كان المرشح في مسجد في جنوب بغداد يوزع مصاحف وكتباً دينية وهدايا عينية على الحاضرين الذين وعدهم بتحقيق رخاء سريع حال انتخابه وكتلته، وبعد ساعة واحدة كان يوزع قناني “بيرة” في نادي الصيد الترفيهي في بغداد موجهاً خطبة للحضور الذين غلب أغلبهم السكر قبل أن يبدأ الحديث.
هكذا هو حال معظم الحملات الانتخابية للمرشحين في العراق، والمثال يوضح مدى استغلال قسم من المرشحين للناخبين بأبشع الطرق وأسخفها وخداعهم، باستغلال الدين تارة، وباستغلال الأهواء والغرائز تارة أخرى، ولا شك أن هذا المتبع في معظم الدول العربية.
يقول مهدي علي نائب رئيس منظمة “رصد” الانتخابية إنهم رصدوا 780 خرقاً انتخابياً في العراق حتى الآن، أغلبها حول استغلال فقر الناس وعاطفتهم الدينية بتوزيع الهدايا أو إطلاق الشعارات الطائفية. وضرب المراقب الانتخابي مثالاً بأحد المرشحين، الذي خطب في جمهوره وصرح بأن الإمام الحسين زاره في المنام وطلب منه مساندة رئيس الوزراء في حرب الأنبار، أو توزيع آخر لأجهزة الجوال وآخر لكيس فواكه كتب عليه اسمه ورقم قائمته الانتخابية وتسلسله في القائمة، مضيفاً “تلك خروقات كبيرة وبمثابة استغلال المواطن البسيط لا يمكن السكوت عنها وطالبنا المفوضية المستقلة للانتخابات بمعاقبة مرتكبيها”. قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات البرلمانية، التي يصفها المحللون السياسيون بأنها أشد المعارك السياسية بالعراق منذ عقود طويلة، يجد عدد من المسؤولين الحكوميين والنواب الحاليين في مكاتب العرافيين والسحرة وخبراء الأحجار الكريمة ملاذا لهم لمعرفة طالعهم.
ويقول العقيد فتاح خيري الصالحي العامل في الشرطة العراقية ببلدة الكاظمية شمالي بغداد نخشى هجمات إرهابية تطال تلك المكاتب حيث المسؤولون وزوجاتهم صاروا ضيوفاً دائمين لديهم، يفِدون بالهدايا والملايين ويخرجون بعد ساعات ضاحكين مبتسمين، ونضطر إلى تأمين المنطقة بعد دخول المواكب إليها والتي نشرف على ملفها الأمني.
وتعتبر بلدة الكاظمية في بغداد واحدة من أكثر مدن العراق والمنطقة العربية من حيث تواجد مكاتب عرافين وسحرة وما يعرفون بأصحاب المرايا الذين يرون المستقبل، وهم من جنسيات عراقية وإيرانية وهندية وباكستانية ومن المغرب العربي.
وعن ذلك يقول أحد المرشحين “ثلاثة منافسين لي في الانتخابات أقاموا حفلات مسبقة بعدما ابلغهم “السيد” فوزهم فيها”، وتطلق عبارة “السيد” في العراق على من يمارسون الأعمال الغيبية.
ويضيف المرشح الذي طلب عدم ذكر اسمه: “لا أدري إن كانت الانتخابات ستفرز مثل تلك الشخصيات التي تؤمن بالخزعبلات، علينا أن نصلي على بلدنا صلاة الميت ونكبّر فوق قبره ثلاثاً”، مبيّناً أن تلك الحالة لم تعد خافية على أحد، فحتى أرفع مسؤولي الدولة باتوا يتعاملون معهم، ومنهم من يرسل إلى السيد للحضور إلى مكتبه، وهناك من يذهبون ليلاً أو صباحاً مبكّرين حتى لا يراهم أحد.
ويتنافس 9753 مرشحاً من المحافظات العراقية في الانتخابات النيابية المقبلة، لشغل 328 مقعداً تمثل مقاعد مجلس النواب العراقي، فيما يبلغ عدد المصوتين للانتخابات 21 مليوناً و400 ألف مواطن عراقي يحق لهم الانتخاب، وهو ما يجعل السباق صعباً للغاية أمام المرشحين الذين سيكون في النهاية 9421 منهم خارج السباق بعيداً عن الانتخابات.
وينوّع المرشحون حملاتهم الانتخابية وشعاراتهم وفقاً للمنطقة الموجودين فيها، حيث يرفع مرشحون شعار “العلمانية هي الحل” في مناطق بغداد الراقية كالمنصور والكرادة والحارثية، بينما يرفعون هم أنفسهم شعارات تمجد المرجعية وتتعهد الالتزام بالدين وقواعد المذهب في المناطق الشعبية والفقيرة.
وحول ذلك يعترف المرشح للانتخابات جلال أحمد بأن مخاطبة الناس تكون على قدر تعليمهم وقناعتهم، “ولا يمكننا إلا أن نفعل ذلك، حيث لا مجال لإقناعهم بما نملك من برامج نسعى إلى تنفيذها بعد فوزنا، وهذا ليس عيباً أو مخالفاً للقانون لكن العيب أن نضحك عليهم ولا ننفذ مطالبهم أو مطالبنا نحن كأعضاء ننتمي إلى أحزاب”.
ويقول الأستاذ في قسم الاجتماع العراقي الدكتور حسن العبود، إن غالبية من يذهبون إلى العرافين أو السحرة هم ممن يحاولون البحث عن أي وسيلة لتطمين أنفسهم إلى أنهم لن يخسروا مناصبهم أو امتيازاتهم ووجدوا في هذا العالم الغيبي ضالتهم، مبيناً أن تلك الظاهرة تدل على مدى سخونة الانتخابات التي ستنعكس على الشارع أمنياً خلال الأيام القليلة المتبقية.
وتصف المواطنة فاطمة خالد (45 عاماً) المقيمة في بغداد أساليب وطرق المرشحين لنيل المقعد الانتخابي بأنها “مجنونة”، وتضيف ان تلك المكاتب كانت إلى وقت قريب مكاناً لمراجعة العاشقين ولكشف السرقات أو استخراج الجن، لكنها اليوم باتت مكتظة بالسياسيين الذين وجد فيهم السحرة صيداً ثميناً لسلب أموالهم بأسلوب لطيف.