انتقد “سيوماس ميلن” في مقاله في صحيفة “الغارديان” البريطانية بشدة خطاب بلير الأخير الذي طالب فيه الغرب بتنحية خلافاته مع كل من روسيا والصين للتفرغ لمواجهة ما سماه بتزايد التطرف الإسلامي في العالم.
المقال الذي جاء تحت عنوان “الحرب على الإسلام لا تنتج إلا الكراهية والعنف”، بدأ بوصف الخطبة التي ألقاها رئيس الوزراء البريطاني السابق في لندن بأنها “تتسق مع المناورات السامة لرئيس الوزراء الحالي دافيد كاميرون على المستويين الداخلي والدولي”.
ويقول “ميلن” إن هذا الخطاب يدشن عودة المحافظين الجدد إلى الساحة مرة أخرى عن طريق خليط قاتل بين دعوات التدخل العسكري في الخارج، والتي تنطلق من عقيدة صهيونية مسيحية وبين ممارسة المكارثية والاضطهاد في الداخل.
ففي بريطانيا، بدأت الحملة ضد “التطرف الإسلامي” مرة أخرى في التدفق الكامل. في الحقيقة، هي موسم مفتوح عضد المجتمع المسلم. وخلال الأسابيع القليلة الماضية تضاعفت التقارير حول “مؤامرة إسلامية” مزعومة، أُطلق عليها اسم “عملية حصان طروادة”، للسيطرة على 25 مدرسة تابعة للدولة في برمنغهام وتعتمد في مناهجها على المبادئ الدينية.
وردَ وزير التعليم، مايكل غوف، وهو مؤيد قديم للمحافظين الجدد وحروب بلير، عن طريق إرسال جيش من المفتشين لملاحقة “المتطرفين” واختيار بيتر كلارك، الرئيس السابق لشرطة سكوتلاند يارد لمكافحة الإرهاب، للإشراف على التحقيق.
ولكن كل الدلائل تشير إلى أن الملف المجهول حول خطة مزعومة للسلفية لإحكام سيطرتها هو خدعة ترتبط بتوظيف قضية قضائية قديمة.
بينما يصرَ السكان المحليون أن الحقيقة في هذه “القضية المفتعلة” هو أن المسلمين، الليبراليين والمحافظين معا، انخرطوا بشكل متزايد في هذه المدارس لرفع مستوى أطفالهم وليس لـ”أسلمتهم”. ولكن نتيجة هذا الضجة، وفقا للكاتب، هو تسميم العلاقات بالمجتمع المسلم وردع المسلمين العاديين عن المشاركة في الحياة المدنية خوفا من تعرضهم لوصف “التطرف”.
وقال الكاتب إن “وليام شوكروس”، رئيس مفوضية المؤسسات الخيرية ومنظر المحافظين الجدد، أعلنت في الوقت نفسه أن “التطرف الإسلامي” المشكلة “الأكثر فتكا” التي تواجه الجمعيات الخيرية، ووعد باتخاذ إجراءات صارمة للقضاء عليه، بقطع النظر عن تعريف مدلوله.
ويرى الكاتب أن حملة التصريحات هذه جاءت عقب طلب ديفيد كاميرون الأكثر شؤما بكثير إجراء تحقيق عن جماعة الإخوان المسلمين وصلاتها بـ”التطرف العنيف” في كل من بريطانيا والخارج، مع إمكانية حظرها على أنها منظمة إرهابية.
وكان الدافع وراء هذا التحقيق في التنظيم السياسي الأكثر نفوذا في العالم الإسلامي واضحا من خلال تعيين سفير بريطانيا لدى المملكة العربية السعودية، السير جون جنكينز، للإشراف عليه. إذ إن كلا النظامين السعودي والمصري، وفقا للكاتب، يعتبران جماعة الإخوان الفائزة بالانتخابات تهديدا مميتا، وصنفوها منظمة إرهابية.
واسترضاء للرياض، يقول الكاتب، بوضع اللمسات الأخيرة لإتمام صفقات أسلحة بمليارات الجنيهات عقود الجنيه الأسلحة واصطفاف بريطانيا مع محور السعودية ومصر وإسرائيلي، ألقى كاميرون لهم العظام.
ويضيف الكاتب أن هذه السياسات التي لم تقدم للعالم سوى أفغانستان والعراق وغوانتانامو وتفجيرات لندن بدأت تشق طريقها مرة أخرى للعودة إلى الساحة، وتم تدشين ذلك بخطاب بلير الذي يصفه الكاتب بأنه “بطل الدفاع عن مبدأ التدخل العسكري في الخارج لحل الأزمات”.
ويوضح “ميلن” أن بلير طالب مرة أخرى بشن حرب ضد ما سماه “خطر الإسلام المتطرف”، وهو نفس طريق الخداع الذي استخدمه هو والرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش إلى مذبحة “الحرب ضد الإرهاب”.
ويقول ميلن إن بلير بدأ في شن حملته الصليبية الجديدة ضد الإسلام السياسي” عن طريق المطالبة بالتصالح مع روسيا والصين للتفرغ لدعم من سماهم “الإسلاميون المعتدلون ضد مد الإسلاميين المتطرفين”.
واعتبر “ميلن” أن بلير ناقض نفسه بالدعوة إلى التدخل العسكري في سوريا لإسقاط نظام الأسد الذي تدعمه روسيا لمصلحة المعارضة المسلحة، والتي تسيطر عليها الكتائب الإسلامية.
كما انتقد ميلن مساندة بلير المبعوث الدولي للسلام في الشرق الأوسط للديكتاتورية في مصر والأنظمة الملكية القمعية في الخليج، واعتبر أن ذلك يعد مسارا مناهضا للديمقراطية.
ويقول “ميلن” إن هذه الدعوات تتسق مع السياسة البريطانية الحالية التي تضطهد بعض البريطانيين المسلمين الذين توجهوا لمقاتلة النظام الحاكم في سوريا، أو يجمعون التبرعات للمتضررين السوريين وتوجه إليهم اتهامات بدعم الإرهاب بينما لم يواجه البريطانيون الذين قاتلوا ضد نظام القذافي في ليبيا أي معوقات أو اتهامات مشابهة.
ويؤكد “ميلن” أن دعوات بلير تتعدى حدود النفاق لتصبح جزءا من حملة للتلاعب بالعقول لدعم الطغيان والتدخل العسكري في الشرق الأوسط، والذي كان السبب الأكبر في تزايد أعداد المنتمين للجماعات الإسلامية منذ عام 2001.