يكافح الفلسطينيون من أجل وحدتهم الوطنية، ليس لأن الاحتلال واحد، وليس لأن الظلم واحد، بل لأنهم (كانوا وما يزالون) بحاجة الى مشروع تحرير وطني واحد؛ الى رؤية مشتركة تدفع بـ 12 مليون فلسطيني، داخل فلسطين وخارجها، نحو هدف واحد.
لا توجد قوة على وجه الأرض يمكنها أن تقاوم إرادة شعب يلتف حول مشروع وطني واحد.
نعم، تملك اسرائيل ما هو أكثر من المدفع والطائرة والدبابة. ولكنها لم تقدر على كسر شوكة الفلسطينيين بزرع القتل والدمار. بيد أنها قدرت عليهم عندما تمكنت من شق صفوفهم وتشتيت رؤاهم.
وما من شعب يمكنه أن يُبصر هدفا، إذا زاغت وتعددت رؤاه.
والرؤية المشتركة لا تتطلب اتفاقا على كل شيء. ولكنها إذ تتعلق بالأساسيات، فان “المشترك” فيها هو ما يجب أن يوحد الصفوف.
وثمة من الأهداف ما يمكن تقديمه، إذا كان موضع اتفاق، وآخر يمكن ارجاؤه، إذا كان موضع اختلاف.
ولقد حقق الفلسطينيون، على امتداد سنوات الكفاح، (بما فيها سنوات السير في طريق البحث عن سلام)، الكثير من المعجزات. وفي الأقل منها أن فلسطين باتت دولة عضو في الأمم المتحدة، ويمكنها أن تدفع بعضويتها الى الأمام لتشمل كل الاتفاقيات والمنظمات التي تحصن حقوق الشعب الفلسيطني وتوفر منبرا دوليا للمطالبة بها، والذود عنها.
نحن نعرف أن الغرب منافق. وأنه يكيل بمكيالين. وأنه انتهازي عندما يتعلق الأمر بالقانون. ولكن القانون قانون. والنفاق فيه، كلما ازداد انكشافا، كلما أضحى فضيحة وعارا. وعار الغرب، مع الفلسطينيين بالذات، ذو جلاجل.
ولقد أتاح الوضع الراهن (الذي نجم عن التورط بعملية سلام فارغة) فرصة ثمينة لجعل دولة فلسطين قادرة على توظيف القانون الدولي، ومقررات الشرعية الدولية، سندا حيويا لدعم الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني.
وهذا وضعٌ، لم تعد الولايات المحدة، ولا كل من لف لفها في حلف النفاق، قادرةً على هدمه.
اليوم، عندما يتجه الفلسطينيون الى ارساء أساس لاستعادة الوحدة الوطنية، فمن الطبيعي للغاية أن يُثيروا ذعر كل أعداء السلام؛ ذعر كل أولئك الذين يتخذون من السلام ذريعة لعدم تحقيق السلام؛ وذعر كل أولئك الذين يتحدثون عن السلام ويفعلون عكسه.
الوحدة الوطنية الفلسطينية، شأنٌ داخلي.
إنها واحدٌ من أقدس الحقوق، ومن أولها!
الفلسطينيون لم يُضيّعوا شيئا من حقوقهم، إلا عندما اختلفت بهم الرؤية؛ وإلا عندما زاغت أبصارهم عن الهدف.
ولقد بلغت عملية السلام حدا من اللاجدوى يسمح بالثقة بأنه بات لدى أهل القضية ما يوحدهم، حتى وإن اختلفت بهم السبل. فالمربع صفر الذي انتهوا اليه بعد 23 عاما من المحاولات، يكفي بحد ذاته ليكون عاملا لقسمة مشتركة بين ذوي المقاربات المختلفة.
ببساطة، فإن عجز الاسرائيليين عن تحقيق السلام، وعجز الامريكيين عن اقتفاء أثر العدل في الميزان، هو الذي منح الفلسطينيين الفرصة لكي يخطوا الخطوة الأولى في الاتجاه الرامي الى بناء مشروع وطني مشترك.
ومن هذه الناحية، فإنهم يستحقون الشكر، ويجوز القول لهم: لقد حققتم لنا، بفشلكم، ما لم نستطع تحقيقه بأنفسنا.
ولئن قالوا إن الوحدة الوطنية الفلسطينية سوف تعني قطع المساعدات. فقولوا لهم إن مساعداتٍ لم تثمر سلاما، لا خير فيها.
إنها من السخف بحيث أننا نعرف أنها كانت مساعدات ليس لصنع السلام، بل لتوفير الفرصة لاسرائيل لكي تماطل من أجل عدم تحقيق السلام.
هذه الفضيحة انكشفت. وخير للفلسطينيين، أن يعودوا الى الحجارة، من أن يمدوا أيديهم لطلب مساعدات. لاسيما وأنها لم تكن سوى معوقات، وإملاءآت، وأدوات ابتزاز.
لقد تجاوزت القضية الفلسطينية الحد الذي يجعلها بحاجة الى مساعدات تتأسس على نفاق.
فلسطين دولة تحت الاحتلال!
ومن يريد أن يدعم الاحتلال فليقدم له المساعدات.
أما الضحايا، فتكفيهم الحجارة!
ولو ثار الفلسطينيون على الغزاة، فان الضمير الحي، في عالمهم العربي والإسلامي، لن يُبقيهم دون عون. وهذا العون دَيْنٌ علينا، وواجب لمن يفتدون المقدسات بأرواحهم.
سنخلع ملابسنا لنغطيهم. ولن نأكل قبل أن يأكل أطفالهم.
لهذا السبب، فخير للفلسطينيين اليوم أن يقولوا بصوت واحد: ألا لعنة بالمساعدات، ألا لعنة بالنفاق. وأن يرددوا هذا القول عقب كل صلاة.
علي الصراف