تتردد في السعودية أحاديث رسمية عن الإسراع بتطوير لقاح يقي من متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (فيروس كورونا). قد تكون هذه التصريحات مجرد وسيلة لطمأنة المواطنين في هذا البلد الذي بات يعتبر بؤرة الفيروس في العالم، إذا يجمع الخبراء على أن الفكرة بعيدة عن الواقع العلمي ولن تجدي كثيرا في مجال الصحة العامة.
ويقول خبراء الفيروسات إن المعرفة المتاحة في مجال الكيمياء الحيوية تتيح إنتاج لقاح ضد الفيروس لكنهم يتساءلون “لما تريد السلطات السعودية إنفاق الملايين في تطعيم مواطنيها ضد مرض لم يصب به إلا بضع مئات؟”.
وهم يرون أن من الأفضل كثيرا تحديد مصدر العدوى الذي هو على الأرجح بين حيوانات -ربما تكون الإبل أو الخفافيش- ثم وضع استراتيجية للقضاء على الفيروس من المنبع.
وقال خبير الفيروسات بجامعة ريدينج في بريطانيا إيان جونز وهو يتابع انتشار المرض منذ بدايته إن “فكرة إنتاج لقاح ضد فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية محفوفة بالمشاكل”.
وأضاف أن “المسألة قد تشيع نوعا من الرضا في نفوس الناس. بالإمكان قطعا تحقيق ذلك من منظور الكيمياء الحيوية ولكن لا طائل منه من الناحية العملية”.
وتساءل “من الذي ستقومون بتطعيمه؟ هل ستقومون بتطعيم كل السكان في حين أن عدد المعرضين للإصابة يبدو ضئيلا جدا؟”.
ظهر الفيروس لأول مرة في نيسان/أبريل 2012 وتسبب في وفاة 92 شخصا في السعودية فقط، حسب إحصائيات وزارة الصحة السعودية.
ويمكن أن يتسبب المرض في السعال وارتفاع درجة الحرارة والالتهاب الرئوي وقد يفضي إلى الوفاة. وحتى الآن تبلغ نسبة الوفيات نحو 30 بالمئة.
زيادة حادة في الإصابات بالسعودية
ارتفع عدد المصابين بشدة في السعودية في الأسابيع الاخيرة، ما زاد الضغوط على الحكومة لتبين أنها تعمل على حماية مواطنيها. وذكر موقع وزارة الصحة أنه تم تسجيل 313 إصابة في المملكة منذ رصد الفيروس للمرة الأولى في البلاد في أيلول/سبتمبر 2012.
وسجلت مبيعات الأقنعة الواقية ومنتجات تطهير الأيدي ارتفاعا كبيرا في حين يبدي البعض قلقا من الذهاب للمستشفيات أو حضور جنازات تجنبا للاختلاط بمصابين بالفيروس.
وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية في جنيف الجمعة إن المنظمة تشعر “بالقلق” من زيادة أعداد المصابين بفيروس كورونا في السعودية. وأضاف أن “هذا يبرز ضرورة معرفة المزيد عن الفيروس وعن كيفية انتقاله وعن مسار العدوى”.
ووسط القلق المتصاعد، تقول السلطات السعودية إنها دعت خمس شركات بارزة لصناعة اللقاحات للتعاون معها من أجل تطوير لقاح للفيروس.
ولم تذكر أسماء الشركات أو تفاصيل أخرى واكتفت بإيضاح أن الشركات من أميركا الشمالية وأوروبا وأن بعضها سيزور المملكة قريبا لمناقشة كيفية إنتاج لقاح بتكلفة معقولة.
وقال خبير الفيروسات في مركز إراسموس الطبي في روتردام بهولندا بارت هاجمانز “أشك أن تهتم شركات إنتاج اللقاحات بتطوير لقاح للبشر في هذه المرحلة”.
وشكك المغردون السعوديون على موقع تويتر بهذه الخطوة، معتبرين أن “مافيا الأدوية” تقف وراء انتشار هذا المرض في السعودية لدفع البلاد إلى اشتراء لقاح بمليارات الدولارات.
الإبل.. مصدر فيروس كورونا؟
يعكف الباحثون في أنحاء العالم على فحص ملابسات الإصابة بفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
وينتمي الفيروس لعائلة متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) الفتاك الذي تفشى في عام 2003.
وفي البداية، ربط العلماء الفيروس بالخفافيش وكشفت الأبحاث أن حالات العدوى بالفيروس أو الدلائل على وجوده منتشرة بين الجمال العربية في الشرق الأوسط.
وقال هاجمانز “إن جميع الأدلة تشير حاليا إلى الجمال” كمصدر محتمل لانتقال العدوى للإنسان. وهو يتفق مع إيان ليبكين مدير مركز العدوى والمناعة بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة على أن تطوير لقاح للحيوانات ربما يكون أكثر فعالية على المدى الطويل في احتواء الإصابات بين البشر.
وقال إن محاولة احتواء انتقاله من الحيوانات -التي ربما كانت الإبل في هذه الحالة- إجراء منطقي من جهة الصحة العامة.
فمعايير الاختبار والتجارب في حالة إنتاج لقاح محتمل للحيوانات أيسر كثيرا منها في حالة البشر التي تتطلب تجارب معملية كاملة تستغرق عدة أعوام قبل الإقرار بسلامة المنتج وفعاليته والتصريح بطرحه في الأسواق.
لذا يتساءل البعض عن سبب تفادي السلطات السعودية الحديث عن احتواء المرض بين الإبل في حين يبدو أن علاج المرض من منبعه أو حتى حماية الحيوانات نفسها قد يكون هو الحل الأنجع.
ويخشى ليبكين أن يكون القرار السعودي متأثرا بوضع الإبل في المملكة حيث لها قيمة ثقافية ومالية كبيرة فضلا عن الإعجاب بجمالها وتقدير دورها في الرياضة وتناول حليبها ولحومها.
ويقول إن صورة الإبل كحيوانات جميلة ذات قيمة قد تهتز إذا تبين وجود رابطة وثيقة بينها وبين فيروس خطير وفتاك.