مع تكثيف اتصالات الراعي الأميركي للتسوية من أجل “تقليص الهوة” بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وما يرافق ذلك من تحرير لعدد من السجناء، يبرز اسم مروان البرغوثي ليس سجيناً محرراً وحسب، بل لموقع القيادة على الساحة الفلسطينية.
في إطار الحديث عن إنهاء صفقة لتحرير الدفعة الرابعة من السجناء والأسرى في إسرائيل إلى حيز التنفيذ في غضون أسبوعين، تشير التقارير إلى إصرار القيادة الفلسطينية على شمول مروان البرغوثي في الصفقة.
ومع بروز اسم البرغوثي كقائد منتظر ومؤهل لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، إن تمت، فإن هذا يعني تضاؤل فرص محمد دحلان الحالم بفرصة الرئاسة الفلسطينية، وخصوصًا بعد الهجوم الذي شنه عليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل نحو أسبوعين، مصحوباً بجملة من الاتهامات “القاتلة” التي انهت أية طموحات له مع تراجع شعبيته في الساحة الفلسطينية.
ولم تستبعد مصادر فلسطينية أن يكون عباس تحادث مع مسؤولين أميركيين عن دحلان الذي ظل على الدوام في اطار البوصلة الاميركية والإسرائيلية كشريك فاعل محتمل في المفاوضات.
خوض الانتخابات
وتشير المعلومات إلى أن البرغوثي، القائد البارز في حركة فتح خلال الانتفاضة الثانية يعتزم خوض الانتخابات الرئاسية الفلسطينية في المستقبل، ويعتقد الكثيرون أنه سيربح هذه الانتخابات بسهولة بحسب كلام زوجته.
ومثل هذه الانتخابات الرئاسية الفلسطينية يجري التشاور حول إجرائها على هامش جهود المصالحة بين حركتي فتح صاحبة الحضور القوي في الضفة الغربية وحماس التي تحكم قطاع غزة.
إلى الآن، أمضى مروان البرغوثي 18 عاماً من حياته في السجون الإسرائيلية، كما أنه أبعد لحوالي 7 سنوات في الخارج، وهو عانى الكثير، حسب حديث زوجته فدوى لصحيفة (الغارديان) اللندنية.
وتقول فدوى البرغوثي: رغم كل شيء مرّ به زوجي، فإنه لا يزال يؤمن بحل الدولتين لحل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، كما أنه يؤمن بأن الحل لا يمكن أن يكون أحادي الجانب لأنه سيؤدي إلى المزيد من الألم وإراقة للدماء”، مضيفة ” أهم شيء الآن أن الرئاسة الفلسطينية تدعم طلب إطلاق سراحه”.
يُذكر أن المطالب الفلسطينية بإطلاق سراح البرغوثي كانت تصاعدت خلال صفقة الجندي شاليط، إلا أنه لم يدرج إسمه في عداد أسماء الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم.
اسمه في البيت الأبيض
وتم تداول إسم مروان البرغوثي في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، وذلك عندما طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من الرئيس الأميركي باراك أوباما الضغط على الإسرائيليين لإطلاق سراحه مع الدفعة التي يجري الحديث عنها.
وتنقل (الغارديان) عن السياسي الإسرائيلي السابق يدعى يوسي بيلين، الذي لعب دوراً بارزاً في اتفاقية أوسلو للسلام، قوله إن “البرغوثي ليس الدالاي لاما أو غاندي ، وأن مكوثه وراء القضبان لمدة طويلة لا يجعله نيلسون مانديلا ايضاً، إلا أنه يعد من أهم القادة الفلسطينيين سواء كان خارج السجون الاسرائيلية أم داخلها”.
وأضاف بيلين بأنه “غير معجب بالبرغوثي، وهو رجل فخور بنفسه وبحركته”، موضحاً أنه في حال عدم خوض محمود عباس الانتخابات الرئاسية، فإن البرغوثي في حال ترشح لهذا المنصب، فإنه سينال منصب رئاسة البلاد بكل سهولة، عندها سيكون لدى اسرائيل رئيس للدولة الفلسطينية قابع في إحدى زنزانتها.
وكان ألقي القبض على البرغوثي في عام 2002، وحكم عليه بالسجن المؤبد بعدما أدانته محكمة اسرائيلية في عام 2004 بتورطه في مقتل 5 أشخاص، إلا أن البرغوثي ينفي التهم المنسوبة اليه، وأي تورط مباشر أو غير مباشر في عمليات القتل.
ابن رام الله
ولد مروان البرغوثي العام 1958 في قرية كوبر إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله وانخرط في حركة فتح في سن الخامسة عشرة، وعند بلوغه الثامنة عشرة عام 1976، القت القوات الإسرائيلية القبض عليه وزجته في السجن، حيث تعلم اللغة العبرية خلال مكوثه في السجن، وعند إطلاق سراحه، ذهب البرغوثي إلى الضفة الغربية حيث ترأس مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت وتخرج منها بعد أن درس التاريخ والعلوم السياسية ونال شهادة الماجستير في العلاقات الدولية.
وكان البرغوثي عمل حتى اعتقاله محاضرًا في جامعة القدس في أبو ديس، وهو متزوج من المحامية الفلسطينية فدوى البرغوثى التي تعمل منذ سنوات طويلة في المجال الاجتماعي، وفي مجال المنظمات النسائية.
وبرزت فدوى البرغوثي كوجه سياسي وإعلامي بعد اختطاف زوجها من قبل الإسرائيليين، حيث تمكنت بجدارة من الدفاع عن زوجها وحمل رسالته في كافة الدول وفي وسائل الإعلام المختلفة، ولهذا الغرض فقد تجولت في أكثر من 20 بلدًا متحدثة عن الانتفاضة والمقاومة ممثلة بذلك صوت زوجها.
عائلة البرغوثي
وللبرغوثي ولزوجته أربعة أبناء، بنت وثلاثة أولاد قسام الأبن الأكبر، ربى، شرف، وعرب، وقد انهوا كلهم دراستهم الجامعية ويقوم شرف بدراسة الماجستير في بريطانيا. وكان البرغوثي الثالث في الترتيب بين عائلة مكونة من ستة أشقاء، وكان قد بلغ الخامسة عشرة عندما اعتقله الجيش الإسرائيلي بتهمة المشاركة في تظاهرات مناهضة للاحتلال في بيرزيت ورام الله.
وكانت تلك البداية الميدانية لرحلة نضال استمرت ثلاثين عاماً اتسمت بالتزام ومثابرة استثنائيين لم تثبطهما سنوات الاعتقال المتواصلة ولا المنفى، بل أنه استطاع تجاوز عقوبة إبعاده عن مقاعد الدراسة بأن حصل على الثانوية العامة داخل السجن، وأضاف إليها تعلمه للغة العبرية ومبادئ الفرنسية والإنجليزية فضلاً عن زيادة ثقافته.
ويعتبر مروان البرغوثي من القيادات التي قادت الجماهير الفلسطينية في انتفاضتها الأولى عام 1987 ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وخلال الانتفاضة الأولى، القت السلطات الإسرائيلية القبض عليه ورحلته إلى الأردن التي مكث فيها 7 سنوات، ثم عاد ثانية إلى الضفة الغربية عام 1994 بموجب اتفاق اوسلو، وفي عام 1996، حصل على مقعد في المجلس التشريعي الفلسطيني.
مهندس الانتفاضة
وينظر الفلسطينيون إلى مروان البرغوثي، باعتباره مهندس الانتفاضة وعقلها المدبر ورمزاً لمقاومة الاحتلال، وكان قال فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، “يؤسفني إلقاء القبض عليه حياً، كنت أفضل أن يكون رماداً في جرة”. كما نشط البرغوثي في الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) كما فعل في الانتفاضة الأولى وزادت من شعبيته في الأوساط الفلسطينية.
وكان آخر منصب يشغره البرغوثي هو الامين العام لحركة فتح في الضفة الغربية، وقامت إسرائيل بمحاولة لتصفيته جسديًا، ولكن المحاولة لم تكن ناجحة، وفي 15 ابريل/ نيسان 2002، القت السلطات الإسرائيلية القبض عليه في منزله الكائن بحي عراش بعد اعتقال ابن عمه وقدمته للمحكمة التي بدورها أدانته بتهم القتل والشروع بالقتل وحُكم عليه بالسجن المؤبد 5 مرات.
ويشار الى ان ابن مروان البرغوثي الأكبر، (قسّام) تكرر اعتقالة أكثر من مرة في الاونة الأخيرة، المرة الأولى عندما قرر مروان ترشحه للرئاسة ومرة أخرى عندما رفضت حماس الإفراج عن الجندى الإسرائيلي المأسور لديها في حال استمر رفض إسرائيل الإفراج عن مروان.
الدكتوراه والتأليف
وفي العام 2010 حصل مروان البرغوثي على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات التابع لجامعة الدول العربية، وحملت رسالة الدكتوراه عنوان “الأداء التشريعي والسياسي للمجلس التشريعي الفلسطيني ومساهمته في العملية الديمقراطية في فلسطين من 1996 إلى 2006″، وقد كتب البرغوثي رسالته في سجن هداريم واقتضى إيصالها إلى خارج السجن سرًّا نحو عام كامل عبر محامية.
وصدرت لمروان البرغوثي مجموعة من الكتب خلال سنوات الأسر الماضية، وهي كتاب “الوعد” وكتاب “الوحدة الوطنية قانون الانتصار”، وهو مجموعة المقابلات والبيانات والرسائل الصادرة عن البرغوثي من السجن وصدرت عن مكتب الحملة الشعبية، وكتاب “مقاومة الاعتقال”، وهو نص مشترك كتبه البرغوثي وعبد الناصر عيسى رئيس الهيئة العليا لأسرى حركة حماس في سجون الاحتلال وأحد مؤسسي حركة حماس، وعاهد أبو غلمة رئيس الهيئة القيادية لأسرى الجبهة الشعبية في سجون الاحتلال وعضو اللجنة المركزية للجبهة والمحكوم بالسجن المؤبد بتهمة اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي العام 2002.
ويتحدث الكتاب عن تجربة الأسر وكيفية التعامل مع أساليب التحقيق والتعذيب في السجون على الصعيد النفسي والأمني والاجتماعي والسياسي، كذلك صدر للبرغوثي كتاب “الف يوم في زنزانة العزل الانفرادي” وفيه يسرد سيرة التعذيب والتحقيق والعزل خلال الف يوم من العزل والتحقيق الذي تعرض له بعد اختطافه في الخامس عشر من نيسان 2002. وكان قد صدر له قبل اختطافه “رسالة الماجستير” عن العلاقات الفلسطينية – الفرنسية.
نصر المجالي (ايلاف)