نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، اليوم، تقريرا أعده مراسلها من محافظة النجف في العراق عما وصفته بـ”القوة السياسية الجديدة الأكثر فعالية في العراق، عصائب الحق”، التي تجند المقاتلين لإنقاذ نظام بشار الأسد في سوريا.
يقول الكاتب إنه في كل يوم، خلال التسعة أشهر الماضية، تصل جثث القتلى.
وقد قاتل المدفونون في أكبر مقبرة في العالم في سوريا (مقبرة النجف)، في المعارك الدائرة في سوريا تحت “الراية الخضراء” للقوة السياسية الشيعية الجديدة الأكثر فعالية (عصائب أهل الحق)، وفقا للتقرير، ولقوا حتفهم هناك وجيء بهم إلى بلدهم.
ولهذا، انشغلت ميليشيات (عصائب الحق) بتجهيز أماكن لدفن قتلاها، حيث اشترت ما يزيد على 2،500 متر مربع من مساحات الدفن وإقامة الأضرحة لمن سقطوا في سوريا.
وفي بغداد، كما أورد التقرير، ما يقرب من 100 ميلا إلى الشمال، احتلت المجموعة المنطقة وفرضت نفوذها على الساحة السياسية المنقسمة في العراق وبشكل مطرد، وبسطت سيطرتها على جميع أنحاء الضواحي الشيعية للمدينة.
منذ رحيل الجيش الأميركي من العراق في ديسمبر 2011، وخلال شهرين من أول انتخابات وطنية، ظهرت “عصائب أهل الحق” بهدوء، باعتبارها واحدا من اللاعبين الأكثر نفوذا في الحياة السياسية والعامة في البلاد. وبمزيج من الدبلوماسية والعمليات العسكرية العدوانية والترهيب –وهي الأساليب المعتمدة من راعيها الرئيسي، الجنرال الإيراني قاسم سليماني- تعزز المجموعة الآن تأثيرها، على نحو متزايد، باستعراض عضلاتها في كلا البلدين (العراق وسوريا)..
ويرى التقرير أن صعودها أربك العديد من القادة السياسيين العراقيين. “قبل أكثر من سبع سنوات بقليل، كانت مجرد وكيل إيراني آخر يُستخدم لمهاجمة الأميركيين”، كما نقلت الصحيفة عن أحد الوزراء العراقيين، مضيفتا: “الآن لديهم شرعية سياسية ومخالب في كل الأجهزة الأمنية. وبعضنا لم ينتبه لهذا إلا بعد فوات الأوان”.
حتى أوائل عام 2007، يقول التقرير، لم يسمع إلا عدد قليل من الأجانب بعصائب أهل الحق، والتي ظهرت على مدى عدة سنوات إثر الانقسام داخل جيش المهدي، الذراع العسكري للشيعة في العراق.
ومنذ بدايات ظهورها (عصائب أهل الحق)، اعتمدت قواعد اللعبة نفسها التي سطرها سليماني، (وهو جنرال إيراني تزايد تأثيره في المصالح الإستراتيجية الإيرانية بشكل كبير في السنوات العشر الماضية): “تكتيكات” الشبح والتنصل من المسؤولية عن الهجمات.
ويقول التقرير إن المجموعة لديها علاقة وثيقة بحزب الله وترتبط، أيديولوجيا، بمرشد إيران، علي خامنئي.
وأفاد التقرير أن أول مرة استعمل فيها “سليماني” (الذي يقدم تقاريره مباشرة إلى خامنئي ويقود فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني) سلاح الضرب ضد القوات الأمريكية، كان هجوم يناير 2007 على ثكنة عسكرية أمريكية في كربلاء، جنوب النجف، وأسفرت عن مقتل خمسة جنود أمريكيين.
بعدها بأشهر، اعتقل زعيم الجماعة قيس الخزعلي وشقيقه ليث الخزعلي وعضو بارز في حزب الله علي موسى دقدوق، بالقرب من البصرة. ثم جاءت سلسلة من الأحداث التي أدت إلى مطالبة المجموعة بالشرعية.
في مايو 2007، اختطفت العصائب “بيتر مور”، خبير بريطاني في تكنولوجيا المعلومات وأربعة من حراسه، من مبنى تابع لوزارة المالية العراقية، وأُطلق سراحه في أواخر عام 2009 بعد أن أُفرج عن الأخوين الخزعلي من السجون الأمريكية في العراق، كما أُطلق سراح (القيادي في حزب الله وضابط الاتصال) “دقدوق”، الذي عاد إلى لبنان في عام 2012 .
والآن، ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية في 30 أبريل، عززت المجموعة نشاطها السياسي في بغداد وكذا دعمها لنظام بشار الأسد في سوريا. وقد ادعى “قيس الخزعلي” في الخطب والمقابلات على مدى العامين الماضيين، أن قتال ميليشياته في سوريا يستهدف إلحاق “الهزيمة” العسكرية بالولايات المتحدة.
وقد حفزت رسالته الآلاف من الشيعة العراقيين الذين تطوعوا للقتال من أجل نظام الأسد في سوريا، ولكنه أثار قلق العديد من المجتمعات المحلية في جميع مناطق الشيعة، الذين يرون مشاركة أفرادهم في معارك سورية باعتبارها استثمارا مكلفا في صراع طائفي عابر للحدود.
في مقبرة النجف (الأكبر تقريبا في العالم، 5ملايين دُفنوا بها)، يقول حفارو القبور إنهم بالكاد يميزون بين نهاية حرب وبداية أخرى: “ما إن غادر الأميركيون انفجرت سوريا”، كما قال أحد العمال.
وأضاف: “الجثث القادمة من سوريا بلغت أعدادا غير مسبوقة”، حيث إن “هناك على الأقل نحو 500 منهم دفنوا هنا. كانت تصلنا حوالي ثلاث جثث كل يوم خلال الشهر الماضي وحده، عبر الحدود مع إيران. عندما يقتلون في سوريا يُنقلون إلى هناك”.
ولكن حتى وفقا لمعايير النجف، يقول الكاتب، فإن أعمال الدفن تبدو متسارعة في الآونة الأخيرة.
وتختصر لوحة على قبر مقاتل شيعي لقي حتفه في مكان ما في سوريا في نوفمبر الماضي، كُتب عليها “مدافعا عن الضريح المقدس للسيدة زينب”، وهو المقام الذي يقع على مشارف الجنوب الغربي من دمشق، ويدعي الشيعة أنه يحتضن قبر ابنة الإمام علي، السيدة زينب (رضي الله عنها).
كما يدعي حزب الله أيضا، تبريرا لتدخله العسكري على نطاق واسع في سوريا إلى جانب الأسد، أنه يدافع عن الضريح. وكذلك الحال بالنسبة لكتائب حزب الله، وهي ميليشيات عراقية مدعومة من إيران أيضا، وغالبا ما يُدفن قتلاها جنبا إلى جنب مع مقاتلي عصائب أهل الحق الذين لقوا حتفهم في سوريا. ويقاتل كلا الفريقين العراقيين في سوريا تحت راية لواء “أبو الفضل العباس”، الذي كان في طليعة الهجمات ضد محاربي الثورة على امتداد جبهات القتال السورية.
ومهمة عصائب أهل الحق، جنبا إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني، هي تحويل دفة الأمور لصالح نظام الأسد، والذي كاد أن يفقد السيطرة أواخر عام 2012. “ثم صدر قرار إستراتيجي من الجماعات الشيعية للدفاع عن الأسد مهما كلف الثمن”، كما قال سفير كان في ذلك الوقت مقيما في العاصمة السورية.
وتشير تقديرات أعداد المقاتلين الشيعة في سورية إلى أنها تتراوح بين 8،000 و15،000، وبقطع النظر عن الرقم الحقيقي، فإن تورط أعدادا كبيرة من العراقيين ليس سرا وهذا منذ الأشهر الأولى من الحرب في سوريا.
وقد شاهد الكاتب خارج جامعة بغداد ملصقا كبيرا لقتلى “عصائب أهل الحق”، وُضع فوق صورة لضريح السيدة زينب. وهناك ملصقات مماثلة أمام جامعات أخرى وعلى الساحات العامة الكبرى.
“لقد قدمت لهم الحكومة تغطية لأنشطتهم السياسية والأمنية”، كما قال مسؤول عراقي كبير على صلة بالاستخبارات. وكشف أن “المالكي يخشى منهم، ولكن ماذا يمكنه أن يفعل؟ وطبيعته (الشخصية) أنه إذا لم يستطيع التعامل مع قضية، فإنه يدير رأسه بعيدا عنها. وقد حاول إنشاء خلية لمراقبتهم في أواخر عام 2010، لكنهم اكتشفوا أمرها وأُحرج بهذا، ثم دفع لهم المال وقال لهم: آسف. وهم الآن لا يحترمونه”.
ويعتقد مسؤولو المخابرات العراقية أن “عصائب أهل الحق” تتلقى من 1.5 إلى 2 مليون دولار في الشهر من إيران. وأضافوا: “إنهم يعتبرون أنفسهم “جنود المرجعية” (أعلى سلطة دينية شيعية)”، كما إن “قوتهم لا تخضع للمساءلة”. ونقل التقرير عن أحد العمال قوله: “إنهم (عصائب أهل الحق) موجودون في كل مكان”.
وفي بغداد، يقول التقرير، اشتروا المنازل والمكاتب، أو في بعض الحالات، استولوا عليها (من قبل مسؤوليها) ويستخدمونها كمراكز تجنيد للقتال في سوريا.
خدمة العصر