من الواضح أن القمة العربية التي اختتمت اليوم في الكويت تراجعت عدة خطوات للوراء فيما يتعلق بدعم الشعب السوري وتخليصه من نظام بشار الأسد. وقد بدا ذلك من خلال رفض المؤتمرون في منح كرسي الجمهورية العربية السورية إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.
المعيب حقاً أن هذه القمة أطاحت بمقررات القمة العربية السابقة في الدوحة، والتي قررت منح مقعد سورية إلى المعارضة، وقد جلس وقتها السيد معاذ الخطيب بين رؤساء الدول ووفودها.
السيد نبيل العربي ومنذ شباط الماضي سعى بكل قوة لانتزاع المقعد من المعارضة السورية، بحجة أن الموافقة على أخذ هذا المقعد تحتاج إلى موافقة أعضاء الجامعة كلهم وليس أغلبيتهم، وقد حاول السيد العربي تضليل الرأي العام من خلال هذا الموقف المتعمد مبتعداً عن حقيقة أن المقعد كان فعلاً بيد المعارضة وأن انتزاعه يحتاج إلى أغلبية مطلقة أو أغلبية الثلثين من الأعضاء الحاضرين، وهذا يعني أن المقعد من الناحية القانونية يجب أن يكون مخصصاً للسيد أحمد الجربا ممثلاً عن سورية بقطع النظر عن موقفنا منه. ولدى معرفتنا بأن ثلاث دول عربية فقط هي الجزائر ولبنان والعراق كانت ضد تسليم المقعد للمعارضة فيعني أنه لم تتحقق الأغلبية المطلقة ولا حتى النصف من أجل إقرار انتزاع مقعد سورية من الائتلاف الوطني.
من الصادم أيضاً أن يقوم وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري بمناقشة نزع تمثيل المعارضة السورية من الجامعة العربية بحجة اعتراض الدول المذكورة آنفاً، إذ أن النظام الداخلي للجامعة ينص على أن السادة الوزراء يناقشون تنفيذ القرارات التي صدرت عن القمم العربية ويستعرضون آراء المندوبين الدائمين في الاجتماعات السابقة. وهذا يوضح أن وزراء الخارجية العرب قاموا بما لم يطلب منهم في سبيل إقصاء المعارضة السورية عن حضور الاجتماعات.
يؤسفني بشدة أن لا تراعي الكويت البلد المضيف للمؤتمر، قرارات القمة السابقة في الدوحة وتطلعات الشعب السوري في تسليم المقعد للمعارضة مقابل الحفاظ على وفود الجزائر ولبنان والعراق، الذين ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في تمكين حكم الأسد وإهراق الدم السوري.
يستغرب بعض المتابعين من إصرار الجامعة العربية على إبعاد المعارضة السورية عن حضور اجتماعاتها، بينما نجده نحن أمراً معتاداً، فلم تتدخل الجامعة في قضية عربية إلا وأفسدتها وأحالتها وبالاً على أصحابها لا أعدائها، ويكفي أن نتذكر ما حدث في فلسطين والعراق واليوم في سورية.
إن تراجع الموقف العربي من الثورة السورية لمصلحة الأسد لا علاقة له فعلاً بالمواقف العربية، فهذه الدول ليست ذات مواقف يعول عليها، وإنما مرد ذلك لتراجع الولايات المتحدة وحلفائها أمام الأسد مقابل تسليم السلاح الكيماوي. فقد تراجعت المواقف العربية المنادية بتسليح المعارضة نوعياً إثر الاتفاق الروسي الأمريكي حول السلاح الكيماوي، ولم يكن للدول العربية ماضياً ولا حاضراً في معارضة المواقف الأمريكية.
لا أشك أن كل منصف يدرك أن التواطؤ على خذل الثورة السورية لم يكن شرقياً على الإطلاق، بل هو شرقي غربي عربي، لا أكاد أرى فرقاً بينها جميعاً.
لم نتوقع أن تخالف الدول العربية حليفتها الولايات المتحدة، ولا نتوقع أن تقوم بتسليح المعارضة بالسلاح النوعي دون إرادة امريكية واضحة. وإن تسليم السلاح الكيماوي هو أهم عند واشنطن من عشرين مليون سوري قد يبيدهم الأسد في ظل صمت معيب وعار في جبين الإنسانية جمعاء.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا