بانتهاء مؤتمر جنيف 2 انتشرت مقالات عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف حول مستوى أداء وفد النظام سياسياً وإعلامياً. بينما لم يتطرق المعارضون إلى مستوى وفد الائتلاف، وذلك لسببين اثنين، أحدهما عدم تحويل المعركة الإعلامية إلى هجوم على وفد المعارضة، فبد لاً من صرف الحبر في مقارعة الأصدقاء لا بد من التوجه إلى العدو الأول وهو بشار الأسد. بينما لزم كتاب آخرون الصمت في هذه المسألة خشية من التشكيك بنواياهم وأهدافهم.
بالمقابل فإنني أعتقد يقيناً أن انتقاد الأداء الإعلامي أو السياسي لوفد الائتلاف لا يصب إلا في خدمة الثورة، وأعتقد أن من حقنا كمواطنين سوريين أن يمثلنا أشخاص بمستوى الشعب السوري وبمستوى ثورته. ولا يمكن أن نقبل أن يذهب وفد المعارضة إلى جنيف أولاً ثم يتصل بالنشطاء ثانياً ليطلب منهم تزويده بأسماء المعتقلين. فمن يمثل وفد المعارضة إذاً. فمع وجود نصف مليون معتقل في السجون السورية رفعت ريما فليحان وسهير الأتاسي صورة لعبد العزيز الخير في حركة استعراضية – هزلية، دلّت على الفور أن هاتين العضوين لا تعرفان معتقلي الشعب السوري أو ترتيب أهميتهم لدى الشعب. وبالنتيجة فإن أقلامنا موجهة على الدوام لنقد الخطأ والتقصير في أي مكان وتحت أية شروط.
لم يكسب وفد الائتلاف شيئاً ملموساً من مفاوضات جنيف، بل وقع في مطبات خطيرة، لا تكفي هذه المادة لاستيعابها، فكيف يستقدم الائتلاف جهاد بلوط الموالي للنظام كمستشار إعلامي، وكيف حدث هذا ممن يفترض فيه أنه خبير بالسياسة وعليم بأسرارها. ثم ما لبث الوفد أن نزل في فندق رويال السويسري المملوك لرامي مخلوف الذي يدفع ثمن البراميل المتفجرة التي تسقط على رؤوس المدنيين في سوريا. وقد أشارت بعض وسائل الإعلام، أن الفندق كان مجهزاً بآلات تصوير تسجل كل ما يدور من نقاشات الوفد البينية.
الأنكى من ذلك، تعيين السيد لؤي صافي كناطق إعلامي باسمه، ومع تقديرنا لشخصه فقد تفاجأنا باختياره كما تفاجأنا بأن يقبل هو ذلك مع عدم معرفته بالإعلام علماً وممارسة، فهو غير مؤهل لذلك من عدة وجوه. وإن لم يسع أعضاء الوفد لوضع كل متخصص في اختصاصه، فما الفرق بينهم وبين حكومة الأسد. كما سمح الائتلاف لبعض أعضائه بالحديث لوسائل الإعلام دون أي ترتيب مسبق ودون العودة إلى المتخصصين في هذا المجال. ومع عدم وجود أي موقف شخصي من السادة الأعضاء، فمن ذلك الذي سيرحب بكلمات أنس العبدة على سبيل المثال وهو يهدد جبهة النصرة بتكسير رأسها، غير منتبه في الوقت نفسه إلى الزاوية التي التقطت فيها صورته حيث بدا أقرب إلى الصور النمطية لعناصر الأسد.
من الواضح أن الوفد غير مؤهل إعلامياً ولا حتى بالحد الأدنى ومن الواضح أنهم لم يسمعوا بطرق التصوير والجلوس و الحديث واختيار الألفاظ. وقد لاحظ المتابعون على الفور أن وفد شبيحة الأسد كان يستخدم عبارة “وفد الجمهورية العربية السورية” في وصف نفسه، بينما يقول عن وفد الائتلاف “الطرف الآخر” بينما كان يعيد السيد لؤي صافي والحافظ وغيرهم عبارة “وفد النظام” بمناسبة ودون مناسبة.
وقع الائتلاف في فخ كبير، وقد لاحظنا ذلك منذ أن أعلن الجربا أن لديه ضمانات من الدول الكبرى بتنحية الأسد، فجُرّ الائتلاف إلى جنيف وبدأت المماطلة، وهذه جولاتها قد انتهت دون أي تقدم. وقد استطاع وفد نظام الأسد أن يفرض على الائتلاف مناقشة الأفكار التي أرادها بينما وقع وفد المعارضة بمشكلة عدم القدرة على الانسحاب من الجولات القادمة، إذ نصت الاتفاقات الدولية على أن المنسحب من المفاوضات سيكون سبب فشلها أمام مجلس الأمن. وهكذا يجد الوفد نفسه اليوم غير قادر على الانسحاب وغير قادر على التقدم.
لقد أدركنا ذلك مبكراً ولقد دلنا عليه أن الائتلاف وافق على الذهاب إلى جنيف دون أي تقدم على الأرض ودون دعم مقنع من الشعب السوري، خاصة وأنه تنازل بسهولة شديدة عن الشروط التي كان قد وضعها للذهاب وهي وقف القصف بالبراميل وفتح ممرات إنسانية وإطلاق المعتقلين.
لا يزال أمام الائتلاف فرصة هامّة، وهي أن يتجرد من المصالح الشخصية تماماً وأن يفهم أن صرف الجهد للداخل خير من صرفه على الجري خلف سراب المجتمع الدولي ووعوده الزائفة.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا