لا يخفى على متابع أن بشار الأسد بدأ يستعيد بعض السيطرة على الأرض في سورية بعد تسليمه السلاح الكيماوي للولايات المتحدة الأمريكية. ولا يشك أحد أن جميع الأصوات المنادية بتزويد المعارضة السورية بالأسلحة النوعية قد خفتت وبالكاد نسمع حسيسها. وكلا الأمرين طبيعي، إذ لا يعتقد عاقل أن الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب عازمون على إسقاط الأسد، وذلك مع انطلاق الثورة السورية، فكيف بعد أن قدم الأسد سلاح الشعب السوري للعدو.
إن ما يحققه الأسد للولايات المتحدة وحلفائها أكبر بكثير من أي مصلحة قد تتحقق بإسقاطه أو إبعاده عن الحكم. فالرجل قد دمر سورية كلها في ثلاث سنوات وقتل مائتي ألف شهيد واعتقل خمسمائة ألف سوري كما شرد عدة ملايين. وما كانت الولايات المتحدة الأمريكية ولا الكيان الصهيوني ولا الغرب كله مجتمعاً ليفعل بسورية أكثر مما فعله بشار الأسد، وبالتالي فأي مصلحة تلك التي قد تكون أكبر من الإبقاء على نظام الأسد في دمشق.
توقعنا في الشهر الثامن من العام الماضي أن قتل الأسد لأكثر من ألف شخص في الغوطتين بالسلاح الكيماوي، سيثمر عن صفقة غربية مع الأسد تقضي بأن يسمح العالم للأسد بقتل من يشاء وتدمير كل البنى التحتية في سورية والقضاء على الشجر والبشر مقابل تسليم ذلك السلاح.
ما المصلحة الأمريكية في تدمير السلاح الكيماوي السوري؟ بالطبع كي لا تصل تلك الأسلحة لمن قد يستخدمها ضد الكيان الصهيوني، فالأسد كان في مرحلة انهزام عسكري وأخلاقي في البلاد، وخشي الغرب على أمن “إسرائيل” من خلال وقوع الأسلحة بيد الثوار، ولهذا قرر تدميره تحت التهديد بضربة عسكرية لنظام بشار الأسد.
إذاً، كانت القوة ممكنة من أجل التخلص من السلاح، ولكنها غير ممكنة على الإطلاق عند قتل مئات الآلاف من المدنيين.
ليس فحسب، فكم من مدينة استراتيجية سقطت بيد نظام الأسد بعد تحريرها من قبل الثوار بسبب القصف الجوي بالبراميل. ويبرود خير دليل على ذلك. لو أراد الغرب الحفاظ على دم الشعب السوري والمدنيين في سورية، ولو أراد إسقاط الأسد بالفعل كما يدعي لفرض منطقة حظر جوي فوق سورية كما فعل بالعراق على سبيل المثال.
لو أن حظراً جوياً فرض على نظام الأسد، لما سقطت يبرود بيد الشبيحة هذا اليوم. فقد تعرضت المدينة في الأسابيع الماضية لأربعين غارة جوية يومياً بالبراميل المتفجرة. ولا نشك أن الغرب والولايات المتحدة يعلمان بأهمية يبرود من الناحية الجيوستراتيجية للثوار. وإذا اتفقنا أن الغرب يعلم ذلك جيداً فما الذي منعه من فرض منطقة الحظر الجوي لحماية مكاسب الثوار على الأرض، ناهيك عن وقف تدمير حلب وحمص ودرعا وغيرها.
وإذا كان الغرب يعرف أن موقف النظام العسكري سيتحسن بعد احتلال يبرود، وكذلك موقف إيران وحزب الله، فأي تفسير في عدم مساعدة الثوار إلا رغبته في مناصرة من يدعي كذباً أنه يحاربه.
لم تمنع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب منطقة الحظر الجوي فحسب، بل منعت وصول الصواريخ المضادة للطائرات إلى الثوار. بل وأوعزت إلى أدواتها في المنطقة باعتبار جبهة النصرة والإخوان المسلمين جماعات إرهابية، وهم يعلمون أن جبهة النصرة هي إحدى أهم الفصائل المقاتلة في القلمون، فكيف بعد ذلك يظن عاقل أن مثل هؤلاء قد يقفون مع الثورة السورية ضد بشار الأسد؟يبوع الماضي لبأرب
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا