمزيد من القوة. ولكن رغم انتشار ملصقات مؤيدة للسيسي والظهور العارض لمأكولات وملابس تحتية تحمل اسم السيسي، إلا أن “الهوس بالسيسي” ما هو إلا أسطورة.
وبدلاً من ذلك، يخيم على الحياة السياسية المصرية إحساس بالركود – شعور، حتى بين أنصار السيسي، بأنه لا يوجد أي شخص آخر. لذلك، فعلى الرغم من أن العديد من المصريين يرون أن السيسي هو أملهم الأخير وينوون دعمه بشكل كامل، إلا أنهم غير متفائلين. فهم يعلمون أن انتخاب رئيس يقع بشكل كامل في مرمى هجوم مئات الآلاف من أعضاء «الجماعة»، هو مغامرة محفوفة بمخاطر جمة، كما ينتابهم الشك من إعادة السلطة إلى الجيش. لكنهم يرون أن رئاسة السيسي هي أفضل بكثير من فراغ القيادة الكامل الذي يخشون حدوثه من دونه.
وبطبيعة الحال فإن حملة السيسي منتبهة جداً للخطر الكبير الذي يحيق بحياة المرشح. وعندما سألتُ مدير حملة السيسي محمود كارم عن المخاوف الأمنية، كان صريحاً: فقد قال “نصحته بألا يتجول في جميع أنحاء البلاد”.
ووفقاً للواء المتقاعد سامح سيف اليزل، وهو من أكثر أنصار السيسي صراحة في وسائل الإعلام المصرية، هناك ما لا يقل “عن 2 إلى 3” ملايين مصري “يكرهون” بقوة وزير الدفاع السابق. وأضاف “الجميع يعلم أنه مستهدف”.
ونتيجة لذلك، فإن السيسي يبيت حالياً في مكان غير معلن عنه. كما أنه سيرسل أيضاً مبعوثين إلى مناطق الريف لإلقاء خطابات بالنيابة عنه، عوضاً عن القيام بجولات في حملته الانتخابية.
ويبقى أن نرى إن كان باستطاعة السيسي إدارة مصر بفاعلية من دون القدرة على مغادرة العاصمة أم لا. لكن ابتعاده لن يمنعه من الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقرر إجراؤها في 26 و 27 أيار/مايو. وعلى أي حال، سوف يأتي الدعم الأكثر أهمية للسيسي من العشائر والقبائل الكبرى التي تهيمن على الحياة السياسية والاجتماعية المصرية خارج المدن الكبرى – وهي الجماعات التي تستطيع حشد كتلة حاسمة من الناخبين. وعلى الرغم من أن الشبكات العائلية هذه غالباً ما يشار إليها بـ “فلول” النظام السابق، بسبب دعمها للرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا أنه ليست لها دوافع أيديولوجية في المقام الأول. فهدفها الرئيسي هو تعزيز سلطتها المحلية، وترجع معارضتها الرئيسية لـ «الإخوان» إلى أن «الجماعة» حاولت إقصاءها عن الحياة السياسية بموجب المادة 232 من دستور «الإخوان» لعام 2012، والذي حظر على أعضاء «الحزب الوطني الديمقراطي» الذي كان قائماً أيام مبارك من دخول الحياة السياسية لمدة عقد من الزمن.
ويقول عاطف هلال، زعيم إحدى العائلات في محافظة المنوفية بدلتا النيل، الذي كان عضواً في البرلمان عن «الحزب الوطني الديمقراطي» : “تحدثنا مع نظرائنا الإسلاميين وقلنا ’إن وجدتم أنني كنت فاسداً، فلتحاكموني‘ لكن القول بأن جميع [أعضاء «الحزب الوطني الديمقراطي»] كانوا فاسدين أمر خاطئ…وكان ذلك هو أكبر خطأ لـ جماعة «الإخوان»”.
وأضاف هلال أن رفض «الجماعة» العمل مع العائلات الكبرى زاد من حالة عدم الاستقرار عقب حكم مبارك. وبحسب قوله، فإن “400,000 [عضو في «الإخوان»] لا يستطيعون حكم 90 مليون [مصري]”.
وعلى الرغم من أنه لا يزال متشائماً بشأن المستقبل – إلا أنه يقول أنه لن يرشح نفسه مرة أخرى للبرلمان في أي وقت قريب، لأن البلاد لا تزال غير مستقرة جداً – ويرى أن السيسي هو الشخص الوحيد الذي يحظى بفرصة بعيدة لإعادة الأمن.
وأردف قائلاً، [كانت] هناك مشاكل كبيرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لذا فقد تراجع التقدم وحدثت الفوضى. لذلك فإنك بحاجة إلى رجل من الجيش لحكم البلاد. على الرغم من أنني أعارض ذلك في الأوضاع الطبيعية”.
وقد أعرب القادة السابقين لحزب مبارك الحاكم المتمركزون في القاهرة عن دعم يشوبه قدر مماثل من التردد للسيسي. وأخبرني مسؤول سابق في «الحزب الوطني الديمقراطي» “لم نرغب مطلقاً قادة من الجيش، لكن القوتين المدنيتين قابعتان الآن في السجون. فـ «الحزب الوطني الديمقراطي» في سجن عقلي و جماعة «الإخوان» في سجن فعلي، فلم يبق أمامنا سوى الجيش”.
ويقيناً، أن العديد من المصريين يحترمون السيسي. فهم يثنون على إطاحته بمرسي في أعقاب المظاهرات الحاشدة ضد «الجماعة» ويقدرون هدوءه وطريقته التعاطفية في الحديث، التي تتناقض بشكل حاد مع حديث مرسي الذي كان متكلفاً في الغالب. وقد أخبرني عبد العزيز فريد، الذي ترأس المجلس المحلي لقرية الباجور في دلتا النيل لفترة دامت سبعة عشر عاماً بأن “السيسي يأتي من خلفية مخابراتية [عسكرية]، لذا فإن لديه رؤية عالمية. وأعتقد أن إعلانه [عن ترشحه للرئاسة] كان واضحاً للغاية، وسوف يكون الناس سعيدين للعمل معه”.
لكن مرة أخرى، يعترف أنصار السيسي أنهم كانوا يفضلون مرشحاً آخر. وأردف فريد قائلاً، “أتمنى أن يظل وزيراً للدفاع. ولا يعني هذا إنني غير سعيد. فأنا لا أعارضه”.
إن مجتمع الأعمال من غير الإسلاميين، الذي دعم بقوة الإطاحة بمرسي في تموز/يوليو، ينتابه شعور مماثل بالفتور تجاه السيسي. ويقول رجل أعمال يخشى من أن يصبح وزير الدفاع السابق دكتاتوراً جديداً، “إن مقدار التهليل الذي حصل عليه قد يفسد تفكيره. كما أنه رجل عسكري، لذلك يعتقد أنه يعرف أفضل من الآخرين”.
ورغم هواجسهم، إلا أن كل رجل أعمال من غير الإسلاميين تحدثت إليه تعهد بالإسهام في حملة السيسي. ويقول أحدهم، “لا أريده أن يعتقد إنني ضده”. ثم أردف معرباً عن قلقه، ماذا لو أخفق السيسي؟ “سيكون ذلك نهاية مصر”.
وفي الواقع أن الخوف مما قد يأتي بعد السيسي يخيم على جميع المناقشات بشأن مستقبل مصر. فمعرفته الوثيقة بالجيش المصري تعني أن المصريين يخشون من أن تكون الضربة التي يتلقاها أحدهما ستكون ضربة للآخر – وهذا يُشل فعلياً حتى أولئك من غير أعضاء «الجماعة» الأقل حماساً بشأن طموحات السيسي السياسية. ويقول أحد النشطاء اليساريين في الإسكندرية الذي شارك في حملة الإطاحة بمرسي لكنه يعارض الآن عمليات القمع التي يقوم بها النظام الحالي، “إذا رأينا مظاهرات ضد السيسي، فسوف يكون الأمر كارثة. ينظر الناس إلى السيسي على أنه الجيش، وإذا فقدوا الثقة في السيسي فسوف يفقدونها في الجيش، وهو المؤسسة الوحيدة لدينا”.
وعلى نحو مماثل، حذر قائد منزعج من “حزب النور السلفي” في محافظة مطروح الواقعة غرب البلاد من أن سجن الآلاف من الإسلاميين قد أتاح انتشار التطرف العنيف داخل السجون، الأمر الذي خلق وضعاً أكثر تفجراً. ورغم هواجسه، لم ير بديلاً عن دعم السيسي. ويقول “نؤمن بأن الجيش المصري هو الجيش العربي الوحيد المتبقي ويجب حمايته. فالعراق وليبيا والسودان واليمن – جميعها تعرضت للدمار. ونحن ندعم الجيش رغم أنه ارتكب بعض الأخطاء من أجل الحفاظ على الدولة المصرية”.
وقد تصبح السطحية في دعم السيسي أكثر وضوحاً بعد أن يصبح رئيساً. فمن بين التحديات الرئيسية التي سوف يواجهها ستكون النقص في الغاز الطبيعي، الذي يؤدي بالفعل إلى انقطاعات متكررة في الكهرباء في كافة أنحاء البلاد، حيث إن الوقود يُستخدم في توليد 70 في المائة من الطاقة الكهربائية في مصر. ووفقاً لمسؤول في وزارة البترول المصرية، تبلغ احتياجات مصر لإنتاج الكهرباء في الصيف 125,000 متراً مكعباً من الغاز في الساعة، لكنها تستطيع حالياً توفير 70,000 متراً مكعباً فقط، كما أن خطة الحكومة الباهظة الثمن لاستيراد الغاز الطبيعي المسال سوف تترك عجزاً في احتياجاتها قدره 20,000 متراً مكعباً من الغاز في الساعة. وتشير بعض التقديرات إلى أن انقطاعات التيار الكهربائي سوف يتم تمديدها من ساعتين إلى ست ساعات يومياً، وسوف تحدث الانقطاعات الأسوأ في الصيف، بالتزامن مع الشهور الأولى لتولي السيسي لمنصبه.
وفي جميع الاحتمالات، لن تؤدي هذه الانقطاعات إلى احتجاجات جماهيرية فورية ضد السيسي. فالمصريون منهكون إلى حد كبير جراء الصخب والتقلب الذي ساد الثلاث سنوات الماضية، وبالتالي فهم على استعداد لمنح السيسي بعض الحرية للحركة. غير أن هناك سببين رئيسيين لاحتمال أن تظل الحياة السياسية المصرية متقلبة على المدى الطويل.
أولاً، بينما يواجه كل زعيم وطني واقعياً تهديدات بالقتل، إلا أن حقيقة أن مئات الآلاف من أعضاء «الإخوان» – وربما بضع ملايين من أنصارهم – يريدون مقتل السيسي تعني أن التهديد بعملية اغتيال تغير قواعد اللعبة حقيقية وثابتة، بغض النظر عن الحماية الجيدة التي يخضع إليها الرئيس المصري القادم. وعلاوة على ذلك، فإن ديناميات القتل أو التعرض للقتل التي كانت سمة الحياة السياسية المصرية منذ الإطاحة بمرسي في تموز/يوليو 2013 تتسع باستمرار. فالقوى المؤيدة لـ «الجماعة» هددت مؤخراً باغتيال مسؤولين في الحملة الانتخابية للسيسي من خلال نشر معلوماتهم الشخصية على الإنترنت.
ثانياً، إن التهديد لحياة السيسي يعني استمرار السياسات الاستبدادية التي كانت عوامل محفزة للانتفاضات ضد كل من مبارك ومرسي. وفي ظل خوف النظام الحالي من احتمال استغلال «الجماعة» لأي انفراجات سياسية من أجل العودة إلى السلطة والسعي للانتقام، فإنه يفرض بالفعل قيوداً صارمة على المعارضة لها تأثيرها على الجميع. وفي الأشهر الأخيرة، قام النظام حتى باعتقال نشطاء معارضين داخل العملية الانتقالية الحالية، حيث احتجز أنصار المرشح الرئاسي الناصري حمدين صباحي وحكم بالسجن ثلاث سنوات على نشطاء تظاهروا ضد الدستور الذي تم تمريره مؤخراً.
وفي الواقع أنه في عشية الانتخابات الرئاسية الثانية التي تجري في مصر خلال عامين، تمثل الحياة السياسية المصرية كارثة فعلية – كما ينتظر حدوث كارثة أكبر. وفي ضوء المخاطر الوجودية لكل لاعب سياسي، فإن ضغط واشنطن القائم على نوايا حسنة لتطبيق نهج سياسي أكثر شمولية ليس أمامه أي فرص للنجاح الآن. وينظر النظام الحالي إلى جهود تشجيع الديمقراطية على أنها مؤامرة مخادعة للتعجيل بوفاة السيسي. وفي غضون ذلك، يرى «الإخوان» وأنصارهم أن واشنطن تآمرت للإطاحة بمرسي ومن ثم ينظرون إلى مخاوف حقوق الإنسان الأمريكية على أنها مخادعة.
ولهذا السبب، لن تحصل واشنطن على مصر التقدمية التي تريدها في أعقاب “الربيع العربي”. والأمر الأكثر مدعاة للحزن أن المصريين لن يحصلوا عليها كذلك.
إريك تراجر هو زميل واغنر في معهد واشنطن.