الطفل السوري خالد هو واحد من عدد لا يحصى من الأطفال اللاجئين في بيروت لأبوين غير قادرين على تغطية نفقات الأسرة، مما اضطرهما لإرسال ولدهم للعمل في الشوارع
في العاصمة اللبنانية (بيروت)، حيث ترفض الحكومة إقامة مخيمات لهم، لا تخفى صورة المتسولين من السوريين على المارة حيث ينتشرون في شوارعها. تحدثت “روث شيرلوك” مراسلة صحيفة “صاندي تلغراف” البريطانية عن الولد خالد (11 عاما)، حيث كان يتسكع وحده في الساعة الثانية صباحا ويتحرك بين الجموع من المدخنين والثملين ممن خرجوا لتوهم من الحانات والمراقص، وبصوت لا يكاد يسمعه أحد بسبب الموسيقى الصاخبة، نادى خالد على الناس “الله يخليكم ساعدونا”، فكان رد المعظم إدارة ظهرهم له أو إبعاده عنهم.
وتقول شيرلوك إن عائلته لن يكون لديها ما تأكله لو لم يحصل على ما يكفي، ولهذا ينهي عمله عندما تفرغ الحانات من روادها أي في الساعة الرابعة صباحا، حيث يسرع للنوم لساعات قليلة في زاوية تقع تحت محطة حافلات بيروت المركزية.
وتضيف أن خالد هو واحد من الكثيرين الذين تحولوا لمتسولين لعدم استطاعة عائلاتهم تأمين احتياجاتها اليومية بعد فرارها من سوريا. وفي بعض الحالات أصبح الأولاد وتسولهم المصدر الرئيس للرزق.
ويعيش في لبنان أكبر تجمع من السوريين في العالم، حيث يبلغ عددهم مليون نسمة تقريبا ومن دون مخيمات أو بنى تحتية تساعد على استيعابهم.
وبسبب ارتفاع تكاليف المعيشة في لبنان وإيجارات البيوت، فقد اضطرت العائلات لترسل أبناءها إلى عالم الشغل مبكرا للبقاء على قيد الحياة.
وتشير إحصائية لمنظمة الطفولة العالمية “يونيسيف” أن واحدا من بين كل 10 أطفال سوريين يعملون في مناطق اللجوء التي هربت إليها عائلاتهم. ونقلت الكاتبة عن “جولييت طعمة” التي تعمل مع اليونيسيف: “لدى لبنان أكبر عدد من اللاجئين السوريين، وهناك أكبر نسبة من الأطفال السوريين العاملين في الشوارع”.
ونتيجة لهذا، هناك جيل كامل من الأطفال السوريين ممن لا يذهبون للمدارس “وأحد مظاهر قلقنا أن الأطفال الذين يعملون يخسرون فرصة الذهاب للمدرسة”.
وتتنوع المجالات التي يعمل فيها الأطفال فمنهم من يعمل في المزارع، الحقول والمصانع، حيث يحصلون على أجور زهيدة. ومع تزايد مصاعب الاقتصاد اللبناني وزيادة نسبة أعداد العمالة اليدوية فقد أجبر الكثير من الأطفال على احتراف مهنة التسول حيث يتجولون في شوارع العاصمة على أمل جمع ما يكفي لطعام اليوم.
ولم يحترف هؤلاء الأطفال التسول في حياتهم أبدا، فقد كان يعيش خالد قبل الحرب في بيت كبير وسط محافظة إدلب مع أخته ووالديه، وكان يقضي وقته في المدرسة ويلعب من أقرانه. ويقول خالد: “لم أكن أحب المدرسة، لكنني أحببت زملائي حيث كنا نلعب على الكمبيوتر أو كرة القدم”.
وأُجبرت العائلة على الهرب إلى مدينة طرابلس شمال لبنان عندما هاجم المقاتلون المنطقة القريبة من بيتهم. ولم يستطع والده الحصول على عمل، أما والدته المصابة بمرض السكري فبقيت في البيت للعناية بشقيق خالد المولود حديثا.
في الشهر الماضي عانت العائلة من مأساة حيث أطلق قناص النار على والده عندما ذهب إلى سوريا كي يحضر بعض الطعام “ذهب إلى سوريا لأننا كنا جائعين”.
وبسبب الحاجة الماسة، يركب خالد الحافلة يوميا من طرابلس إلى بيروت، حيث يعمل نهارا وليلا ويحصل على 20.000 ليرة لبنانية: “أعطي كل ما أجمعه لأمي، في مرة لم أجمع شيئا، لم تضربني ولكنها اقترضت مالا حتى أستطيع السفر إلى بيروت”.
ويقول خالد إنه يتسول لأنها أحسن من بيع العلكة: “حاولت أن أشتغل ملمع أحذية لكنني لم أحبها، تُتعب نفسك من أجل لا شيء، وتحصل على 250 ليرة لبنانية”، وحتى مع التسول فأكثر مرة حصل فيها على مبلغ كبير كانت عندما أعطاه أحدهم مبلغ 5 دولارات مرة واحدة.
وتقول الكاتبة إن خالد لا يختلف عن أي ولد في جيله، لكن ما يميزه هو أن كل السعادة والبهجة نزعت منه وحل محله حزن عميق. وليس لخالد سوى رفيق واحد اسمه أيضا خالد، وهو لاجئ سوري يعمل ملمع أحذية، وينام في نفس المكان تحت محطة الحافلات على قطع الكرتون.
ويقول خالد إن هناك 10 أولاد ينامون في المكان نفسه، بعضهم يلمع الأحذية أو يبيع العلكة أو الورود أو يتسول. وتقول المراسلة إن منظر الأولاد الذين يبيعون ويتسولون لا تخطئه العين، حيث يقفون لساعات تحت الشمس الحارة ويتوزعون على التقاطعات أو خلف الحافلات والمقاهي.
وفي بعض الحالات تعتقلهم الشرطة وترميهم في السجن ثم تسلمهم لمركز “بيت الأمل”، حيث ارتفع عدد نزلائه من الأطفال السوريين، كما يقول ماهر طبراني مدير المركز، وأضاف أن أسرة المركز لم تعد تستوعب القادمين الجدد. ويقدم المركز العناية للأطفال ويوفر لهم فرصة للدراسة.
ويعاني كل الأطفال من المشاكل النفسية. ويقول طبراني: “انس ما يجري في سوريا، ففي لبنان يضرب الأطفال (السوريون) ويباعون للعمل في الدعارة ويجبرون على بيع المخدرات، ويقوم بعض الآباء بتأجير أبنائهم الصغار للمتسولين الكبار الذين يعرفون أنهم سيجمعون مالا أكثر إذا كانوا يحملون أطفالا”.
ويقول إن ثلثي الأطفال ممن أحضروا للمركز تعرضوا للانتهاكات الجنسية وتم بيعهم لممارسة الجنس “بدولار أو دولارين”. وفي أحيان أخرى يوافق آباء على اغتصاب أبنائهم مقابل بعض المال. ولأن المحاكم اللبنانية ليست مهيأة للتعامل مع هذه الحالات، فتأتي العائلات إلى المركز وتتسلم أبناءها وفي اليوم التالي يعودون إلى الشوارع.
وقال نوح جورج، الذي يعمل في مركز “بيت الأمل”: “أنت لا تعرف من أجل ماذا تعمل، تحاول مساعدة الطفل، وعندما يتحسن مردوده يعود إلى الشارع”.
محمد البالغ من العمر 10 سنوات هو واحد من هؤلاء الأطفال، يعمل في جزء من الكورنيش مع ابن عمه عيسى، الذي هو في التاسعة من عمره، يبيعان الورود والعلكة للمارة المتجولين على شاطئ البحر.
وصل مع والديه إلى لبنان قبل شهر واحد بعد فرارهم من مخيم اليرموك بدمشق: “غادرنا عندما دمر بيتنا في سوريا جراء القصف والرصاص والقناصة”، كما قال محمد. وأضاف: “طلبت مني أمي أن آتي إلى هنا لأبيع الورود، وعليَ أن أبيع 10 يوميا”.
اقتادوه مرة إلى مركز “بيت الأمل”، وطلبوا منه بشكل واضح أن يحذر من العودة مرة أخرى لمثل هذا العمل.
“أمي ستقتلني”، بهذا أجاب الطفل محمد عندما طلبت منه مراسلة صحيفة “صنداي تلغراف” لقاء عائلته. وأضاف: “لا يُسمح لي بإظهار المكان الذي نعيش فيه لأي شخص كان”.
بعد بيع آخر وردة بحوزته، مع الغسق، ركض في الشارع وركب الحافلة متوجها إلى مكان سكناه.