لم تكن الشخصية الرئيسية في العلاقات الأمريكية السعودية حاضرة عندما التقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع العاهل السعودي الملك عبدالله يوم الجمعة 28 آذار/مارس، ولكن روحه كانت مهيمنة بلا شك على الاجتماع. فالأمير بندر بن سلطان – ابن شقيق العاهل السعودي، ورئيس المخابرات السعودية، والسفير السابق في واشنطن الذي شغل منصبه لفترة طويلة – ربما لا يزال في المغرب، حيث كان يتعافى من عملية جراحية في كتفه. ولكن على الرغم من الشائعات على العكس من ذلك، لا يزال الأمير بندر اللاعب الرئيسي في العلاقات الأمريكية السعودية.
وقد فسر مسؤولون أمريكيون اختفاء بندر منذ شهرين مضيا على أنه تهميش لشخصية متلاشية ومتقلبة تتبنى وجهات نظر – حول إيران والحرب الأهلية في سوريا – لا تتفق بشكل كبير مع وجهة النظر الأمريكية. والواقع هو أن بندر لا يزال الشخصية الرئيسية المسؤولة عن السياسة السعودية في سوريا، حتى في الوقت الذي ينسق فيه ابن عمه، وزير الداخلية محمد بن نايف [خطوات بلاده] مع الولايات المتحدة. ومن وجهة نظر الرياض، إذا ما أثار الرجل – الذي كان يطلق عليه يوماً ما اسم “بندر بوش” لقربه من دوائر القوى في الحزب الجمهوري – سخطاً لدى إدارة أوباما، فإن هذا أمر مؤسف جداً.
وتكمن قوة بندر في قدرته المستمرة على تمكين رؤية الملك عبدالله فيما يتعلق بقضايا المملكة والشرق الأوسط. فالعاهل السعودي يرغب في الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وكبح جماح «حزب الله» التابع لإيران وقطع “رأس الأفعى” – وهي إيران بحسب رؤية الملك. ورغم أن بندر يتعامل مع التفاصيل، إلا أن الملك هو وحده الذي يحدد النطاق العام للسياسة السعودية وربما يكون في ذلك أكثر تشدداً من رئيس استخباراته. ويصف بندر نفسه بأنه “معتدل” مقارنة بالملك.
لقد أثبتت الاجتماعات السابقة بين أوباما والملك عبدالله أنها عبارة عن حقل ألغام سياسي ودبلوماسي. فاجتماعهما الأول في نيسان/أبريل 2009، أظهر مقطع فيديو شهير لأوباما وهو يحني رأسه أمام الملك، وكانت تلك فرصة انتهزها نقاده للتدليل على أن الرئيس أوباما كان مفرطاً في إذعانه للملك. وبعد ذلك بشهرين، توقف أوباما في الرياض قبل إلقاء خطابه الشهير في القاهرة الذي تعهد فيه بـ “بداية جديدة” للعلاقات الأمريكية مع العالمين الإسلامي والعربي بعد قيام الولايات المتحدة بغزو أفغانستان والعراق في عهد بوش. وفي ذلك الاجتماع، طلب أوباما من الملك عبدالله السماح لطائرات الركاب الإسرائيلية التي تتوجه لآسيا بالتحليق فوق أراضي المملكة في إشارة رمزية تهدف إلى دفع عملية السلام في الشرق الأوسط. وفي ضوء انزعاجه من مفاجأته بهذا الطلب دون إعداد مناسب – وهو أحد الدلائل المبكرة على سذاجة فريق أوباما – أجابه الملك إجابة مقتضبة بـ “لا”.
كما أدت محاولة إدارة أوباما التقارب مع إيران إلى مزيد من المشاكل مع الرياض. وكان الملك عبد الله منزعجاً بشأن نصوص الاتفاق النووي المؤقت الموقع مع طهران كما أنه أخبر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري هذا الأمر في اجتماع ساخن عقد بين الاثنين في تشرين الثاني/نوفمبر. وقد أشار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد اللقاء مباشرة أن “علاقة الصداقة الحقيقية تقوم على أساس الإخلاص والصدق والصراحة.” وهذه رسالة دبلوماسية تفيد بوجود صراع صاخب بين الطرفين. ويبدو أن الملك عبدالله قد حرص على الانخراط في “حديث صريح” وكان على كيري الإصغاء إليه لمدة ساعتين.
لقد كانت لدى الطرفين قائمة طويلة من القضايا المؤثرة في هذه الجولة من المحادثات. فالرياض قلقة من الملف النووي الإيراني، والانتفاضة السورية، والتآمر الإيراني في البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية الغنية بالنفط، فضلاً عن اهتمامها بدعم النظام المصري المدعوم من الجيش. بيد، لدى واشنطن وجهة نظر مختلفة حول كل من هذه المواضيع كما أنها رغبت في إضافة بعض القضايا الأخرى إلى أجندتها – وأبرزها عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية وحقوق المرأة في المملكة.
وترغب إدارة أوباما في استمرار المملكة العربية السعودية في تقديم الدعم وممارسة الضغط معاً على الرئيس الفلسطيني محمود عباس فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من فتور المملكة تجاه إسرائيل، إلا أن “مبادرة السلام العربية” التي طرحتها السعودية عام 2002 تدعم بوضوح حل الدولتين – ويريد البيت الأبيض التأكد من أنه يحوّل تلك الأقوال إلى أفعال. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تساعد الإصلاحات السياسية الداخلية في توضيح عدم معارضة المملكة لزوال الأنظمة الاستبدادية المتزمتة في الشرق الأوسط – رغم أن هذا ربما يكون أمراً ميؤوساً منه. كما أن استمرار الحظر السعودي على السماح للمرأة بقيادة السيارة قد جعل العديد من الأمريكيين يشككون في علاقة بلدهم الوثيقة مع المملكة – وفي هذا الصدد كانت ناشطات سعوديات قد خططن اختراق هذا القانون مرة أخرى يوم السبت التاسع والعشرين من آذار/مارس من خلال انخراطهن في “يوم آخر للقيادة”.
إن بندر شخصية مهمة جداً بالنسبة للسياسة السعودية على وجه التحديد لأن الملك لا يؤمن بأن واشنطن ستفي بوعودها بشأن القضايا التي تمثل أهمية قصوى للرياض. وتشعر المملكة العربية السعودية بقلق بالغ من ضعف الولايات المتحدة المتصور – سواء في ظهورها كخاسر أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قضية شبه جزيرة القرم أو وقوفها مكتوفة الأيدي في الوقت الذي تسير فيه الدفة مرة أخرى لصالح نظام الأسد في الحرب الأهلية الدائرة في بلاده. وإذا كانت واشنطن غائبة عن المشهد، فإن المملكة ترغب في الحفاظ على رَجُلها القوي لحماية مصالحها الإقليمية.
ويرى الملك عبدالله أن إيران هي السبب الرئيسي في جميع المشاكل في الشرق الأوسط – ويرغب في تحجيم دور منافسته الإقليمية حتى لا تصبح قوة شبه مهيمنة في الخليج العربي فضلاً عن أن دعمها للأسد يؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء. وإلى جانب إطلاقه تصريحات قوية، باستطاعة العاهل السعودي أيضاً استخدام آلية التهديد: حيث يمكنه دائماً التوجه إلى إسلام أباد للحصول على بعض الأسلحة النووية لتعزيز شعور المملكة بالأمن. ويتعارض هذا الخيار بشكل مباشر مع قضية أساسية من القضايا الخارجية المفترضة التي يتبناها أوباما – ألا وهي عدم الانتشار النووي – ولكن لا يوجد أمام واشنطن الكثير مما تستطيع القيام به سوى قولها إنها ستكون مستاءة بشدة من هذا الأمر.
وتستطيع السعودية أيضاً الضغط على واشنطن من خلال زيادة دعمها للميليشيات الإسلامية المسلحة في سوريا التي أثبتت أنها أكثر فاعلية من قوات الثوار المعتدلة. وقد أشار بندر إلى هؤلاء المقاتلين الأشرار بأنهم “سفاحين وقتلة وأبناء ملاعين”. وقد حظرت المملكة العربية السعودية مؤخراً على مواطنيها الذهاب للقتال في سوريا لذا فإن هؤلاء “أبناء الملاعين” ربما قد يأتون من أماكن أخرى. هذا وتشعر إدارة أوباما بقلق عميق إزاء حقيقة أن ما يزيد عن 1000 من هؤلاء المقاتلين يحملون جوازات سفر أمريكية أو أوروبية ومن الممكن أن يعودوا إلى أوطانهم في يوم ما – متقدين بالحماسة الإسلامية والتدريب ومتلهفين إلى نقل جهادهم إلى الغرب.
هذه قضايا كثيرة توجب ضغطها في الاجتماع الذي لم يتجاوز الساعتين على الأكثر. ويجدر بالذكر أن الملك عبدالله سيبلغ الواحدة والتسعين من عمره هذا العام، ويشعر بالتعب بسهولة هذه الأيام، كما هو ثقيل وزناً ولا يمكنه الوقوف على رجليه دون أداة تساعده على السير. وبعد وصول التقارير عن المباحثات، سيكون من المثير للاهتمام معرفة مَن الذي كان أيضاً في غرفة الاجتماعات، باستثناءالسفير السعودي في واشنطن، عادل الجبير، الذي هو المترجم المفضل للعاهل السعودي باللغة الإنجليزية. وربما كان التفاعل – أو انعدامه – المؤشر الأكثر تبياناً بين أوباما وولي العهد الأمير سلمان، الأخ غير الشقيق للملك الذي يبلغ من العمر 77 عاماً. والأمير سلمان الذي هو التالي لتولي العرش قد عاد لتوه من سلسلة محمومة من الزيارات الرسمية إلى باكستان، واليابان، والهند، وجزر المالديف، والصين، ويشاع بأنه أقل إقناعاً من الملك عبدالله. وبالفعل، صدر مرسوم ملكي في 27 آذار/مارس بتسمية أخيه الأصغر غير الشقيق، الأمير مقرن، لمنصب جديد هو “ولياً لولي العهد”، وربما يعني ذلك تهميش الأمير سلمان.
ومع ذلك، فكون الأمير سلمان الملك المنتظر للمملكة العربية السعودية لا يعني أنه سيكون القائد المستقبلي. ويبدو أن البيت الأبيض حساساً تجاه هذه المسألة – لذا كان من المفيد تتبع مَنْ الذي جلس مع أوباما أثناء المناقشات. وأياً كان ذلك الشخص فإنه لم يكن بندر – ليس بوصفه متحدثاً مع الرئيس الأمريكي ولا كزعيم لبلاده. ولكن في ضوء كون بندر هو الشخص الذي يتم تسليط الأضواء عليه حالياً، ستكون هناك حاجة لجيل جديد من الملوك يتولى قيادة دفة المملكة في السنوات المضطربة المقبلة.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.