عادة ومع تقدم المرأة في السن وانقطاع عادتها الشهريّة ودخولها في ما يعرف في العربية الدارجة بـ ” سن اليأس” تظهر عليها اضطرابات نفسيّة كالاكتئاب شبه الدائم، والمزاج دائم التقلب، وترافقها نزعة كيدية تجاه المحيط القريب ولاسيما الزوج والأولاد. لا تقتصر ” اضطرابات سن اليأس” على المرأة فقط، بل توجد أيضًا عند الرجل على الرغم من عدم وجود مسببات فيزيولوجية لذلك. فمع تقدمه في السن، ووصوله إلى مرحلة التقاعد، تظهر نفس الاضطرابات السابقّة. ويعزو الطب النفسيّ اسبابها إلى شعور الرجل بأنه لم يعد منتجًا، وأن ” خدماته” التي قدمها، والتي يحتفظ فيها ضمن ذاكرته كانجازات جرى ببساطة الاستغناء عنها، وقدمت لشخص جديد ليبني عليها. بناء عليه، يسعى الرجل دائما إشغال نفسه والبحث عن فضاء ينشط فيه محاولاً إقناع نفسه والآخرين أنه ما يزال ” موجودًا”، فاعلاً ومؤثراً.
ضمن التوصيف السابق، يمكن فهم علاقة وتفاعل قائد شرطة دبي السابق ضاحيّ خلفان مع تويتر إلى درجة بات يوصف ضمن أوساط الشباب الخليجي والعربي بـ ” تويتر مان”. فبعد ” إعفاءه” من منصبه والذي شغله منذ عام 1980 وحتى أواخر عام 2013 نشط خلفان بطريقة غير مسبوقة في تويتر، وأصبحت ” تغريداته” المتناقضة مادة إعلاميّة تتناولها المواقع الالكترونيّة والصحف. ولم يخف خلفان رضاه وفرحه الدائم بأدائه في تويتر، ولربما تغريداته التي يهدد فيها من يعتبرهم اعدائه بأنه ” ما يزال موجوداً حتى بعد اقالته”، وبأنه ” سيلاحقهم” .. الخ تعكس جانباً من الشعور بالفراغ الناجم عن فقدانه عمله ومنصبه على الرغم من جائزة الترضيّة والتي منحها إياه حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم إذ جعله ” مستشاراً” أمنياً. ولا يخفى على أحد أن لقب أو منصب ” مستشار” يمنح في الدول العربيّة لمن يراد ” تحجيمه” أو ” عزله”.
حكايات خلفان أو ” تويتر مان” كثيرة جداً لا يمكن إحاطتها في مقال واحد. لكن ولسخافتها لا تستحق أكثر من ذلك، فالرجل عبارة عن “فقاعة” ومادة مستهلكة أصبحت يوماً بعد يوم تستخدم لـ” التسليّة” و”التندر” في أوساط وسائل التواصل الاجتماعيّ لما تحتويه من تناقضات ومغالطات وكيديّة .. الخ.
غداة انطلاقها في عام 2011، اتخذ خلفان موقفا عدائياً من جميع ثورات الربيع العربيّ وعدها “مؤامرات” تستهدف استقرار الدول العربية والخليجيّة. لكن قائد شرطة دبي، وخلال عام 2011-2012 لم يحدد أطراف المؤامرة وأركانها باستثناء ” حركات الإسلام السياسيّ”، وبقي موقفه مبهماً تجاه هذه النقطة تماشيًا مع الموقف الرسمي لدولة الإمارات. لكنه وبعد انقلاب 3 يوليو في مصر ودعم الإمارات القوي للنظام الانقلابي الجديد، وخروجه رسميا من منصبه، بدأ خلفان بالتصعيد معتبراً الثورات العربيّة مؤامرة إسرائيلية بالتعاون مع الإخوان المسلمين. أما بعد الأزمة الخليجيّة الأخيرة، فقد تمخض عقل خلفان عن تغريدات اعتبرت الثورات خطة إسرائيليّة تشرف على تنفيذها قطر من خلال الدكتور عزمي بشارة، المفكر العربي، ومدير المركز العربي للأبحاث بالتنسيق مع الداعيّة الإسلامي الشيخ يوسف القرضاويّ. وقد ذهب خلفان أكثر من ذلك ووصل حد التهديد لبشارة عندما غرد قائلاً ” أنا رجل أمن.. أنصحك بمغادرة الخليج والعودة إلى الكنيست الإسرائيليّ”.
هذا وفي ما عدا غزارته الفكرية، يعتبر عزمي بشارة أبرز نائب عربي مثل قضايا الشعب الفسطيني في الكنيست وما زال الصهاينة يلاحقون شبح خطاباته وموافقه . كما أنه خرج من إسرائيل ملاحقًا بتهم امنية. أما خلفان فيستقبل نوابا صهاينة وعرباً عملاء يقومون بالتنسيق الأمني المباشر مع إسرائيل.
تفكيك روايّة خلفان سهلة جدا ولا تحتاج الكثير من الجهد، فخلفان ليس بذاك الرجل المعاديّ لإسرائيل وهو القائل في مقابلته مع الإعلامية زينة يازجي ” أن إسرائيل لا تشكل خطراً على الوطن العربي، وبأن إيران لا تشكل خطراً أيضاً.. وبأن الإخوان المسلمين هم الخطر الوحيد”. وصرح خلفان في أكثر من مناسبة صرح بأن ” إسرائيل لها الحق في الوجود والأمن” متبنياً الراويّة الرسمية الإسرائيلية التي تستخدمها في مواجهة الفلسطينيين وحركات المقاومة. كما أن القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان الذي اشتهر بالتنسيق الأمني عال المستوى مع إسرائيل في ضيافة بلاده، ويعمل مستشارًا أمنيًا لمستويات عليا في الدولة. وقد تشارك الثنائي ( خلفان – دخلان ) في الهدف والغايّة ألا وهي التصدي للثورات العربيّة، وحركات المقاومة وما يعتبرونه ” الخطر الإسلامي القادم معها”، وذلك قبل أن تتخذ العلاقات الشخصية بينهما صفة العدائيّة على خلفيّة التنافس في تقديم الخدمات الأمنية ودور الأمن الإماراتي والدحلان في جريمة اغتيال المبحوح.
قد يجادل البعض في هذه النقطة قائلاً ” إن خلفان هو من كشف شبكة الموساد التي اغتالت المبحوح”!!!. هذا صحيح، لكنه ذلك ليس كافيًا لإعطاء خلفان شهادة في الوطنيّة. فالتحكيم العقلي والمنطقي لجريمة اغتيال المبحوح يؤدي إلى أن إسرائيل هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن عمليّة الاغتيال، وبالتالي فإن دور خلفان آنذاك انحصر في كشف ” تفاصيل” المكشوف أصلاً. لكن الأخطر، والأهم برأينا هو امتناع خلفان ملاحقة أفراد شبكة الموساد عبر الانتربول الدوليّ أو وسائل أخرى. بل إن الإمارات وبدل أن توقف التعاون التجاريّ مع اسرائيل وتلاحق قياداتها قانونياً وسياسياً منحتهم وفي أكثر من مناسبة فرصة زيارة الإمارات والمشاركة في فاعليات تجارية واقتصاديّة وسياسيّة كان أخرها الزيارة العلنية التي قام وزير الطاقة الإسرائيلي سليفان شالوم إلى دبي في 17 يناير 2014 للمشاركة في مؤتمر حول الطاقة. كما أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز حاضر ( عبر تقنية الصوت والصورة) في مسؤولين عرب وخليجيين في مؤتمر عقد أواخر عام 2013 حول أمن الخليج، وتحدثت صحف إسرائيلية أكثر من مرة عن زيارات قام بها رئيس الاستخبارات الإسرائيليّة إلى أبو ظبي ومنها الزيارة الشهيرة التي حصلت بعد يومين على الانقلاب الذي جرى في مصر، وقد افتتحت الإمارات مكتب تمثيل رسمي لإسرائيل.
الموقف الإسرائيلي المرحب بالانقلاب في مصر يفند رواية خلفان وهذيانه حول من ينسق ويتعاون ويتشارك مع إسرائيل الرؤيّة. وقد كان لخلفان دور كبير في تجنيد وزير الدفاع المصريّ عبد الفتاح السيسيّ لصالح الإمارات ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي وذلك عبر قناة كشف عنها خلفان ذاته ألا وهي ” محمد كمال السيسي” عم وزير الدفاع المصريّ الحاليّ. ولعل زيارة السيسيّ الأخيرة إلى الإمارات قبل الإعلان المرتقب عن ترشحه للرئاسة تكشف حجم الدور الخفيّ الذي تأمر فيه خلفان وقادة الإمارات على الثورة المصريّة. وفي ذات الوقت يكشف احتراق ادوات قديمة باليّة جرى التخلي عنها وتهميشها كالمرشح السابق ” أحمد شفيق الموجود حاليا في دبي.
لم يقتصر هجوم خلفان على دول وشخصيات عربيّة فقط، بل قاد في الأشهر السابقة حملة إعلاميّة عنيفة ضد رئيس الوزراء التركيّ رجب طيب اردوغان وحزب العدالة والتنمية ولاسيما بعد أحداث تقسيم. لكن الرد التركيّ كان صاعقًا. فمع تصاعد الحملة الإعلامية، نشرت صحف تركيّة ومنها ” ميلليت” بعض الصور لضباط إماراتيين ادعت أن من بينهم ضاحي خلفان في مطار أتاتورك في اسطنبول يستقبلهم رجل الأعمال التركيّ ” رضا ضراب” برفقة فتيات ” مومسات”. وذكرت الصحف التركية أن “ضراب” أقام حفلة فاخرة على شرفهم، وأحضر بعض بائعات الهوى ليمارسن الجنس مع هولاء الضباط.
لسنا في وارد تأكيد صحة ما نشر، لكن تزامن تراجع التصعيد الإعلاميّ ضد أردوغان من قبل وسائل الإعلام المدوعوة والموالية للإمارات، ومن قبل خلفان ذاته يثير الكثير من الأسئلة، لاسيما وأن مصادر تركية هددت بنشر مزيد من الصور اذا استمرت الحملة الإعلاميّة وتدخلات بعض المسؤولين الإماراتيين في الشؤون التركيّة وإثارة القلاقل و دعم أحزاب المعارضة. وقد ربط بعض المغردين الإماراتيين إقالة خلفان بهذه الفضيحة، واعتبروها خطوة استباقيّة قبل نشر الصور.
أما فيما يتعلق بالثورة السوريّة، فقد كان لها نصيبها من اضطرابات خلفان النفسية والعقليّة، فقد وصف خلفان الأسد بـ” الرجل القوميّ” وبأنه ” قمة في الأخلاق”، وتهجم على الثوار السوريين واصفهم بالحثالات وبعديمي التفكير وبأن ثورتهم من صنع ” أميركا” والقرضاوي. وتعزو بعض الأصوات في وسائل التواصل الاجتماعيّ تصريحات خلفان وهجومه المتأخر على الثورة السوريّة إلى علاقته الشخصيّة والحميمية مع شقيقة الرئيس السوري ” بشرى الأسد” والتي انتقلت برفقة أطفالها للإقامة في دبي بعد مقتل زوجها ” أصف شوكت” في تفجير الأمن القومي عام 2012. وقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعيّ صورًا لأولاد بشرى الأسد في ملاهي دبيّ محاطين بحمايّة أمنيّة وفرها خلفان.
ما ذكر سابقا غيض من فيض، لكنه يشرح جانباً من العقد العقليّة والنفسيّة لهذا الرجل الذي دخل مرحلة الخرف. أما فيما يتعلق بهجومه على شخصيات قومية عربية وفكريّة ساندت الثورات وتوجيه التهم الباطلة فلعل المثل العربيّ ” رمتني بدائها وانسلت” هو الأكثر تعبيراً عن ذلك.
فيصل الملك