قال أندرو هاموند، الخبير بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنَّ “زمن وجود قادة مصريين رهن إشارة الرؤساء الأمريكان قد ولَّى بفضل اندلاع ثورات “الربيع العربي”؛ لتتحول الولايات المتحدة من داعم لديكتاتور”صديق” (الرئيس الأسبق حسني مبارك) إلى دعم ديكتاتورية غير صديقة (النظام الحالي)، في الوقت الذي أقصت فيه نفسها سريعًا بعيدًا عن بقية القوي السياسية”.
وأضاف الباحث المُتخصص في شئون الشرق الأوسط في مقال بعنوان: “الدولة البوليسية الثورية”، نشرته مجلة “بوليتكو” الأمريكية، أنَّ الوقت الذي كان فيه لدي الرؤساء الأمريكان قادة مصريين في رهن إشاراتهم قد ولَّى، مذكرًا بأن الرئيس المخلوع حسني مبارك اضطر للنهوض من نومه مع بزوغ الفجر؛ لالتقاط صور تذكارية مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون؛ ليتم عرضها على التلفزيون الأمريكي ساعة الذروة.
وتابع: لقد أثبت “الربيع العربي” أن تلك الأيام قد ولّت، فمنذ 2 من فبراير 2011، حينما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن تخليه عن دعم مبارك ومُطالبته بالتخلي عن الحكم على وجه السرعة، تحولت الإدارة الأمريكية في هذه اللحظة من داعمة لـ “ديكتاتور صديق، إلى داعمة لـ “ديكتاتورية غير صديقة”، وفي الوقت ذاته أقصت نفسها سريعًا بعيدًا عن جميع القوي السياسية المصرية.
واستعرض الباحث، الموقف الأمريكي منذ بداية ثورة 25 من يناير، قائلاً:” في البداية نجحت واشنطن في اقناع “فلول” نظام المخلوع بالإذعان إلي الإرادة الشعبية، وإجراء أول انتخابات حرة نزيهة ـ بالفعل ـ في التاريخ المصري، فيما بعد، حينما حقق الإسلاميون هزيمتهم المتوقعة لخصومهم الليبراليين، دعمت الإدارة الأمريكية النتائج، وعقدت العزم على تضافر جهودها مع القادة “الملتحين” الجُدد للبلاد، الذين كانوا يشعرون بالقلق الملحوظ من العمل مع نفس الدولة التي ظلت تدعم الحاكم المُضطهد لهم على مدي عقود طويلة”.
وتابع: “في نهاية المطاف ، أيدت أمريكا قيام الجيش الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي، الذي لا يحظى بشعبية؛ إلاَّ أنَّه مُنتخب، تلك الأحداث التي يمكن اعتبارها انقلابًا بمعني الكلمة. ففي كل خطوة على الطريق، كانت الولايات المتحدة لاعبًا في الدراما السياسية المصرية، باذلة أقصي جهدها للإسراع من عملية لانتقال الديموقراطي في أكبر البلدان العربية تعدادًا للسكان، مما يزيد من الحيرة بسبب فقدان النتائج”.
وقال الباحث إنه “بينما يقبع مرسي بين جدران السجن، ويحاكم جنبًا إلى جنب غيره من قادة جماعة ” الإخوان المسلمين” بالعديد من الاتهامات “السافرة”، من بينها التخابر، والقتل، يستعد قائد الجيش الذي أطاح به لنزع بزته العسكرية لخوض الانتخابات الرئاسية التي سيفوز فيها بلا أدنى شك”، بحسب رأيه.
وأشار إلي أن المشير عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع لديه مخاوف ملحوظة؛ إلاَّ أن الشعور الوطني يمكن أن يفوز لا محالة، بحسب مصادر مقربة منه. ورأى أنَّه في حال لم يترشح السيسي للرئاسية؛ فإن الدستور الجديد والذي حظي بنسبة قبول بلغت 98% ، وبنسبة اقبال 38% ، منُتصف يناير، وسط مناخ ساده التملق والتخويف، يؤكد على أن السيسي سيدير المشهد السياسي من خلف الكواليس.
وأعرب الباحث عن اعتقاده بأنَّ مصر “تتجه صوب “دولة مبارك البوليسية”، لافتًا إلى أنَّه منذ 3 من يوليو، تم اعتقال ما يقرب من 20 ألف شخص، حسب بعض التقديرات معظمهم شاركوا في تظاهرات أو اضرابات أو لمجرد انتمائهم لجماعة “الإخوان المسلمين”، كما قُتل أكثر من أربعة آلاف شخصًاـ يزيد عددهم عن ضعف عدد الثوار الذين سقطوا خلال ثورة يناير.
وانتقد الباحث الموقف الأمريكي من تلك الانتهاكات، قائلاً إنَّ “الإدانة كانت “ضعيفة” من قبل واشنطن”، معتبرًا في الوقت ذاته أن قانون “التظاهر الذي تمت الموافقة عليه في نوفمبر قد مهد الطريق أمام المُداهمات المستهدفة لشباب النشطاء الذين اشعلوا ثورة 25 من يناير في المقام الأول.
وتابع أنَّ “الثوار “قد أصبحوا أمام خيار قاس: إما الاعتراف بالنظام الجديد أو مواجهة خطر السجن والأحكام القضائية المُشددة”.
وأشار إلى أنَّ ثلاثة من النشطاء البارزين كان قد حُكم عليهم بالسجن ثلاث سنوات في ديسمبر على خلفية التظاهر دون تصريح مُسبق؛ كما اتُهم البعض الأخر بالتخابر لصالح حكومات أجنبية عن طريق بث فيديوهات عبر شاشات التلفزيون تحمل إشارات مألوفة على التلاعب بـ “أمن الدولة”.
وانتقد الباحث القرار بإدراج تنظيم “الإخوان المسلمين” على رأس قائمة الجماعات الإرهابية، قائلاً إن نظام مبارك لم يجرؤ على القيام بخطوة كهذه، مشيرًا إلى أنَّ الجماعة طالما كانت تدين “العنف” قبل سنوات.
وعبَّر الباحث عن رفضه لسياسات النظام الحالي، قائلاً:” الأمر الواقع يُخبرنا بأنَّه مع حدوث أي “انقلاب” عسكري من المنطقي أن تشهد البلاد حملات اعتقال واسعة؛ إلاَّ أنَّ ما حدث في مصر قد تجاوز المألوف، فلقد تم منح المواطنين حق الإبلاغ عن أي شخص يتشككون في انتمائه للإخوان. واغلق السياسيون المناهضون للانقلاب هواتفهم؛ خشية مراقبتهم والقبض عليهم، أو سافروا للخارج، إن لم يكن تم اعتقالهم بالفعل، كما أصبح الصحفيون ممن تجرأوا وقاموا بتغطية التظاهرات أو التحدُث إلى المتعاطفين مع “الإخوان” في خطر؛ إذْ تم اعتقال أربعة من العاملين بقناة “الجزيرة” بينهم كندي الجنسية، وآخر استرالي، بينما تم إطلاق سراح واحد منهم؛ إلاَّ أنَّ الآخرين يواجهون الآن اتهامات بالترويج لأخبار “كاذبة”، وتشكيل خلية “إرهابية”.
وبعد أن سرد الباحث تلك الانتهاكات يقول نبرة يشوبها الأسى، يقول إن “هذا لهو النظام الذي قررت واشنطن التساهل معه”، مُوضحًا أنَّه ” في الوقت الذي تدهورت فيه الأوضاع في مصر إلى الأسوأ؛ إلا أن العلاقات مع الإدارة الأمريكية، باتت الشيء الوحيد الذي تحسن في هذه البلاد”.
وأشار إلى أنَّه منذ البداية رفضت واشنطن وصف ما حدث ضد مرسي “بالانقلاب”، وتلاعبت خلال خطابها الإعلامي “بالألفاظ” ، فلقد أوضحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جين موقف بلادها بكل جرأة، قائلة:” لقد عزمنا على عدم اتخاذ أي قرار”.
ورأى الباحث أن الهدف وراء التلاعب بالألفاظ؛ إنما يكمن في محاولة الإدارة الأمريكية تجنب الإقدام على قطع المساعدات العسكرية إلى مصر كليًا، بينما أقدمت على “معاقبة” السيسي من خلال تعليق إرسال بعض الأسلحة، والمساعدات المالية، وإلغاء التدريبات العسكرية.
واستدرك الباحث قائلاً: “من خلال كل هذا، فلا تزال مصر تحصل على المساعدات العسكرية التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار سنويًا، كما أنَّ هناك أيضًا مساعدات اقتصادية سنوية تبلغ 250 مليون دولار ، فكل ذلك لم يُحدد مصيره إلي الآن”.
ورأى أنَّ تلك التدابير السالفة الذكر يبدو وكأنَّها “بالغة القسوة” في ظل تلك الأجواء السائدة في واشنطن والتي تدعم السياسات المصرية الحالية.
وأوضح أنَّه في نوفمبر الماضي شهد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأنَّ خطة الطريق المصرية الساعية ؛لتحقيق المسار الديموقراطي يتم تطبيقها وفقًا للمعايير والقيم الأمريكية؛ وذلك بالرغم من التحركات العسكرية المصرية لتعزيز دور الجيش الذي لا يتسنى لأحد ٍ المساس به على مدي السنوات القادمة.
واعتبر أنه من منطلق حسن التدابير الأمريكية سعى كيري لتوضيح سبب قطع المساعدات قائلاً:”إنَّ الرئيس الأمريكي أوباما يبذل قصارى جهده للتأكد من عدم حدوث أي توتر في العلاقات مع مصر”. وأضاف أنَّ الكونجرس بدأ في ديسمبر في التراجع عن القيود المفروضة علي المساعدات الأمريكية لمص ، واستنكر عدم إدانته للأجواء التي تمر تمرير الدستور الجديد خلالها، قائلاً:” لم يحرك الدستور الذي تم تمريره بنسبة موافقة بلغت 98% كما كان الحال في عهد “مبارك” ساكنًا في الكونجرس”.
وسعى الباحث إلى الكشف عن سبب سكوت الكثير من المصريين عن التدابير القمعية قائلاً:” بالفعل بعض التدابير القمعية التي ينتهجها السيسي شائعة في بلدان كثيرة ؛ إلاَّ أنَّه استطاع “بذكاء”استغلال ارهاق الثورة وماصحبها من اضطرابات للمصريين وتوقهم إلي العودة إلى الأمن والاستقرار؛ حتى وإنْ تطلب ذلك سحق المعارضة”.
وأشار إلى أنَّه خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة قال له أحد من شاركوا في الاستفتاء على الدستور “استيقظت في السادسة صباحًا، وتوجهت وزوجتي إلي اللجنة الانتخابية للتصويت، لسنا مهتمين بالتظاهرات، والعنف، وإراقة الدماء، أشعر أن تلك هي المرة الوحيدة التي سيكون لصوتي فيها جدوى”.
وسخر الباحث من الموقف الأمريكي، قائلاً: “إلاَّ أنَّ المفارقة هي أن واشنطن لم تتلق أي شكر على موقفها المتساهل هذا؛ بل على العكس ندَّد الإسلاميون وأنصار النظام الحالي بما وصفوه بالسياسات الأمريكية “المراوغة”.
وأضاف أنه خلال الأشهر التي عمتها الفوضي قبل الإطاحة بمرسي كان يقوم النشطاء المؤيدون للانقلاب بحرق دُمي على هيئة السفيرة الأمريكية في ذلك الحين آن باترسون بصورة مستمرة؛ على خلفية تواطئها “سرًا ” مع الإخوان؛ لتدمير مصر، ووصف الإسلاميين بـ “ناكري الجميل” أيضًا؛ إذْ أعلن مجدي حسين، رئيس حزب “الاستقلال” ـ العمل سابقًا ـ القيادي بـ “التحالف الوطني لدعم الشرعية” بأنَّ” الأمريكان أيدوا الانقلاب، وهم من أعطوا الإشارة الخضراء لحدوث ذلك”.
وذكر الباحث أنَّ الولايات المتحدة تتعرض للإساءة بكل سهولة من قبل المصريين، “فبالنسبة للنظام فإن فترة من التوبيخ الأمريكي يخدم هدفها في حشد الشعب المصري ضد الإسلاميين، وعلى نحو خاص، فإنَّ السيسي كبقية قادة الجيش المصري، هم قبل أي شيء، نِتاج للتحالف مع الولايات المتحدة بعد انعقاد اتفاقية كامب ديفيد”.
واستدرك “لقد درس السيسي في كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي في 2006، فضلاً عن كونه شخصية مألوفة للقادة العسكريين في الولايات المتحدة ، كما أن وزير الدفاع الأمريكي “تشاك هيجل” على اتصال دائم به منذ يوليو الماضي”.
ورأي الباحث في نهاية مقاله “أنَّه إلى الآن، لا توجد أي مؤشرات علي استجابة السيسي لمُطالبات واشنطن “المهذبة” للعدول عن سياساته المُتشددة، وفي النهاية، فإن حُجة التسامح مع رجل قوي باتت مقنعة على نحو مألوف بشكل “موحش”: ينبغي علي الولايات المتحدة أن توطد صلتها قدر الإمكان بالحليف الذي يتصدي للمُسلحين التابعين لتنظيم القاعدة، ويعزز السلام مع إسرائيل، ويقصي الإسلاميين. تلك الإجراءات تترك واشنطن على مقربة لا تبعث على الارتياح من سياساتها قبل اندلاع ثورة 25 من يناير: تدعم حليفها الديكتاتور. فقط هذه الأيام ، ليس هناك مبارك لأجل التقاط الصور التذكارية لعرضها في البرامج التليفزيونية التي تذاع في وقت الذروة علي شاشات التليفزيون في الولايات المتحدة”.