عرفه المصريون من خلال المسلسل الشهير، الذي قام ببطولته النجم محمود عبدالعزيز، والذي أظهر الدور الذي كان يقوم به في إمداد مصر بمعلومات من قلب إسرائيل، إنه “رأفت الهجان”، كما عرف إعلاميًا، أو “رفعت الجمال”، وهو اسمه الحقيقي من واقع سجلات المخابرات المصرية.
لكنها المرة الأولى التي تكشف فيها إسرائيل عن معلومات تفصيلية بشأن “الهجان”، أو كما يوصف إسرائيليًا بـ “الإسفين المزدوج” الذي تم دقه عشية حرب 1967، تكشف الجانب من شخصيته، وهو أنه كان عميلاً مزدوجًا جنده جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك”؛ وقصته كانت إحدى قصص الخداع الإسرائيلي لمصر خلال فترة ما قبل حرب يونيه.
كما يروي العميد (احتياط) افرايم لابيد، وهو باحث في تاريخ الاستخبارات بجامعة بار ايلان الإسرائيلية، والذي شغل في الماضي عدة مناصب بارزة بجهاز الاستخبارات الحربية العسكرية بإسرائيل، كما عمل متحدثًا للجيش الإسرائيلي والوكالة اليهودية.
ويقول لابيد في مقال بمجلة “اسرائيل ديفينس” المتخصصة في الشئون العسكرية والاستخباراتية، إن “المواطن المصري رفعت علي الجمال كان لديه مشاكل قانونية في بلاده، واقترح عليه رجال المخابرات المصرية بعد اكتشافه لقدراته البارعة أن يتحول إلى عميل له مقابل عدم تقديمه للمحاكمة”.
وأضاف أنه “وافق على العرض وقام باختراق إسرائيل كيهودي في إطار موجة الهجرة اليهودية التي جاءت من مصر بعد حرب 1956، وعندما وصل إلى تل أبيب أثار سلوكه الشكوك وتم اعتقاله من قبل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، واكتشف رجال الأمن في منزله وسائل تجسس”.
وأضاف أن “الشاباك عرض على الجمال أن يكون عميلاً مزدوجًا مقابل عدم تقديمه للمحاكمة بتهمة التجسس لصالح دولة معادية، ومن أجل تعزيز مركزه في إسرائيل أمام أعين المصريين ساعده “الشاباك” على فتح مكتب سفريات في شارع برنر في تل أبيب، واندهش المصريون من سرعة استيعابه داخل إسرائيل على الرغم من كونه مجرد وكيل للسفريات”.
وذكر أن “المعلومات التي قام الجمال بنقلها لمصر كانت في جزء كبير منها حقيقية وغير مزيفة، وذلك لتعزيز مصداقيته عند مرسليه في القاهرة، وعلى مدار السنوات كان هناك فترات صعود وهبوط في أدائه مع جهازي الاستخبارات، المصري والإسرائيلي”.
وأشار إلى أنه “مع اقتراب حرب 67 بعث الجمال بمعلومات مضللة للقاهرة حول سلاح الجو الإسرائيلي، ونجح في إقناع المصريين بضعف سلاح الجو أمام نظيره المصري، وأن جيش إسرائيل لا يمكنه المساس بالقواعد الجوية المصرية طالما أن الأخيرة محمية جيدًا ببطاريات مضادة للطائرات”.
وبهذه الطريقة ـ يواصل لابيد أ تكونت لدى المصريين وجهة نظر تتعلق بإسرائيل، وهي أن الأخيرة لن تقوم بضربة استباقية بواسطة سلاحها الجوي، وبعد استيعاب تلك الرسالة المضللة في القاهرة، قامت إسرائيل بضربة مفاجئة لطائرات الجيش المصري وهي ما زالت على الأرض في قواعدها.
وأشار الضابط الاستخباري السابق إلى أنه “في بداية سنوات السبعينيات طلب رفعت الجمال مغادرة إسرائيل، وتم إرساله إلى ألمانيا كي يخضع لعملية إعادة تأهيل، وتوفى عام 1982، وفي عام 1988 كشف الإعلام المصري عن رفعت الجمال زاعمًا أنه بطل قومي مصري عمل عشرين عامًا من قلب إسرائيل ولم يكشفه أحد ما، وأنه شخصية جديرة بالاحترام، وأصبحت الرواية المصرية لقصته موضوعًا لمسلسل تليفزيوني عن الجاسوسية”.
وختم قائلاً: “في إسرائيل لم يكشفوا العملية الاستخباراتية إلا بعد نشر المصريون ما أسموه ببطولة الجمال ضد إسرائيل”، لافتًا إلى أن عملية “الإسفين” كانت مثالاً ناجحًا للإبداع والخيال الإسرائيلي، في تجنيد عميل مزدوج وإحدى الإنجازات الهامة لحرب المعلومات في فترة الستينات”.