الصعود السريع لوزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي من أدغال البيروقراطية العسكرية إلى أن أصبح رمزاً وطنياً، يعكس الحالة المزاجية للشعب المصري الذي يرغب في الاستقرار عن طريق وصول رجل قوي إلى سدة الحكم، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من الاضطرابات السياسية المستمرة. لكن هذا الظهور المفاجئ يعكس كذلك تقلب الحالة المزاجية لدى المصريين: فالسيسي يمثل اختلافاً أيديولوجياً بمائة وثمانين درجة عن زعيم جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي، الذي انتخب من قبل المصريين رئيساً للبلاد قبل أقل من عامين ومن ثم أُطيح به بعد مرور 12 شهراً. لذا لا ينبغي أن يفاجأ المرء إذا تراجعت شعبية السيسي بسرعة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية ومواجهة مصر مرة أخرى احتجاجات واسعة. (وليس من المفيد أنه ليس لدى السيسي، مثله مثل كل شخصية سياسية مصرية أخرى تقريباً، أي إجابات واضحة لمشاكل البلاد الاقتصادية الهامة، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، والسياسات الإقصائية في الدولة).
بيد، لا يعني ذلك أن السيسي سوف يواجه نفس مصير مرسي. فحتى لو واجه السيسي انتفاضة، هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأنه سيكون أكثر قدرة على الاستمرار في الحكم من سابقيه المعزولين، فضلاً عن أنه سيكون أكثر قدرة على البقاء من المرشحين المحتملين الآخرين للرئاسة في مصر.
وعلى الرغم من أن شعبية السيسي تنبع من دوره العام في الإطاحة بمرسي في 3 تموز/يوليو، إلا أن وضعه كـ “رجل دولة” هو الذي جعل رئاسته أمراً هاماً في أعين العديد من المصريين. وباستثناء مرسي، فإن كل رئيس دولة منذ ثورة “الضباط الأحرار” في عام 1952 قد وصل إلى سدة الحكم إما من الجيش أو الهيئة القضائية، وأولئك الذين أيدوا الانقلاب المصحوب بانتفاضة شعبية في الصيف الماضي يعزون فشل مرسي في الغالب كرئيس إلى حقيقة أنه “رجل «الجماعة»” (أي «الإخوان المسلمين»). ومع ارتفاع وتيرة العنف في الوقت الحالي، بما في ذلك زيادة الهجمات الإرهابية من قبل الجهاديين المتمركزين في سيناء والحملة التي تدعمها جماعة «الإخوان» لاغتيال مسؤولين في الشرطة، فإن الشعب يدعو إلى ظهور “رجل دولة” لاستعادة النظام.
لكن حتى إن كان العديد من المصريين يفضلون القادة ممن هم “رجال دولة”، إلا أن دعمهم للقادة العسكريين ليس ثابتاً. فوفقاً لاستطلاع للرأي أجراه مركز “بصيرة” في آذار/مارس الماضي، أراد 3 في المئة فقط من المصريين أن يكون “وزير الدفاع أو رجل عسكري آخر” رئيساً لهم، حتى مع تراجع التأييد الشعبي لمرسي بصورة حادة. ربما تكون صورة السيسي قائمة على أجواء احتفالية، لكن الدعم الذي يحظى به هو سطحي. فقد أشار أحد استطلاعات الرأي الأخيرة الذي أجراه “مركز ابن خلدون”، وهو مؤسسة بحثية مركزها في القاهرة، أن الدعم الشعبي لترشيح السيسي للرئاسة يصل إلى 54.7 في المئة – وهي نسبة ليست عالية بشكل كبير، نظراً لعدم وجود منافسين آخرين يتمتعون بالموثوقية أثناء إجراء الاستطلاع. ونظراً للتحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية الكبيرة التي ستواجه سيسي إذا ما أصبح رئيساً، فإن المظاهرات الصغيرة المناهضة للجيش التي نشهدها اليوم ربما تصبح مظاهرات جماهيرية حاشدة في الغد.
ويميل المرء إلى التفكير بأن هذه الاحتجاجات يمكن أن تهدد سيطرة السيسي على السلطة، مثلما أطاحت في النهاية بالرئيس المصري السابق حسني مبارك وخليفته مرسي. لكن الاحتجاجات الجماهيرية وحدها لم تكن كافية للإطاحة بهذين الرجلين من الحكم. فكلاهما قد يكونا قد تمكنا من البقاء في السلطة لو لم تكن لمؤسسات الدولة الهامة أسبابها الضيقة الخاصة بها للوقوف إلى جانب المحتجين. ففي 2011، وجد كبار الضباط في مصر أن الانتفاضة المناهضة لمبارك مفيدة لمنع رجل لم تثق به – نجل الدكتاتور، جمال مبارك، الذي ليس لديه خلفية عسكرية – من وراثة الحكم عن أبيه. ومرة أخرى في عام 2013، شاركت مجموعة واسعة من مؤسسات الدولة – لا سيما وزارة الداخلية والهيئة القضائية – بشكل نشط في المظاهرات المناهضة لمرسي، لأنها كانت تخشى من محاولات مرسي لـ “«أخونتها»”. وأثار ذلك احتمال انهيار الدولة الأمر الذي دفع إلى تدخل الجيش بعد أربعة أيام فقط من بدء الاحتجاجات.
وعلى النقيض من ذلك، ستكون مؤسسات الدولة أقل رغبة في الاستجابة للاحتجاجات الجماهيرية بعزل السيسي، وذلك لسببين. أولاً، تتوحد الشرطة والهيئة القضائية في رؤية رئاسة السيسي المحتملة بمثابة حصن ضد جماعة «الإخوان» وخط للدفاع الأول ضد أي مسعى لـ «الجماعة» للانتقام عقب الانقلاب. وخلال احتفالية بعيد الشرطة في كانون الثاني/يناير حضرها السيسي، أعرب وزير الداخلية محمد إبراهيم عن دعمه القوي للسيسي بالثناء عليه قائلاً إنه “قائد فريد ومنقطع النظير وثاقب الرؤية وحكيم” دعّم قوات الأمن في جهودها لإرساء الاستقرار، ومحاربة الإرهاب، والحفاظ على أمن مصر. وسوف يعزز دستور مصر الجديد، الذي يمنح سلطة غير مسبوقة للشرطة والهيئة القضائية والجيش، من التزام هذه المؤسسات تجاه نظام يرأسه السيسي، وقد قضى وزير الدفاع الكثير من الأشهر السبعة الماضية للتواصل مع رجال الدين وقادة الأجهزة الأمنية ومد اليد إليهم لضمان استمرار دعمهم.
ثانياً، تقل احتمالية تحرك قادة الجيش والمخابرات الحاليين في مصر ضد نظام يرأسه السيسي مقارنة بما كان عليه الوضع في الحكومات التي ترأسها مبارك والسيسي. إذ يرى العديد من هؤلاء الضباط أن السيسي نظيراً لهم: فهو ينتمي إلى نفس جيلهم، كمعظم أعضاء “المجلس الأعلى للقوات المسلحة”، كما أن علاقاته الشخصية مع العديد من رموز “المجلس الأعلى” الأكثر نفوذاً تعود إلى عقود مضت. على سبيل المثال عمل السيسي مع خليفته المحتمل في منصب وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش صدقي صبحي، منذ التحاق كل منهما بالأكاديمية العسكرية في مصر في سبعينيات القرن الماضي. وقد بدأ صبحي، شأنه شأن السيسي، حياته العسكرية كضابط مشاة، وواصل دراساته العليا في “كلية القيادة والأركان المصرية”، والتحق بـ “أكاديمية ناصر العسكرية العليا”، وأكمل زمالة في “الكلية الحربية التابعة للجيش الأمريكي”، في ولاية بنسلفانيا. وفي غضون ذلك، فإن الكثير من القيادة العسكرية الحالية في مصر التي هي أقل من صبحي في التسلسل العسكري تتكون من جنرالات تم تعيينهم بعد فترة وجيزة من تولي السيسي منصب وزير الدفاع في آب/أغسطس 2012.
وعلى نحو مماثل، يشغل الحلفاء الشخصيين للسيسي مناصب عليا داخل مجتمع الاستخبارات الذي يتمتع بنفوذ في مصر. فمدير “إدارة المخابرات الحربية والإستطلاع “، محمود حجازي، هو زميل دراسة سابق للسيسي في الأكاديمية العسكرية وزميل له في سلاح المشاة، وابنته متزوجة من ابن السيسي. بالإضافة إلى ذلك، تفيد التقارير أن مدير “جهاز المخابرات العامة” القوي في مصر، محمد فريد التهامي، كان مرشد السيسي أثناء فترة عمل الأخير في “إدارة المخابرات الحربية والإستطلاع”، كما أن سمعة التهامي كمتشدد ضد الإسلاميين تجعل من غير المرجح على وجه الخصوص أن يتحرك ضد السيسي في حالة وقوع انتفاضة.
وبطبيعة الحال فإن هذه العلاقات لن تمنع الاضطرابات المستقبلية، لأن تأثيرها محدود على قدرة السيسي على إصلاح الاقتصاد المصري المترنح. ورغم بعض الاتجاهات الإيجابية والتدفقات النقدية الضخمة من دول الخليج، إلا أن التوقعات الاقتصادية لمصر قاتمة. فـ “صندوق النقد الدولي” يتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري بمعدل 2.8 في المئة في عام 2014، وهو أقل من معدل الـ 5 في المئة المطلوب للحد من معدلات البطالة المستشرية بين صفوف الشباب. إن سياسة التحفيز للحكومة المؤقتة، فضلاً عن عدم وجود إيرادات من السياحة، سوف تعمل على استنزاف الاحتياطات النقدية المصرية، التي انخفضت من 18.9 مليار دولار في آب/أغسطس إلى 17.1 مليار دولار الشهر الماضي، كما أن أي تراجعات في المستقبل يمكنها أن تضعف قدرة الحكومة على شراء الوقود الذي تبيعه للجمهور بأسعار مدعومة بشكل كبير. كما أن انقطاع الكهرباء المستمر وطوابير الانتظار الطويلة في محطات الوقود التي انتشرت في عهد مرسي قد تعود في عهد السيسي، الأمر الذي سيثير غضب الجمهور ويوسع الدعم للاحتجاجات. ولكن من المرجح أن تنسجم وجهات نظر مؤسسات الدولة الرئيسية مع تلك التي يعبر عنها الرئيس الجديد، لأن تكلفة نجاح أي انتفاضة أخرى سوف تهدد استقلالية هذه المؤسسات وتفسح المجال لعودة «الإخوان المسلمين».
لذا ففي الوقت الذي قد يكون فيه السيسي أكثر تحصيناً ضد الانقلابات من سابقيه، إلا أن ذلك لا يشير إلى أن مصر ستشهد استقراراً في عهده. وعلى النقيض من ذلك، فإن حقيقة توجه مؤسسات الدولة المصرية نحو دعم السيسي بدلاً من المتظاهرين ستزيد من احتمالية القمع الوحشي للانتفاضات المستقبلية. وإذا كان الرئيس المستقبلي السيسي يرغب في تجنب هذا السيناريو، فليس أمامه سوى خيار واحد: وضع جدول سياسي يعالج بنجاح الصعوبات الاقتصادية والسياسية المتفشية بين المصريين. ومع ذلك، يشير التاريخ الحديث إلى أنه لن تمر فترة طويلة قبل أن ينفد صبر المصريين. ربما يكون الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يتصادم “رجال الدولة” مع أبناء شعبهم.
إريك تراجر هو زميل واغنر في معهد واشنطن. جلعاد وينيغ هو مساعد أبحاث في برنامج السياسة العربية في المعهد.