كتب مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في الرياض، “روبرت وورث” تقرير مثيرا عن “تحولات” الشيخ سلمان العودة، أحد أبرز العلماء المؤثرين في السعودية.
قال فيه إنه عندما يصنع العلماء في هذا البلد المحافظ الحدث، فإن هذا غالبا ما يكون لأسباب محرجة: إطلاق الفتاوى ضد المسلسلات، على سبيل المثال، أو تنصب “ميكي ماوس” ليكون “جنديا من جنود الشيطان”.
ومع ذلك، فإنه في الآونة الأخيرة، صنع واحد من الشخصيات الإسلامية المعروفة في المملكة، سلمان العودة، نوعا مختلفا جدا من المتاعب.
يقول الكاتب إن الشيخ العودة كان أقرب إلى لحظة التحول خلال الانتفاضات العربية في العا 2011، فمنذ ذلك الحين أصبح المروج المتحمس للديمقراطية والتسامح المدني. ولديه أكثر من 4.5 مليون متابعين على تويتر وعدة ملايين على حسابه في اليوتيوب، مما جعله شوكة كبيرة في خاصرة النظام الملكي السعودي، وفقا لما جاء في تقرير المراسل.
ويقول الكاتب إنه (الشيخ العودة) يمكن أن يكون صريحا بشكل خطير، على الأقل وفقا للمعايير السعودية، حيث أبدت الحكومة استياءها الواضح منه، بمنعه من وسائل الإعلام المطبوعة والتلفزيون والسفر إلى الخارج.
“تحارب الحكومات الخليجية الديمقراطية في العالم العربي، لأنهم يخشون من أن تأتي إلى هنا”، كما صرح الشيخ العودة، الذي يبلغ من العمر 57 عاما، خلال مقابلته لمراسل الصحيفة.
“انظروا لما فعلوه في مصر: إرسال مليارات الدولارات مباشرة بعد انقلاب الصيف الماضي. هذا مشروع الخليج وليس مشروعا مصريا. الحكومة السعودية تخسر أصدقاءها. وإذا ما استمرت على هذا الطريق، فسوف تخسر شعبها وتجلب الكارثة”.
ويضيف في مقابلته مع مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في الرياض: “هذا عصر المفاجآت أكثر من أي وقت آخر في حياتي”، وأوضح قائلا: “يمكن أن نتوقع أي شيء تقريبا خلال السنوات القادمة”.
ويقول التقرير إن العديد من المحللين يتفقون مع هذا التحذير، ويرون في الشيخ العودة -الذي تصدر ساحة النشاط الإصلاحي في المملكة قبل 20 عاما- شخصية شعبية. نداؤه الواسع، في بلد محافظ، حيث معظم أهل العلم إمعة تدفع لهم الحكومة الأجر، يشير إلى أن السخط يتزايد ببطء تجاه الحكم الاستبدادي، كما يقول المحللون.
السيد العودة، يقول التقرير، وحده من بين رجال العلم السعوديين، رحب علنا بالانتفاضات العربية في العام 2011، وقد نشر كتابا بعنوان “أسئلة الثورة”، حُظر توزيعه هنا، ولكن نُشر على نطاق واسع على شبكة الإنترنت، واستند الكتاب لنصوص من التاريخ الإسلامي للوصول إلى بعض الاستنتاجات غير التقليدية: أن الديمقراطية هي الشكل الشرعي الوحيد للحكومة؛ أن الإسلام لا يسمح بالثيوقراطية؛ مطلوب الفصل بين السلطات؛ أن أسوأ الاستبداد أن يمارس باسم الدين.
هذه المبادئ، يقول كاتب التقرير، قد تبدو مألوفة للأذن الغربية، ولكن بالنسبة للعلماء الذين كرسوا حياتهم لإضفاء الشرعية على الملكية المطلقة، فهي غير عادية وتمثل قطيعة جذرية مع الماضي.
وقد أُلف الكتاب بأسلوب سلس وانطلاقا من توقعات عالمية نسبيا، نقلا عن الفقه الإسلامي جنبا إلى جنب مع شخصيات غربية مثل مكيافيلي وروسو.
والعديد من الليبراليين العرب، وفقا للكاتب، لا زالوا ينظرون إلى الشيخ العودة بعين الريبة الشديدة. في جزء منه، لأن هذا غير محسوب، ولأنهم يخشون من أنه، وأي إسلامي آخر يروج للديمقراطية، يستخدم هذا مجرد جسر للوصول إلى السلطة، ثم إن تاريخ الشيخ العودة، كما يقولون، يعطيهم سببا لمزيد من انعدام الثقة.
غير أن كثيرين آخرين يرتاحون ويصدقون السيد العودة مع التطور الحقيقي لشخصيته. نشأ وترعرع في بريدة، قلب الصحراء المحافظ بشدة في المملكة، وتلقى تعليمه في وسط المتزمت والكراهية للأجانب. بدأت وجهات نظره في التحول أثناء سجنه، عندما سمح له وقته بمزيد قراءة بشكل أكثر اتساعا، وفقا لمذكراته التي نشرها من سنوات. كما يظهر أن هجمات تنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية بين عامي 2003 و2005 دفعه أيضا نحو اتخاذ مواقف مرنة.
وعندما سأله المراسل عن آرائه المتغيرة، قلل الشيخ العودة من الأمر، واكتفى بالقول إنه “يرى الأمور أكثر وضوحا” الآن عما كان عليه عندما كان أصغر سنا. ولكن ما من شك، يقول المراسل، إنه مقتنع أكثر من أي وقت مضى بالحاجة للمشاركة الشعبية في الحكم، وعلى استعداد -مرة أخرى- لخطر إثارة غضب العائلة المالكة، وفقا للتقرير.
ويكشف علنا إعجابه بالميول الديمقراطية لجماعة الإخوان المسلمين، والتي ترى فيها العائلة المالكة السعودية لعنة عليها (حيث أعلنت الحكومة رسميا جماعة الإخوان منظمة إرهابية الشهر الماضي). وبالنسبة للحرب في سوريا –قضية قلقة هنا-، يستعيذ السيد العودة من دور حكومته.
“الموقف السعودي في سوريا؟”، يتساءل السيد عودة، بقدر من السخرية: “دعونا نرى: تكره الحكومة السعودية بشار الأسد؛ تكره تنظيم القاعدة؛ تكره بعض الجماعات السلفية؛ تكره الأكراد وتكره الجماعات المتحالفة مع قطر وتركيا. فماذا تحب؟”.