رصد تقرير لمؤسسة “كارنيجي” للسلام الدولي، تزايد العنف في مصر خلال الأشهر الثماني الماضية بشكل أكثر حدة عما كان عليه الوضع إبان حكم الرئيس محمد مرسي الذي أطاح به الجيش من السلطة في يوليو الماضي عقب احتجاجات شعبية واسعة.
وقال إنه في الأشهر الثمانية التي أعقبت عزل الجيش الرئيس السابق محمد مرسي، عانى المصريون من أشد التجاوزات في تاريخهم الحديث في مجال حقوق الإنسان والإرهاب، وقد تم حجب حجم وأبعاد هذه القصة عن الأنظار إلى حد كبير نظرًا إلى عدم توفر بيانات دقيقة.
غير أن التقديرات تشير إلى أنه تم قتل أكثر من 2500 من المصريين، وإصابة أكثر من 17 ألفًا، واعتقال أكثر من 16 ألفًا في المظاهرات والاشتباكات التي جرت منذ 3 يوليو. وقتل مئات آخرون من المصريين في هجمات إرهابية.
وأوضح سكوت وليامسون، زميل برنامج الشرق الأوسط في مؤسّسة “كارنيجي”، أن هذه الأرقام تتجاوز تلك التي ظهرت حتى في أحلك الفترات التي مرّت على مصر منذ ثورة العام 1952 التي قادها الجيش وجاءت بجمال عبد الناصر إلى السلطة. وهي تعكس استخداماً للعنف على نحو غير مسبوق في التاريخ السياسي الحديث لمصر.
واعتبر أن الحكم الذي أصدر أحد القضاة المصريين يوم 24 مارس بإعدام 529 من أنصار جماعة الإخوان المسلمين (147 منهم معتقلون والباقون هاربون) بتهمة قتل ضابط في الشرطة هو أكبر حكم بالإعدام في مصر الحديثة، وعلى الرغم من أنه لا يزال من الممكن الطعن على الأحكام، فإنها تقدّم مثالاً صارخًا على عمق الصراع السياسي الذي دخلت فيه مصر.
وتابع: “على الرغم من تصريحات المسؤولين المصريين بأن التدابير التي يتّخذونها ضرورية لتحقيق الاستقرار في البلاد، فإن العكس هو الصحيح، فقد أصبحت مصر أكثر عنفًا وعدم استقرار مما كانت عليه قبل يوليو 2013 أو مما كانت على مدى عقود طويلة، حيث يثير القمع الذي تمارسه الحكومة دورة متصاعدة من العنف السياسي. وليس ثمّة ما يشير إلى الآن إلى أن الأوضاع ستهدأ قريبًا”.
ورصد التقرير استنادًا إلى مبادرة “ويكي ثورة”، إحصائية بأعداد القتلى منذ الإطاحة بمرسي في يوليو2013، التي قدرها بـ 3143 شخصًا قتلوا في أعمال عنف سياسي مختلفة بين 3 يوليو 2013، و31 يناير 2014.
ومن بين تلك الوفيات، قتل 2528 مدنيًا على الأقل في أحداث سياسية مثل الاحتجاجات والاشتباكات، وقتل 60 من أفراد الشرطة والجنود على الأقلّ أيضًا في تلك الحوادث، فيما أصيب أكثر من 17 ألف مصري بجروح في أكثر من 1100 مظاهرة واشتباك بين 3 يوليو و28 فبراير.
بينما تم اعتقال مايقدَّر بـ 18977 مصريًا لأسباب تتعلّق بالاضطرابات السياسية في البلاد بين 3 يوليو و31 ديسمبر، بمن فيهم 16387 اعتقلوا خلال الأحداث السياسية و2590 آخرين اعتقلوا باعتبارهم قادة سياسيين، هم في الأساس من جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية الأخرى.
وقال التقرير إن هذه الأرقام تتماشى إلى حدّ كبير مع تلك التي ذكرتها مصادر في الحكومة، وقد تم إطلاق سراح ما لايزيد عن ربع إلى ثلث هؤلاء السجناء، وفقًا لمحامين في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
أما ضحايا الإرهاب، فيقدر أن 281 مصريًا لقوا مصرعهم في هجمات إرهابية في الفترة بين 3 يوليو و31 يناير، بمن فيهم 224 من ضباط الشرطة والجنود و57 مدنيًا. تم الإبلاغ عن أكثر من 180 حادثة إرهابية حتى 28 فبراير.
وخلص التقرير إلى أن الحملة القاسية التي شنّها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على جماعة الإخوان المسلمين شكلت أسوأ فترة من القمع في تاريخ مصر الحديث، لكن يبدو أن الأحداث الأخيرة قد تجاوزتها أيضًا.
إذ أنه “وعلى غرار عبد الناصر، اعتمدت حكومة ما بعد مرسي على الاعتقالات إلى حدّ كبير بهدف سحق المعارضة، فقد تم اعتقال ما يصل إلى 3 آلاف مصري بعد وقت قصير من إطاحة مرسي في 3 يوليو، وبحلول نهاية العام 2013، تجاوز مجموع المعتقلين وفق تقديرات “ويكي ثورة” 18 ألفًا، بمن في ذلك قادة الإخوان والآلاف من المصريين الذين ألقي القبض عليهم في الاحتجاجات والمظاهرات”.
ويقال إن السجون تغصّ بالسجناء، وتنتشر المزاعم عن حصول عمليات تعذيب على نطاق واسع. لم تقتصر الحملة على الإسلاميين، حيث تم أيضاً زجُّ ثوار بارزين من ثورة 25 يناير في السجون، فيما تجرى حاليًا محاكمة قادة جماعة الإخوان، بمن فيهم مرسي، بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وتابع: “في كلتا الحالتين، فإن الاستخدام المستمر للقوة ضد احتجاجات الإخوان أمر غير مسبوق في تاريخ مصر في فترة ما بعد العام 1952، حيث أسفر عن مقتل أكثر من 2500 من المتظاهرين بين يوليو 2013 ويناير 2014. وفقًا لـ “ويكي ثورة”، فقد قتل 982 مصريًا أثناء فض اعتصام رابعة العدوية يوم 14 أغسطس وحده، وهو الحدث الذي وصفته منظمة “هيومن رايتس ووتش” أخطر حادث قتل جماعي غير مشروع في التاريخ المصري الحديث”.
لم يقتصر الأمر على اعتصام رابعة، فمنذ يوليو وقع ما لا يقلّ عن 36 حادثة قتل فيها عشرة أو أكثر من المصريين في الاحتجاجات السياسية والاشتباكات، وفق التقرير.