في العشرين من شباط/فبراير، لقي شرطيان سعوديان مصرعهما وأصيب اثنان آخران بجروح في تبادل لإطلاق النار أثناء محاولتهما اعتقال “مثيري شغب مسلحين” في بلدة العوامية في المحافظة الشرقية. كما لقي شيعيان مصرعهما خلال ظروف مريبة، حيث قال نشطاء المعارضة إنهما كانا غير مسلحين، وذكروا أن أحدهما شخص يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً أُصيب إحدى عشرة مرة بطلقات نارية أثناء هروبه، والآخر كان مصوراً محلياً لقي حتفه بينما كان يقوم بتوثيق تلك المداهمة.
وتقع بلدة العوامية بالقرب من مدينة القطيف الساحلية، والتي تقع بدورها عبر الخليج من ميناء رأس تنورة، أكبر مرفأ لتصدير النفط في العالم. وعلى الرغم من أن السُّنة يشكلون ما يقرب من 90 في المئة من سكان المملكة، إلا أن معظم المقيمين في هذه المنطقة هم من الشيعة الذين يشعرون بحرمان اقتصادي وسياسي منذ فترة طويلة – مثلهم مثل الكثير من الغالبية الشيعية في البحرين، الجزيرة المجاورة التي دمرتها المظاهرات والاشتباكات على مدى السنوات الثلاث الماضية. وفي الشهر الماضي، تعرض دبلوماسيان ألمانيان لإطلاق النار أثناء زيارتهما للعوامية كما تم حرق سيارتهما؛ وقد جرى تفسير ذلك الحادث بشكل عام بمثابة تحذير من قبل قوات الأمن السعودية للدبلوماسيين الأجانب من التدخل في شؤون المملكة.
إن الاضطرابات في المنطقة الشيعية في المملكة العربية السعودية تجمع بين مَصْدري القلق الرئيسيين في السياسة الخارجية للملك عبد الله البالغ من العمر تسعين عاماً. فمن جهة، يخشى العاهل السعودي من المقاربة الدبلوماسية الواضحة بين إيران الشيعية وواشنطن، والتي قد تترك طهران وبحوزتها الكثير من قدراتها النووية المحتملة دون أي تأثير يُذكر. ومن جهة أخرى يدعم الملك الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، حيث يرى أن تغيير النظام في دمشق يمثل انتكاسة استراتيجية لإيران. كما منح العاهل السعودي عبد الله رئيس مخابراته – الأمير بندر بن سلطان، السفير السابق لدى واشنطن الذي شغل منصبه لفترة طويلة – دوراً رائداً في سَن هذه السياسات، ولكن اتضح في الأيام الأخيرة أنه قد جرى تهميش الأمير.
وقد تولى مسؤوليات بندر المتعلقة بسوريا، ابن عمه الأمير محمد بن نايف. ويشغل بن نايف منصب وزير الداخلية، الذي يعادل في مصطلحات الوظائف السعودية منصبي رئيس الأمن الداخلي ورئيس “مكتب التحقيقات الفيدرالي” في الولايات المتحدة. وقد كان في واشنطن في الأسبوع الثاني من شباط/فبراير لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين الأمريكيين، وانضم أيضاً إلى اجتماع سري عُقد بين قادة الاستخبارات من تركيا وقطر وفرنسا ودول أخرى لمناقشة مسألة سوريا. وقد تمخض عن الاجتماع على ما يبدو سياسة مشتركة تقوم على فرز الجماعات الثورية من أجل تقديم المساعدات إليها مع استبعاد الجهاديين المتطرفين، رغم أن الخلافات تظل قائمة حول نوعية الأسلحة التي سيتم تقديمها وأبرزها “أنظمة الدفاع الجوي المحمولة”. ووفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”، سوف يتلقى محمد بن نايف مساعدة قوية في منصبه الجديد من الأمير متعب بن عبد الله، الإبن الأقدم للملك ورئيس “الحرس الوطني”، القوة شبه العسكرية الأكبر وربما الأكثر كفاءة في المملكة.
بيد أنه من غير المؤكد ما إذا كانت تلك التغييرات تشير إلى أي تحول جوهري في السياسة السعودية. ويرجح أن يكون عزل بندر، الذي لم يتم الإعلان عنه رسمياً، راجعاً إلى أسباب صحية. فقد تحدث كُتّاب السير الذاتية السابقين الذين كانت تربطهم به علاقات وثيقة عن إمكانية تعرضه للاكتئاب ومشاكل أخرى مرتبطة بتناول الكحول. فعندما قدّم تقرير إحاطة إلى السيناتور بوب كروكر (جمهوري من وبلاية تينسي) في كانون الأول/ديسمبر، وكان ذلك في وقت متأخر من الليل ودام ثلاث ساعات، كان يتكئ على عصا. ويسود اعتقاد كذلك بأن بندر فضل تجنيد المتطرفين الجهاديين – الذين غالباً ما يعتبرون المقاتلين الأكثر فعالية ضد الأسد – وشعر بالإحباط إزاء تردد السياسة الأمريكية تجاه سوريا، حيث رفض عدة مرات لقاء رئيس “وكالة المخابرات المركزية” جون برينان عندما قام الأخير بزيارة السعودية.
ومن بين التغيرات في السياسة السعودية صدور قرار الشهر الماضي يحظر على المواطنين السفر إلى الخارج للقيام بالأعمال الجهادية أو تقديم الدعم المالي وغيره لمثل هذه الأنشطة. ولا يزال المحللون يعكفون على تحليل أهمية هذا التغيير، لا سيما وأن تأييد تلك الأنشطة كان سياسة سعودية شبه رسمية على مدار عقود في أفغانستان والشيشان والبوسنة، وحتى بعد التبعات السلبية مثل ظهور تنظيم «القاعدة» ورموز مثل أسامة بن لادن.
إن التفسير المتفائل للتغيرات الأخيرة هو أنه يجري العمل على رأب الفجوة السياسية المعلنة بين الرياض وواشنطن. ويشتهر محمد بن نايف بكفاءته – وتشمل إنجازاته إنشاء مركز لاجتثاث التطرف للعمل مع الجهاديين السعوديين العائدين إلى البلاد – ويقال إنه يجيد العمل مع نظرائه الأمريكيين. كما أنه يعتبر محظوظاً، حيث نجا من محاولة احتضانه من قبل متفجر انتحاري كان يتظاهر بالاستسلام. وفي حين أن سمعة والد محمد بن نايف الراحل قد أصبحت مخيفة خلال فترة عمله كوزير للداخلية، إلا أن هناك شك بشأن صلابة نجله وقسوته في التعامل مع التهديدات الأمنية، التي تعتبر ضرورية لكسب الاحترام.
ينبغي أن تكون المصادمات في العوامية بمثابة رسالة تنبيه لواشنطن بأن السعودية ترى التهديدات الأمنية التي تواجهها جزءً من سلسلة متواصلة وليست حدثاً منفصلاً. ويمكن أن يؤدي تغيير القيادة في الجهاز الأمني والاستخباراتي إلي التخفيف من حدة الخلافات بشأن بعض القضايا التي سيناقشها الرئيس أوباما والملك عبد الله عندما يلتقيان في أواخر آذار/مارس، لكن لا تزال هناك فجوات قائمة بشأن الضرورة الملحة للمشكلة السورية ووسائل التعامل معها.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.