ألخليجيون العرب حائرون خائفون قلقون كأنهم على ريحٍ يقعدون . يتلفّتون ذات الشمال وذات اليمين وما بينهما ، كأنهم ألف حسين وحسين . يتهامسون ويتجاهرون فينقسمون ويتباززون ويتنابزون بالألقاب . ضربتهم عيون الناس فمرضوا وداخوا وحاروا حتى من كانت بيبانهم معمولة من سبع عيون . تحت يمينهم الجبل والوادي والسهل والصحراء وزمزم والواحة والعيون . يسوّرهم البحر حيث ولّوا وجوههم إلا من شمائل مفتوحة على باب العرب . لهم الذهب الأسود والأبيض والأصفر ، والزرع والماء المحلّى والهاطل من سماء ربٍّ كريم .
في خاصرة أمّهم النجدية الحجازية ، يشعّ وينوّر قبر محمد العظيم ، الذي كان خلقَ دولةً عظمى وصل علمها وفهمها وفنها وشعرها وفقهها وفلكها ومعمارها وزرعها ورحماتها وعطاياها ، إلى أخير الكون القائم أيامها وسنينها المشعّات الذهبيات .
ألخليجيون متبلبلون مثل بلبلة أهل بابل ، وليلة الدخلة والمتعة التي وقعت بين أمريكا وإيران ، زادتهم حيرة ومعمعة وكشفتْ ظهورهم حتى شافوا أنفسهم وقد آلوا عراةً إلّا من بعض ستر المصادفة والآلاء النابتة بغير عناء . أرى إليهم الليلة الظلماء ، فأرى ما يرى الفتى الدربة ، عظيمَ قهر وجبل ندم ، إذ سوّلت لهم أنفسهم يوماً مريباً موحشاً ، فطرحوا أخاهم القويّ ، بلد ما بين القهرين أرضاً ، ثم شالوه ورموه رمية رجل واحد ببئر مظلمة ، كي تتقسّم حوبة دمهِ الطهور بين القبائل ، فلم يخلُ لهم وجه ابنة الماخور ، ولم تأتِ ناسٌ سيّارةٌ ، فتدلي بدلوها في بطن البئر ، فيصعد الولد الجميل الحسن البديع ، وتتموسق وتتدوزن الهلاهل على صيحة :
يا بشرى هذا عراق .
كانت خزائنهم وما انفكت غاصّة بالذهب وبالدينار وبكل عقيق ثمين ، وهي تكفي لتبعيث بناتهم والأولاد في بعيثات تيمّمُ وجوهها صوب غرب الأرض وشرقها ، ليعودوا متأبطين سعيدين بما تيسر من طب وهندسة وفنّ ومن كل علم ينفع الناس عليها ، حتى إذا وصلوا إلى الديار الأم ، صلّوا عليها وسلّموا تسليماً ، وصيّروها جنة عرضها البحر والجزر والخلجان .
ناموا أربعين سنة حتى فزّوا فزيز ملدوغٍ بليل ، فوجدوا أنّ آل الأسد في الشام شيعة ، فهجّوا إليها خفافاً وثقالاً ، على ظهورهم قاذفات لهب وملغّمات عقل وصدر وهوى وسراب ، فلمّا بدّلت السمسارة الكذابة الحرامية أمريكا بوصلتها ووجهتها ، عادوا إلى صومعتهم نادمين آسفين خائفين من إياب أبنائهم المحاربين في الشام وما حولها .
ألخليجيون دائخون خائفون قلقون قاعدون قدّام شاشة يتلمّظ فوقها الذئب الأمريكي القذر ، ومع كلّ مطقة حارة يصيح بهم ، إنّ فوضاي الخلّاقة قادمة لا ريب فيها .
ألخليجيون يجاهدون في بلاد الأفغان وفي كوسوفو وفي الهند وباكستان وفي الشام ، لكن ليس في فلسطين التي سرقها لملوم الأرض ومقطّموها .
ألخليجيون وهم أهلنا والمنبع ، يؤجّلون الزرع والصنع والطب والذرة ، ويموّلون ربيعاً في الشام وآخر في مصر وثالثاً على شواطىء المتوسط البعيد ، ويغلقون الباب والشباك على مخادعهم ، فلا إبنة تسوقُ مركوباً ، ولا زوجة تستوزر كرسياً ، ولا أختاً تستشار بمجلس شورى أو قفص عدالة .
ألخليجيون ينفصمون كما لم ينفصموا من قبل .
هم اليوم بمواجهة السؤال الضخم الذي تمّ تأجيله ومحوه حتى من على مصطبة الإحتياط :
ماذا بعد النفط العزيز ؟
ألخليجيون أهل الجزيرة العربية والخليج العربيّ أباً عن جدّ ، ما زال في يومهم القائم ساعة استدراك واستدارة . إملئوا الآن أرضكم بالمعامل والمزارع ليكون خيرها وخراجها طعاماً طيباً تصنعه أياديكم القوية التي تشتغل مثل عبادة ودعاء مستجاب قبل يوم رمادة وقحط .
اخرجوا من ورطة التأريخ قبل أن يأكلكم الذئب والعرب عنكم غافلون .
علي السوداني