يبدو أن الرجلين اللذين كانا يمثلان “شركاء الأمس″ في الساحة الفلسطينية (الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والقيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان) باتا يشكلان “أعداء اليوم”، في مرحلة ” اللا رجعة” لصحبة الأمس، وذلك بعد الاتهامات المتبادلة بينهما خلال الآونة الأخيرة.
محللون سياسيون فلسطينيون، رأوا أن الصراع بين الرئيس عباس ودحلان، وصل إلى نقطة “اللا رجعة” بعد الاتهامات التي تبادلها الطرفان أمام وسائل الإعلام، متوقعين تزايد حدة هذا الصراع بينهما، خلال المرحلة المقبلة، من خلال محاولة كل منهما “تشويه صورة الآخر”، غير مستبعدين أن يؤول هذا الصراع إلى مرحلة “الاغتيال السياسي” نتيجة للمعلومات التي يمتلكها كل منهما.
وفي رده على “هجوم” شنه عباس عليه، قبل أيام، اتهمه فيه بالمسؤولية عن عدد من الاغتيالات في صفوف قيادات فلسطينية، ودوره غير المباشر في وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، شن دحلان هو الآخر هجوماً لاذعاً على عباس، وصفه فيه بأنه شخص “مطعون في وطنيّته”، نافياً كل الاتهامات التي وجهها إليه.
و في مقابلة له على إحدى الفاضائات المصرية الخاصة، أمس الأحد، قال دحلان في دره على اتهامه بمقتل عرفات، إن “حارساً شخصياً للرئيس الراحل كان متهماً رئيسياً بقضية اغتياله، وقد اعتقل وخضع للتحقيق، لكن الرئيس عباس أفرج عنه وقام بتهريبه للخارج”.
وأضاف دحلان، أن “الدبابات الإسرائيلية هي من جاءت بمحمود عباس، وقد تمت تسميته باسمين، وهما كرزاي فلسطين كما أسماه أبو عمار، ورئيس الوكالة اليهودية”، وتابع “عباس يمارس موتاً بطيئاً للقضية الفلسطينية، ومنذ قدومه سقطنا في الانتخابات، وحماس احتلت غزة، وذهبت هيبة حركة فتح العظيمة”.
وحول هذه الاتهامات التي يتبادلها عباس ودحلان، قال الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الفلسطينية اليومية، هاني حبيب، للأناضول، إن “ردة فعل دحلان والاتهامات التي وجهها عباس له قبل أيام تدل على أن الطرفين يعانيان من مراهقة سياسية، وعدم القدرة على تحمل أعباء الأزمة الداخلية في حركة فتح، وأزمة الوضع الفلسطيني برمته”.
وأعرب حبيب عن اعتقاده في أن الصراع بين دحلان وعباس وصل إلى نقطة “اللا رجعة” بعد تبادل اتهامات بالفساد، والخيانة أمام وسائل الإعلام، مستبعداً وجود أي فرصة للعودة والتصالح بين الجانبين بعد هذا “الجنون الإعلامي”.
ورأى أن نهاية “الصراع″ بين الطرفين “لن تشهد انتصاراً لأحدهما، وإنما مزيداً من الضعف للحالة الفلسطينية، وتردي للوضع الداخلي الفلسطيني”، مشيراً إلى أن “المستفيد الوحيد من مثل هذه الصراعات هي إسرائيل ومن حالفها”.
وتوقع الكاتب السياسي، أن “تشهد المرحلة المقبلة المزيد من عمليات الاحتراب بين الرئيس عباس ودحلان، مرحلة لا يستطيع القضاء الفلسطيني احتوائها”، كما أنه لم يستبعد أن تصل حدة الصراع بين الرجلين إلى مرحلة “الاغتيال السياسي” خاصة وأنهما “يمتلكان معلومات خطيرة عن بعضهما البعض”.
وبحسب توقعات حبيب، فإن الرئيس عباس بصفته زعيماً لحركة “فتح” سيحاول أن يعزل ويفصل مؤيدين لدحلان من الحركة”.
من جانبه، رأى الكاتب السياسي مصطفى إبراهيم، أن رد فعل دحلان على اتهامات عباس “عمّق من الأزمة الداخلية بينهما”، متوقعاً أن تشهد الأيام القادمة المزيد من التراشق والاتهامات بين الطرفين، وقال، “ إن “الصراع يتعمق بشكل يومي، ولو كان أحد الطرفين يريد إنهائه قبل ذلك لفعل، ولكن عباس اختار أن يفتح النار على دحلان في وقت عصيب تمر به القضية الفلسطينية، ودحلان رد عليه بطريقة هزلية”.
وتوقع إبراهيم في حديثه مع الأناضول، أن حالة من الغضب الشعبي ضد عباس ودحلان، ستظهر خلال الفترة المقبلة، لوضع حد لهذه “المهزلة السياسية التي ستمزق حركة فتح، وستضر بالقضة الفلسطينية، ولن تحقق إلا مصالح إسرائيل، وسيدفع ثمنها كافة أبناء الشعب الفلسطيني”.
وبين الكاتب السياسي، أن المؤشرات والمعطيات الموجودة حالياً تؤكد أن “الصراع سيصل إلى مرحلة خطيرة وسيئة للغاية”، مستبعداً أن يصل إلى مرحلة “الاغتيالات” بين الجانبين.
بدوره، قال مصطفى الصواف، الكاتب في صحيفة الرسالة نصف الأسبوعية، المقربة من حركة حماس، للأناضول، إن “الاتهامات بين عباس ودحلان تؤكد أن الطرفين وصلا إلى مرحلة من الانحطاط السياسي، الذي لا يمكن السكوت عليه، لتأثيره على قضية الشعب الفلسطيني بمجملها”.
وأشار الصواف إلى أن “الدافع من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، هو تحقيق المصالح الشخصية، والانتقام لا أكثر”.
وأضاف، ” من المستحيل، حدودث مصالحة مستقبلية بين الرجلين، فكل طرف بدأ بحرق الآخر، وكشف معلوماته، ووجّه اتهامات تصل إلى درجة الخيانة العظمي التي يحكم على صاحبها بالإعدام”.
واعتبر الصواف أن اتهامات الرئيس عباس، لمحمد دحلان تدلل على “حالة الرعب التي يعيشها من خصمه”.
وقال، إن ” عباس ودحلان باتا عاريين تماماً وضعيفين، ويبدو أن أيادي إقليمية ودولية تلعب في هذا الملف لصالح تحقيق بعض التحالفات الجديدة بالمنطقة، وتصفية حسابات مع أشخاص مثل عباس، ومحاولة لتحضير دحلان ليكون صاحب الرئاسة بالمنظومة الإقليمية الجديدة (التي لم يحددها)”.
الصواف اتفق مع الكاتب هاني حبيب في أن الصراع بين عباس ودحلان يمكن أن يصل إلى درجة “الاغتيال والتصفيات الشخصية”.
وكان الرئيس عباس قد شن الأربعاء الماضي، هجوما غير مسبوق على دحلان، متهما إياه بالمسؤولية عن عدد من الاغتيالات وعن دور له في وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات بطريقة غير مباشرة.
وقال عباس في كلمة مسجلة بثها التلفزيون الرسمي خلال اجتماع للمجلس الثوري لحركة فتح في رام الله بالضفة الغربية، إن” تحقيقاً أجراه عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، كانت نتيجته أن هناك 6 قتلوا بإيعاز من دحلان.. هم محمد أبو شعبان، وأسعد صفطاوي.. ثم بعد ذلك قتل كلا من هشام مكي، وخليل الزبن، ونعيم أبو سيف، وخالد محمود شحدة” (جميعم من حركة فتح).
كما اتهم عباس دحلان، بالمشاركة في اغتيال صلاح شحادة مؤسس كتائب عز الدين القسام ،الجناح العسكري لحركة حماس، وقال، “في المحاولة الأولى لاغتيال صلاح شحادة جاء دحلان وقال: صلاح شحادة سينتهي خلال دقائق.. وبعد دقائق سمع انفجار ضخم، فذهب دحلان للخارج وقال بالحرف الواحد: ابن (..) نفد (ترك) البيت قبل لحظة واحدة”.
واغتالت إسرائيل، القيادي البارز في حركة حماس، صلاح شحادة في 23 يوليو/تموز 2002 بإلقاء قنبلة على المنزل الذي تواجد فيه في مدنية غزة، ما أسفر عن مقتل 18 فلسطيني، بينهم 8 أطفال.
وحصل دحلان على عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح بالانتخاب في مؤتمرها السادس الذي عقد في مدينة بيت لحم عام 2009، لكن سرعان ما انقلب التحالف الوثيق بينه وبين الرئيس عباس، إلى “خصومة وعداء”، انتهت بفصل الأول من حركة فتح، في يونيو/حزيران 2011، وإحالته إلى القضاء بتهم جنائية ومالية، وملاحقة أنصاره داخل الحركة