“إنها الحرب”، هكذا علق مسؤول سعودي سابق له علاقات بأعضاء في العائلة المالكة على تكفل المملكة لمحاربة جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، كما نقلت عنه صحيفة “نيويورك تايمز، في تقرير لها نشرته أمس، وأضاف: “إنهم يرون في الإخوان تهديدا وجوديا، وهناك بعض الناس (داخل العائلة) يعتقدون أنه من الممكن للقضاء على الإخوان في جميع أنحاء المنطقة (العربية)”.
وكشف التقرير أنه في اجتماع خاص لقادة الأجهزة الأمنية العربية في فندق فور سيزونز بمراكش، المغرب، قبل أسبوعين، طلب وزير الداخلية السعودي من كل دولة عربية حظر جماعة الإخوان المسلمين، وفقا لمسؤولين من عدة بلدان على اطلاع بما دار في الاجتماع.
وفي الوقت نفسه ومع اندفاع المملكة في حربها غير المسبوقة على جماعة الإخوان، خارج حدودها، يجري التحضير داخليا، وبتسارع ملفت، لترتيب أوضاع القصر بعد الملك عبدالله لصالح ابنه الأمير متعب، بتدبير من رئيس الديوان الملكي خالد التويجري، بالنظر إلى تدهور صحة الملك وضعف القدرات العقلية لولي عهده.
وهذا ما أشار إليه الأمير خالد بن طلال، الذي غرّد عبر “تويتر” في وقت سابق أمس: “قبل زيارة أوباما… يقوم المرشد الأعلى للديوان… باتصالات مكثفة داخل وخارج السعودية…! ويتنقل ما بين دول عربية وأوروبية…! لتوثيق موافقات على أمر… ما… يراد له أن يكون…!! من أجل تثبيت ما يضمن به ومن معه…! مصالحهم الشخصية ومستقبلهم السياسي…! … والتفاصيل المخزية لاحقاً إن شاء الله”.
ففي خطوة مفاجئة في توقيتها، وإن كانت متوقعة في سياق التنافس المحموم بين أقطاب الجناحين المتصارعين، عشية زيارة باراك أوباما للرياض، استُحدث منصب جديد أدخل تعديلات في البنية القيادية السعودية، حيث أعلن الديوان الملكي السعودي “مبايعة الأمير مقرن ولياً لولي العهد أو ملكاً في حال خلوّ منصبي الملك ووليّ العهد في وقت واحد”. وإن كان البعض يربط القرار بصحة الملك المتدهورة أكثر من أي اعتبار آخر.
وشدد الديوان الملكي، في بيان، على أن هذا القرار “لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان، أو تسبيب، أو تأويل، لما جاء في الوثيقة الموقعة منا ومن أخينا سموّ وليّ العهد رقم 19155 وتاريخ 19/5/1435 هـ وما جاء في محضر هيئة البيعة رقم 1/هـ ب وتاريخ 26/5/1435 هـ المؤيد لاختيارنا واختيار سموّ وليّ العهد لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز بأغلبية كبيرة تجاوزت ثلاثة أرباع عدد أعضاء هيئة البيعة”.
والأمير مقرن، هو أصغر أبناء الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة السعودية، ولد سنة 1945، وتولى عدّة مناصب؛ منها إمارة منطقة حائل في الفترة ما بين 1980 ــ 1999، ثمّ عيّن أميراً لمنطقة المدينة المنورة، وفي تشرين الأول 2005 عيّن رئيساً للاستخبارات العامة حتى تموز 2012، عندما تولى بندر بن سلطان المنصب، فيما عيّن الملك عبد الله أخاه غير الشقيق، والمقرّب منه، مقرن مستشاراً له ومبعوثاً خاصاً. وفي فبراير من العام 2013، عيّن الملك مقرن نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ما يجعله مرشحاً ثابتاً في خط وراثة العرش.
ولا يُعرف شيء عن حقيقة هذه الموافقة، فضلا عن الأغلبية، وهو ما شككت فيه مصادر متابعة، بالنظر إلى أن الخطوة كانت مفاجئة ولم تُطبخ على نار هادئة ولا مرَت بسلسلة مشاورات موسعة. وإن رأى البعض أن القرار لم يكن مفاجئا، لكن توقيته وما أُضيف إليه يتضمن دلالات هامة.
“إنه الحسم السريع والمباغت”، كما وصف أحد المراقبين أجواء القصر، وإن خالف الأعراف المعمول بها في السعودية في تعيين النائب الثاني، حيث اخترع الديوان الملكي منصبا جديدا هو “ولي ولي العهد”، مع إبقاء منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وهو ما يعكس الخلاف داخل العائلة المالكة، حسب مراقبين، حول منصب ولي العهد بعد تولي الأمير سلمان العرش، رغم أن هذا المنصب من اختصاص هيئة البيعة التي أنشأها الملك في عام 2005.
ورغم أن تقارير إعلامية أمريكية كانت قد تحدثت من مدة قصيرة عن ترجيح إدارة أوباما لكفة وزير الداخلية محمد بن نايف في الصراع المستعر منذ فترة بين الأجنحة المتصارعة على العرش، وعلى وجه الخصوص بين جناح الملك عبد الله والجناح السديري ممثلاً بالأمير سلمان، ولي العهد ووزير الدفاع، وأبناء الأمير نايف، ممثلاً بمحمد بن نايف، وزير الداخلية والأوفر حظاً لدى الأميركيين.
وسُبق هذا القرار السريع والخاطف بتحويل مؤسسة الحرس الوطني إلى وزارة، وتعيين الأمير متعب بن عبد الله، نجل الملك، وزيرا، بما يشوش على العرف السائد تقليديا، القاضي بأن يصبح وزير الداخلية الأكثر ترجيحا لتولي منصب النائب الثاني، وبالتالي ضمان فرصته في الوصول إلى العرش، وصار الآن هناك أكثر من وزارة سيادية تشق طريقها الملغَم نحو منصب الملك.
ويرى محللون أن صدور القرار قبل عشية زيارة باراك أوباما للرياض قد يقطع الطريق على أي نقاشات حول ترتيبات جرت بين محمد بن نايف والمسؤولين الأميركيين خلال زيارته لواشنطن في الفترة ما بين 11 ـ 13 فبراير الماضي، بخصوص دعم واشنطن له كمرشح راجح في خطة صعود الجيل الثاني لتولي الحكم.
كما إن العلاقة الوثيقة التي تربط الأمير مقرن بالملك عبد الله، إلى جانب طبيعة شخصيته، تجعل الأمير مقرن ضامنا لفرصة الأمير متعب بن عبد الله للوصول إلى العرش، وفقا لمتابعين، فمنع الإعلان عن إجراء أي تعديل على الاختيار يجعل ولي العهد سلمان وهيئة البيعة ملزمين بالقرار.
وأيا ما كان، فقد حسم الإعلان الجدل حول من سيخلف الأمير سلمان، في ظل شكوك حول فرصة الأمير مقرن في ولاية العهد، كونه لا يملك تأثيرا ولا وزنا داخل العائلة ولا قوة عسكرية على الأرض.
وبهذا، قد يصبح الأمير مقرن ملكا حال خلو المنصبين معا، وقد لا يكون الموت وحده سببا لخلوهما، فخيار التنازل بالتوافق لا يزال سببا راجحا، كما يرى متابعون، ما يفتح الطريق أمام مقرن لتولي العرش، وحينها يكون متعب بن عبد الله ومحمد بن نايف قادرين على حجز مقعد في المركب الموصل إلى العرش بالتناوب.