أثار فيلم “يرموك” الفلسطيني الذي يؤدي الدور الرئيسي فيه الممثل “محمد بكري” اثار ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي والنقاد السينمائيين .
فما إن طُرح الفيلم القصير «يرموك» على يوتيوب، حتى أشعل الحرائق. الممثل والمخرج الفلسطيني المشهور ذهب إلى مقاربة أزمة المخيم في سوريا. إلا أنّه قدّم عملاً يجافي الحقيقة، ولو أنّ بعضهم ذهب أبعد من ذلك في كيل الاتهامات لصاحب «جنين، جنين».
ثماني دقائق كانت كفيلةً بشنّ الفلسطينيين حرباً ضروساً على محمد بكري. دقائق وجيزة صبّها الممثل والمخرج الفلسطيني في قالب سينمائي أراده مُتخماً بالرمزية والدلالات.
غير أنّ تسطيح القصة التي يُفترض أنه يعالجها، أفقدها هذه الرمزية. نحا صاحب «جنين، جنين» إلى حبكة غير منطقية وحلٍّ معزول تماماً عن الواقع، وتحديداً عن المكان الذي تدور فيه الأحداث.
وشنّ البعض هجوماً حادا على بكري بسبب مقطع “بيع الفلسطينيين لبناتهم” في فيلم بكري الذي عرضه على اليوتيوب ومدته ثمان دقائق .
وينطلق البعض من هجومهم على بكري بأنّ الفلسطينيين ومهما ضاقت بهم الأحوال لا يمكنهم بيع بناتهم بالطريقة التي عرضها بكري , لكن بعض المؤيدين للمثل الفلسطيني عارضوا الهجوم عليه ودافعوا عنه وعن فيلمه ..
أول من هاجم بكري كان الكاتب نصري حجاج وهو كاتب فلسطيني معروف , كتب ضد محمد بكري قائلاً .
كتب نصري حجاج ..
“يرموك” فيلم قصير لمحمد بكري، أخرجه مؤخرا، عن مأساة مخيم اليرموك. لن أصف محمد بكري بالساذج أو الجاهل أو قليل المعرفة أو ناقص المعلومات والاهتمام؛ عما وبما يجري في سوريا وعلى الأقل بالنسبة لشعبه الفلسطيني هناك.
لأن السذاجة ترف لا نستطيع تحمل تبعاته كفلسطينيين، مثقفين أو فنانين أو كتاب أو مبدعين في أي مجال وكمواطنين عاديين أمضينا من العمر أكثر من 7 عقود ونحن نعيش في هلع وكوراث وانعدام الطمأنينة وتشرد وقتل وتفتيت.
سأنطلق من هنا، إذا لم يكن محمد بكري ساذجا وهو ليس كذلك، أو جاهلا وهو ليس كذلك أو قليل المعرفة أو ناقص المعلومات والاهتمام. فلا بد أنه كائن يعرف ماذا يفعل، فقد ارتكب في السابق أخطاء وخاض تجارب تمثيلية أساءت إلى صورة الفلسطيني في أفلام غربية أو إسرائيلية واستطاع إقناع الجمهور الفلسطيني من محبيه، أنه كان ساذجا أو تم خداعه أو ما إلى ذلك من الحجج الواهية كذرة تراب في مهب الريح. ولكن في هذا الفيلم الذي أتناوله لا يمكن تبرير ولا إقناع أحد بسذاجته أو جهله؛ فالموضوع وطوال ثلاث سنوات وعلى مدار الساعة يصفع الناس الجهلة والأذكياء والمثقفين وعديمي الثقافة والفنانين أو العاملين في تسليك مجاري القاذورات في الأحياء الفقيرة.
لم يشفع لمحمد بكري لا موسيقى فاغنر ولا الصورة المصنوعة بجهد واضح ولا دمعته الصغيرة التي انسابت على خده في فيلمه القصير 8,08 دقائق، الذي كتب السيناريو وأنتجه وأخرجه عن قصة لابنه الممثل صالح بكري والذي أسماه “يرموك” هكذا بلا “أل” التعريف، ربما برغبة لا وعية ليجعل من الفيلم الذي يزعم أنه يحكي عن مخيم اليرموك، فيلما يحكي عن “يراميك” كثيرة في العالم العربي، وخاصة أنه أهدى الفيلم في نهايته، وليس في بدايته وقبل نزول الجنريك إلى “الأمة العربية” ليذكر هذه الأمة بالمأساة التي تعيشها شخصيات فيلمه.
يصدر بكري فيلمه بالعنوان التالي باللغتين العربية والإنكليزية “جراء الأحداث الدامية التي اندلعت في سوريا منذ 2011 تشرد مئات الآلاف وعضهم القهر والجوع”. هكذا يفتح الفيلم على عائلة المفترض أنها فلسطينية في غرفة متواضعة، يفترشون حصائر بلاستيكية، هي المطبخ ومكان النوم، العائلة مؤلفة من ستة أطفال والأم والأب “محمد بكري”.
تستعرض الكاميرا الوجوه بلقطات قريبة إلى أن تصل إلى الأب حيث تعود الكاميرا إلى وجهيَّ الفتاتين واحدة بعد الأخرى، من زاوية الأب وكأنه في حيرة من أمره، أي الفتاتين يختار لأمر سنكتشفه فيما بعد لأنه محور القصة. ويختار البنت الأصغر والتي لا يبدو أنها تجاوزت الثانية عشر من عمرها.تنتقل الكاميرا بعد ذلك لمشهد في السيارة “بلوحة إسرائيلية” وليس سورية، يقودها الأب ومعه الفتاة إلى أن يصل إلى منطقة معزولة بالقرب من جدار أو خزان ماء ضخم وأشرطة شائكة. يتوقف السائق محمد بكري فنرى ضوء سيارة قادما بمواجهته. تقترب السيارة وهي من نوع مرسيدس فارهة، فنرى في المرسيدس إلى جانب السائق شيخا يرتدي الملابس الخليجية التقليدية، الحطة والعقال ودشداشة بيضاء. ينزل السائق ويقترب من نافذة سيارة بكري حيث تجلس الفتاة ونسمعه يقول لها: افتحي فمك! ثم يعود أدراجه إلى المرسيدس وفي طريقه يضع في جيب سترته كاشفا للضوء يساعد على الرؤية عن قرب. يغيب لحظة ثم يعود إلى محمد بكري وينحني فوق رأس الفتاة ويناوله شيئا.
يتناوله محمد بكري بتردد ضعيف ثم يقول للرجل: هاي خمسة واتفقنا على ألف.. فيقول الرجل: لم نتفق على أسنان خربانة. ثم يأخذ بكري ما هو واضح أنه نقود وتنزل الفتاة بعد أن ترمق أباها بنظرة عتاب وتذهب مع السائق وتتحرك المرسيدس ومعها الفتاة. ويعود بكري أدراجه، بعد ذلك ننتقل إلى الغرفة في منزل العائلة فنرى الأطفال نائمين ويدخل الأب حاملا معه أكياس بلاستيكية مليئة بالفواكه والخبز الحاف، يضعها على الأرض فينهض الأطفال من نومهم بسرعة ويبدؤون بالتهام الطعام. لينتهي الفيلم على أحد الأطفال يحمل موزتين حول وجهه والكاميرا تقترب منه ثم ينتهي الفيلم بالإهداء: إلى الأمة العربية.أحببت تناول هذا الفيلم الذي أثار اهتمامي لأسباب منها أن مخرجه وفريق العمل به فلسطينيون من الثماني وأربعين. ولأن المخرج محمد بكري ممثل ومخرج فلسطيني أحبَّ أن يقنعنا بأن كل أهل قرية البعنة، قريته حيث وُلد ويعيش، ساعدوا في إخراج الفيلم.
بمعنى أن أهل البعنة كافة ساعدوه في إخراج هذا الفيلم التسطيحي والمقزز في رؤيته لما يجري في مخيم اليرموك وليس ذلك وحسب، ففريق العمل غير كاتب القصة والمخرج والمصور يتضمن 13 شخصا بين ممثلين وتقنيين من عائلة البكري. ما يضع المشاهد أمام معضلة صعبة لنقد الفيلم حين تتم المواجهة بين المشاهد والناقد من جهة وعائلة البكري وأهل البعنة الطيبين من جهة أخرى.
سأبدأ من تصدير الفيلم بتسمية ما يجري في سوريا بالأحداث الدامية وهو وصف لما يجري وليس ما هو في الواقع، وكأن هناك محاولة لا واعية لإنكار دور النظام والحرب التي يشنها مع حلفائه ضد الشعب السوري، وكأن ما يجري في سوريا محض أحداث تحدث بالصدفة وبالصدفة تصير دموية.
ثم ما هي الحكمة من تسمية الفيلم “يرموك” لماذا يمحي المخرج “أل” التعريف من اليرموك الحاضر الذي يتعرض لأبشع أنواع الحصار والتجويع والتدمير لسكانه الفلسطينيين. هل هناك يرموك آخر كي نتجاهل اليرموك الأصلي؟ ينطلق الخطاب الأساس للفيلم من تفصيل بسيط ليفرض هذا التفصيل على مسيرة الأحداث في مخيم اليرموك، وهذا التفصيل هو قيام الأب ببيع ابنته القاصر إلى شيخ “خليجي” ثري مقابل بعض المال يطعم به أطفاله الآخرين.
دعنا نرى إلى مسألة تزويج القاصرات بهدف الحصول على المال وليست لأسباب عقيدية دينية، لا ترى مانعا في تزويج البنت إذا بلغت كما يجري في المجتمعات الإسلامية. فهذا حصل ويحصل في مصر وقدمت السينما المصرية أفلاما عن الموضوع أدانت فيها هذه الظاهرة في المجتمع المصري الذي يقوم بها سماسرة يستغلون حالات الفقر والعوز لدى شريحة من المصريين ويستغلون بناتهم في صفقات زواج من بعض الأثرياء العرب.وقد ذكرت وسائل الإعلام وخاصة قنوات الممانعة الداعمة للنظام السوري أخبارا عن تزويج القاصرات في مخيم الزعتري للنازحين السوريين في الأردن، ومن المعروف أن هناك مبالغات في هذا الموضوع الهدف منها تشويه صورة الشعب السوري من ناحية، واستدرار غبي للتعاطف مع السوريين وتكريس صورة عرب الخليج المهووسين بالجنس وبالزواج من قاصرات، كون هناك دعما للشعب السوري من دول الخليج وخاصة السعودية.
ولكن يبقى السؤال المهم في هذه الحالة هل حدثت هذه الظاهرة في مخيم اليرموك الذي يدعي الفيلم أنه يحكي عنه. لم تكن مشكلة الفلسطينيين في مخيم اليرموك الحصول على المال بقدر الحصول على الطعام بحكم الحصار الذي فرضه النظام السوري والفصائل المتحالفة معه على المخيم، ومنع دخول المواد الغذائية إلى الناس المحاصرين هناك.
فمن أين تفتقت عبقرية محمد بكري عن حكاية من هذا النوع الذي لا يقيم أي احترام لصمود الفلسطينيين في اليرموك ومأساتهم في الحصار والتجويع الذي أودى بأكثر من 80 مواطنا فلسطينيا، ولا اكترث الفيلم للاعتقالات التي طالت شباب اليرموك الذين قتلوا تعذيبا في سجون النظام البعثي؟ لم يقدم لنا “يرموك” سوى عائلة تعسة متهاوية مذلة ورجلا فلسطينيا “الأب” مستعدا لبيع ابنته القاصر مقابل “خمسة” ولا ندري ما هي الخمسة هذه والاتفاق على “ألف” كما جاء في الفيلم.وهناك مسألة أخرى في زواج القاصرات من أثرياء عرب إن كان في الأفلام المصرية والواقع المصري أو في مخيمات النزوح في الأردن تحديدا، وهي أن هذا الزواج يتم بطرق شرعية قانونية بعقد زواج رسمي سواء اتفقنا مع هذا النمط من الزواج أو لم نتفق، سواء كان مقولا شرعيا أم لم يكن مقبولاً أخلاقيا وإنسانيا، ولا يتم بالبيع مثل تجار الممنوعات والمخدرات، كما أراد المخرج وكاتب النص في “يرموك” أن يقنعنا وها أمرٌ لا يحصل حتى في أشد المجتمعات سذاجة وسفالة. فكيف في أسرة فلسطينية في مخيم صامد منذ أكثر من ثلاث سنوات أمام آلة البطش والقمع والقصف بالطائرات والمدفيعة والقناصة؟
لقد اختصر محمد بكري مأساة وصمود مخيم اليرموك بحكاية من نسيج خياله الاستشراقي الذي لا يعرف شيئا عما يجري لشعبه في سوريا، أو من وحي الصور النمطية التي ترضي الجمهور الإسرائيلي والغربي معا. وإن كان اختيار هذه الظاهرة التي لم تحصل قط في مخيم اليرموك؛ يدل على شيء لدى الفيلم وفريقه، فإنما تدل على رؤية متخلفة لما يحصل في الحروب. تمتد مما حصل في نكبة 1948 وإلى ما يشهده المجتمع العربي من حصر الرعب القائم في المجتمعات نتيجة الاستبداد السلطوي بالشرف المحصور بالمرأة واستخدام جسدها كسلطة ليبين لنا مدى الرعب القائم في الحروب.
اما الكاتب الفلسطيني المقيم في نيويورك عماد خشان فكتب مدافعا عن بكري :
منذ أول من أمس، أتابع الزوبعة التي أثارها فيلم محمد بكري «يرموك وأرى صورة لمأساة أكبر من فيلم قصير وأشدّ خطراً لأنّها نقطة ضعف قاتلة يستغلها العدو بنجاح منقطع النظير. إنّها مأساة أنّنا أمة رد فعل لا فعل. لو توقف الناس وفكروا في طبيعة علاقة دولة كالسعودية بالعرب والعروبة والاسلام، هل كان بوسعها حينها استغلال الرسوم الدانماركية لتحريك المسلمين في العالم ليدمروا باسم إسلام لا علاقة للسعودية به؟
لو فكر الثائر السوري الحقيقي كيف يمكن للحرية أن تأتي من قطر والأردن والسعودية، تلك الحرية التي تجتمع مع جون ماكين وتتلقى العلاج في مستشفيات «اسرائيل» ويزورها نتنياهو مطمئناً حاملاً لها هدية على شكل شريط حدودي لَحدي لكن بالسوري… هل كان ذلك الثائر ليحمل سلاحاً ويقتل أخاه؟ لكن هناك من يشحن النفوس لأسباب بعيدة عن الأهداف المزعومة. وطبقة المثقفين غير بعيدة عن المصالح الشخصية وتصفية الحسابات والتعبئة. إذا زدنا على ذلك العجز عن القراءة العميقة والاكتفاء بالسطحية، نحصل على مقالة نصري حجاج عن فيلم «يرموك». طبعاً، لا غرابة في قراءة حجاج السطحية لـ «يرموك» لأنّنا شاهدنا قراءته لشعر محمود درويش في فيلمه «كما قال الشاعر». في الحالتين، نرى قراءة حرفية أبعد ما تكون عن الشعر. «يرموك» ليس قصيدة، لكن كأي عمل فني، من الظلم النظر اليه حرفياً لأنّ ذلك يحوّله بياناً سياسياً. مشكلة حجاج هي مقارباته للأمور كأنها بيان سياسي صادر عن مكتب أحد التنظيمات. لماذا قَرأ الفيلم كأنه فعلاً عن مخيم اليرموك؟ بل هو يسأل عن «ال التعريف» في عنوان الفيلم! من يقرأ ما كتب عن «يرموك»، يجد أنّ مهاجمي الفيلم هم من مثقّفي أوسلو وراكبي الموجة التي سرقت الانتفاضة الشعبية، وحولّتها حرباً أهلية وكابوساً وهابياً. أحد الكتاب لام مخرج «يرموك» لأنّه لم يصوّر الصواريخ تتساقط على اليرموك. البعض حوّله فيلماً عن مخيم اليرموك بدلاً من أن يرى في التسمية رمزاً لكل ما لحق بالناس، كل الناس، من ظلم وجور وأذى. عندها، لا يعود لأل التعريف لزوم. معلومات بكري عن الاوضاع في سوريا تأتي مما ينقله الاعلام. وهو ليس بوارد تقديم عمل سياسي حول ما يجري. هو يقرأ عن المعاناة الانسانية في الحرب السورية، وهي كأي حرب تؤذي الانسان البسيط لا متزعمي تلك الحروب في أي صف كانوا.
المخرج جمع أكثر من قصة من قصص تلك الحرب في فيلم قصير واحد. هناك قصة الحصار وقصة الجوع وقصة الخوف وقصة استغلال تلك الظروف من قبل وحوش لا تعرف الرحمة. القصة ليست قصة فلسطيني أو سوري أو خليجي. هي قصة كل انسان وجد نفسه كفرد في خضم صراع قوى أكبر منه. يستحق الفيلم اسم «يرموك» لأنّ اليرموك كأي مخيم صار رمزاً للموت الرخيص والوقوع بين فئتين تختلفان على كل شيء الا على استباحة الدم الفلسطيني. منذ فترة، صدر تقرير للامم المتحدة يشير إلى أنّ أكثر من عانى في الحرب السورية هم الفلسطينيون. غريب كيف أنّه كلما تذابح العرب، يجمعون على أن يكون الخاسر الأكبر هو الفلسطيني. مشاهد أطفال اليرموك التي لم نر مثلها منذ مشاهد ضحايا النازية في الحرب العالمية، لم تحرك لا موالاة ولا معارضة. لماذا؟ لأنهم فلسطينيون. عن هذا يحكي «يرموك». من يحرك عقله قليلاً، يدرك أنّ الفيلم ليس عن اليرموك، بل هو عن كل مكان وجد أهل سوريا أنفسهم فيه في دنيا العرب. مَن قرأ أحد مقالات الزميلة ضحى شمس عن معاناة السوريات وهن ضيفات عند حماة الثورة السورية في شمال لبنان، ومثلها في الأردن، ومصر حيث تباع النساء بيعاً باسم عقد زواج. تلك أيضاً «يرموك». اليرموك كعين الحلوة ونهر البارد وصبرا وشاتيلا، ليس مخيماً فقط، بل رمز لضحايا وحشية بني البشر، سواء أكانت ذات طبع جنسي أو اقتصادي أو عنصري أو عسكري.
من يقرأ ما حصل مع لاجئات سوريا في دنيا العرب، يخجل بنفسه وبالجنس البشري كله. عن ذلك يتحدث «يرموك». وهذا ما قاله المشهد الأخير من الفيلم. ذلك المجتمع الذكوري الذي لا يرى الدنيا الا من فرج امرأة. مجتمع من حيوانات يتعامل مع كل شيء كحيوانات. هذا هو «يرموك». كل شيخ أعطى فتوى حلل فيها النخاسة هو «يرموك». كل من ساوم امرأة على جسدها مقابل كسرة خبز هو «يرموك». كل الحصار والموت قتلاً وجوعاً في مخيم اليرموك فيما العالم يتفرج هو «يرموك». هذا ما يقوله فيلم «يرموك» قبل أن تتلهى بالمعنى الحرفي واين ضاعت «ال التعريف». الفيلم مهدى للأمة العربية لأنّ كل أرض العرب «يرموك». جيوش أميركا في العراق هي «يرموك»، تقسيم السودان هو «يرموك». إثيوبيا تقطع ماء النيل عن مصر هو «يرموك»، حرب ٢٠٠٦ على لبنان وقتل أطفال قانا فيما ساسة لبنان يتغدّون مع كوندليزا رايس هو «يرموك». أرضنا المستباحة من المحيط الى الخليج فيما جيش يدخل وجيش يخرج هي «يرموك». قضايا تباع وتُشرى ومدينة كالقدس تغيب أمام أعيننا بيتاً بيتاً هي «يرموك».
قد يكون الفيلم رد فعل عاطفي على نواحٍ من الحرب السورية، لكن هذا كل ما يحتمله من نقد. المؤسف أنّه لا شيء تغيّر في بلادنا. طبقة المثقفين يغتال بعضها بعضا بأقلام كاتمة للصوت، والناس العاديون يلجأون إلى السباب. و«الأجمل» هو تلك الفئة التي تحارب لأجل الحرية والديموقراطية والتعبير عن الرأي، طالما أنّ رأيك يتطابق مع رأيها. العام الماضي، كتب محمد بكري على فايسبوك: «قلبي ع سوريا، في سوريا، من سوريا، لللي فاهم واللي مش فاهم، واللي ولا بده يفهم». وكتب أيضاً عن ابن سينا «بلينا بقوم يظنون أن الله لم يهد سواهم». لعله ككل فنان حقيقي، حدس بما سيحصل معه. قصة الفيلم وما جرى معه على يد من يدّعون حب سوريا وفلسطين والحرية هي أيضاً «يرموك».