تملك قطر الكثير من المال. الكثير جدا حتى أنها لا تعرف أين تنفقه. ولكن المال وحده لا يصنع مكانة ولا دورا.
المال نسبي، من حيث المبدأ. وقيمته الحقيقية تكمن في طريقة توظيفه، وليس في كميته!
قد تملك تريليونات الدولارات، ولكنك عندما تبددها على طاولة روليت، فان قيمتها أقل بكثير من بضعة ملايين توظفها في بناء أسرة قادرة على أن تنمو وتتطور.
بوضعها الرهان على الاخوان المسلمين لتمزيق دول المنطقة، فقد اختارت قطر طاولة الروليت لتحرق ليس المال وحده، وانما لتحرق مجتمعاتٍ وأوطاناً بأسرها.
وبدلا من أن تختار قطر، بأموالها الفائضة، أن تبني جامعات، أو أن تمول مشاريع زراعية، أو صناعية تمتص الأيدي العاطلة في عالم عربي فقير وجائع، فقد اختارت أن تمول جماعات جهادية!
وليس ثمة ما يبرر أن تسأل: ماذا أنتجت تلك الجماعات؟
يكفي أن تأخذ مثلا في أي بلد، من تونس الى سوريا.
والكارثة قد تبدو كبيرة في سوريا، ولكنها ليست أقل كبرا في ليبيا، كما أنها ليست أقل خطرا في مصر. أما في تونس، فحدث ولا حرج. فهذا بلدٌ نجح الاخوانيون في تحويله، في غضون سنتين، الى بلد مفلس، لا تقدر حكومته أن تدفع رواتب موظفيها.
نعم، لقد كان النظام في سوريا يستحق التغيير. ولكن بما يتوافق مع طبيعته الاجتماعية التعددية، وليس بما يتوافق مع قدرات المال على تجنيد الارهابيين، وليس بقدرة المال على تمويل مشروع طائفي (سني) يتحدى طوائف البلد الأخرى.
مشروع التغيير في سوريا، لمَنْ يمكنه أن يثق بحكمة التاريخ، كان يجب أن يتم سلميا وتدريجيا فقط!، كما كان يجب أن يتم بأيدي مثقفين، لا بأيدي أصوليين!!
فالى ماذا قادنا مزيجُ المال بسوء الفهم؟
لقد قاد الى دمار شامل، من دون أن يحدث أي تغيير! ولقد قاد الى تهجير تسعة ملايين انسان، والى تدمير حياة كل الباقين في بلد كان يمكنه أن يجد سبيلا أفضل لاصلاح نفسه، وتعديل خياراته الاستراتيجية، من دون سفك دماء.
فهل نقول “ألف مبروك” للعبقرية التي ينتجها الجهل المدجج بالمال، أو المال المدجج بالجهل؟
وما أدراك ما مصر.
إنها حجر الزاوية التي أراد المال القطري أن يهدمها لكي تنهدم على رؤوسنا جميعا.
لقد اختارت قطر، بالرهان على الاخوان المسلمين، أن تمول عصابة ماسونية، بعقليات شديدة التفاهة، لكي تحكم البلد الذي قدم لنا طه حسين، وتوفيق الحكيم، وعباس محمود العقاد، وأحمد شوقي، وحافظ ابراهيم، ولويس عوض، وسلامة موسى، ونجيب محفوظ، و… الكثير ممن يستحيل ذكرهم.
عصابة من الانحطاط والتفاهة بحيث أنها ما كانت قادرة على أن تعرف طبيعة البلد الذي تحكمه. عصابة أخذتها العزة بالإثم حتى أنها لم تكن مستعدة لتصغي لأي أحد. عصابة نظرت الى مجتمع يعتبر نفسه مسلما قبل الإسلام، على انه كافر، وعلى أنها وحدها التي تمثل الإسلام فيه.
لقد وضعت قطر أموالها على طاولة الروليت هذه، لكي تطحن بها بلدا يبلغ تعداد سكانه نحو تسعين مليون نسمة.
ولو حدث وأنهم تنازعوا أو تشردوا، كما يحدث في سوريا، فلا أدري كم قطر كنا سنحتاج لايوائهم؟ ولا أدري كم من الاموال كنا سنحتاج لإطعامهم؟ ولا أدري إن كانت قطر ستقدر على أن تقدم لمخيمات اللاجئين منهم غطاء أو طعاما (لاسيما ونحن نعرف، أن ملايين اللاجئين السوريين، يرفلون بالدمقس وبالحرير بفضل تمويلات قطر، التي قررت الإطاحة بالرئيس، فأطاحت بشعبه).
ومثلما قاد الاخوان المسلمون تونس الى الإفلاس (وهي التي بالكاد ينوف عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة)، فانهم قادوا مصر بالفعل الى الإفلاس أيضا. ولولا رحمة الباري، وعطف الأشقاء في السعودية والإمارات، لكنا نقف اليوم أمام مجزرة بشرية ما بعدها مجزرة.
مصر بلدٌ، حتى مجرد التدخل في شؤونه، يجب أن يثير الذعر قبل الإقدام على أي شيء فيه. فما بلك بتمويل الشر؟
إنظر في معدلات العيش تحت خط الفقر في العالم العربي وستجد انها تشمل نحو 100 مليون انسان (من مجموع السكان البالغ 370 مليون نسمة، حسب تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة، بينهم 40 مليون إنسان يعانون من نقص في التغذية)، وانظر الى عدد العاطلين عن العمل وستجد انه يشمل 96 مليون عاطل، 40% منهم من النساء، وانظر الى معدلات الأمية وستجد أنها تشمل 97 مليون انسان (حسب منظمة التربية والثقافة والعلوم – الألكسو)، اكثر من 60% منهم من النساء. وانظر الى سوق العمل وستجد أنها تجتاج الى 1.5 مليون فرصة عمل في العام لاستقبال الوافدين الجدد، وإلا فانهم سيركبون قطار البطالة.
انظر الى كل هذا وغيره، وستعرف كيف كان يمكن للمال أن يبني مكانا ودورا إقليميا تاريخيا لقطر، وكم كان سيجعلها أكبر من قارة في عين كل إنسان، وكم كان سيحيطها باحترام وتقدير أمة بكاملها، وكم كان سيجعلها قبلة للمحبين.
ولكنها اختارت طاولة الروليت، لأنها لم تفهم، حتى يومنا هذا، أن المال لا يمنح الإنسان قيمة، بل الإنسان هو الذي يمنح القيمة للمال.
فهل لدى قطر الكثير من المال؟ أم أنها الإفلاس بعينه؟
علي الصراف، كاتب وصحافي عراقي، ومدير قناة “أي.أن.أن”