نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤولين أمريكيين قولهم إنهم لم يقتربوا من ضرب نظام بشار الأسد على الرغم من إعادة تقدير الموقف من تسليح المعارضة والاجتماعات التي عُقدت في الآونة الأخيرة بين القيادات الأمنية في دول الجوار من سوريا.
واستبعد مسؤول أمريكي بارز عمليات جوية أمريكية، مشيرا إلى أن هذه تظل خيارات “ولكننا لا نرى فيها خيارات تغير الواقع على الأرض لنبرر المخاطر التي تنتج من اتخاذها”.
وفي الوقت نفسه، يقول التقرير، لم تتم الموافقة على المقترح السعودي الذي يطالب بتزويد المقاتلين بصواريخ محمولة على الكتف والمضادة للطائرات “مانباد”، ولكن الإدارة الأمريكية وافقت على أن تظل الجبهة الجنوبية منطقة تدفق الأسلحة التي ترسلها السعودية، فيما يجري العمل على خطط لفتح معابر أسلحة عبر تركيا.
وقالت الصحيفة إن ما جرى في واشنطن الأسبوع الماضي كان تحولا في طريقة التعاون والتنسيق وليس تغييرا في سياسة إدارة باراك أوباما من الملف السوري حيث نفى مسؤولون بارزون التقارير التي تحدثت عن تغييرات جوهرية في موقف الإدارة، والتي نجمت عن تصريحات نقلت عن وزير الخارجية جون كيري بعد فشل مؤتمر جنيف، وأكد المسؤولون أن ما حدث هو “تغيير في التركيز وليس في السياسة”.
وما حدث في الحقيقة على صعيد السياسة الأمريكية هو اتفاق الولايات المتحدة وحلفائها العرب والأوروبيين على طريقة موحدة لتقديم الدعم العسكري للجماعات السورية المعارضة من خلال تصنيفهم لثلاث فئات، من يستحقون الدعم العسكري والمساعدات الأخرى، وتلك الجماعات التي لا تستحق الدعم بسبب علاقاتها مع الجماعات المتطرفة، أما الصنف الثالث، فيضم الجماعات التي يحتاج دعمها لمناقشة أوسع، حسبما قال مسؤولون أمريكيون نقلت عنهم الصحيفة.
وتشمل المبادرة إلى جانب هذا، زيادة شحنات الأسلحة للمقاتلين والدعم الإستخباري والخطط العسكرية.
وكانت هذه حصيلة مناقشات جرت بين مسؤولي الاستخبارات في واشنطن الأسبوع الماضي وحضرها مسؤلون من السعودية وتركيا وقطر والأردن. وتقول الصحيفة إن المبادرة الجديدة تهدف للتغلب على مشاكل التباينات بين الحكومات، والتي انقسمت بشكل كبير فيما بينها حول دعم الفصائل المعارضة.
وتعلق الصحيفة أن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول الدول الداعمة جمع وتوحيد جهود الدعم منذ بدء الحرب الأهلية السورية، فقد اختلفت تركيا وقطر والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة فيما بينها حول الطريقة المثلى لتعزيز قوة المعارضة التي تقاتل نظام بشار الأسد.
ولاحظ عدد من ممثلي الحكومات العربية والأوروبية حضروا الاجتماع الإستخباري ولقاءات على مستوى عال داخل الإدارة الأمريكية، تحولا في موقف واشنطن وتوجها قويا نحو سوريا.
وتضيف الصحيفة أن حس التعاون مرتبط بتغييرات وعوامل أخرى منها الصراعات داخل صفوف المعارضة، والتي قادت لعملية تقييم والبحث عن الفصائل المعتدلة، حسبما يقول مسؤول أمريكي بارز: “نحاول الاستفادة من الانقسامات التي ظهرت داخل المعارضة”، مشيرا بالتحديد إلى الانقسام بين الدولة الإسلامية في العراق والشام والجماعات الأخرى.
وأضاف: “أعتقد أن هذا ساعدنا لعقد نقاشات ايجابية مع دول الخليج وتركيا وبعض الأوروبيين حول ما يمكن التركيز عليه من المساعدة مع اللاعبين المشتركين”.
ولا يعرف إن كان هذا التقييم سيؤدي لدعم الإدارة الأمريكية جماعات غير الجيش الحر كما تفعل الآن أم إنها تتوقع من الدول الأخرى التوقف عن دعم “المتطرفين”.
ومن العوامل الأخرى التي زادت في الاهتمام الأمريكي هي التقييمات الأمريكية والأوروبية حول مخاطر وآثار امتداد الحرب السورية خارج الحدود، والتقييمات التي تحدثت عن جيل جهادي جديد عابر للحدود يتكون في سوريا، كما ورد في شهادات قادة الأجهزة الأمنية الأمريكية الشهر الماضي أمام الكونغرس.
ويضاف إلى هذه المخاطر الأمنية الكارثة الإنسانية التي أثرت كما يقول الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على نصف سكان سوريا. ويظل العامل الأهم والأخير في تقييم الإدارة للمدخل حول سوريا هو فشل محادثات جنيف؟
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الخطط تتضمن زيادة مستويات التدريب للمقاتلين بعد التحقق من هوية المقاتلين، وزيادة شحنات الأسلحة. وستظل السعودية مسؤولة عن الجبهة الجنوبية، وتؤمن الرياض للمعارضة قاذفات صواريخ وقدرات مضادة للطائرات ورشاشات وسيارات مصفحة وأسلحة خفيفة وذخائر.
وأفاد مسؤولون أمريكيون أنه ليس ثمة خطط الآن لتسليم برنامج التدريب والتسليح الذي تشرف عليه الاستخبارات الأمريكية سي أي إيه- للجيش الأمريكي.
ويقوم الأمريكيون بتطوير خطط وفتح خطوط إمدادات قوية في شمال تركيا تكون تحت إشراف صارم، حيث تقوم الجماعات المعتدلة بمواجهة المتطرفين من الدولة الإسلامية في العراق والشام.
ورغم كل هذه التطورات، فإن مسؤولا عربيا قال إن ما يجري اليوم يذكر بما تحدثت عنه الإدارة الأمريكية قبل عامين حيث قال إن هدف الإدارة لا يزال عدم دعم “نصر” للمعارضة ضد الأسد بل تغيير حسابات الأخير.
وتعكس الاجتماعات الأمنية في واشنطن تحولا آخر على صعيد الملف السوري نفسه من داخل المعارضة، حيث استعرضت صحيفة “نيويورك تايمز”، في تقرير لها، عمليات التشكيل والتغير داخل قيادة المعارضة.
ونقلت عن أربعة من قيادات الجيش الحر الذي حضروا مؤتمر جنيف-2 الذي فشل الأسبوع الماضي، وقالوا إنهم حضروا من أجل إظهار أن النظام هو الذي لا يريد التوصل إلى حل، وأكدوا أنهم يمثلون قطاعا في داخل المقاتلين.
ووصفت الصحيفة لقاءها معهم في بهو فندق إنتركونتننتال في جنيف أنهم يأملون بتمثيل مستقبل الائتلاف وحلفائه العسكريين الذين يعولون على الولايات المتحدة في تقديم دعم عسكري لهم. وتقول إن الائتلاف يقوم بإجراء عملية إعادة تنظيم من أجل وضع الفصائل المقاتلة تحت قيادة واحدة، وهو أمر جُرَب في السابق من دون أي نجاح.
وأكدت القيادات الأربع أنها حضرت جنيف لتثبت أن الائتلاف الوطني ليس منفصما بالكامل عن المقاتلين على الأرض. ذلك أن الدول الغربية ترددت في دعم المعارضة السورية بالأسلحة خشية وقوعها في يد جماعات تراها “متطرفة”، خاصة وأن هذه وكثيرا غيرها لم تعترف بشرعية الائتلاف الوطني ولا مؤتمر جنيف.
ومع ذلك، يؤكد القادة العسكريون أنهم وقواتهم لا يزالون يمثلون قوة يحسب لها حساب رغم أنهم يمثلون قوى علمانية، ولهذا السبب يقولون إن الوقت قد حان كي تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتقديم دعم عسكري جيد لهم وتوفير أسلحة تنقصهم لمواصلة حربهم ضد نظام بشار الأسد. ويرون أن الدعم العسكري مهم لأن النظام لن يقدم أي تنازلات وليس جادا في الحوار. وبحسب عرفات حمود، أحد قادة الثوار: “نحن مقتنعون أن النظام لن يتخلى عن أي شيء”، مضيفا: “لكننا نريد إظهار أن من يقف ضد الحل السياسي هو النظام، ونريد من العالم أن يعرف أن الوقت قد حان لتحمل مسؤولياته”.
وعبر أعضاء الائتلاف عن تعهدهم بمواصلة الحملة للإطاحة بالأسد بدعم أو من دون دعم أمريكي، حيث يقولون إن مصيرهم يعتمد على حملتهم العسكرية، وإسكات أو هزيمة الفصائل المتشددة الأخرى وإقناع الذين يتفرجون على المأساة السورية أنهم يمثلون قوة عسكرية مهمة ذات رؤية شاملة لا تهدد مستقبل سوريا.
وقالت الصحيفة إن عملية إعادة تنظيم صفوف المعارضة المسلحة تهدف لتحويل وزير الدفاع المؤقت إلى مركز قيادة حقيقي تنقل منه الأسلحة، حيث عُزل رئيس هيئة أركان الجيش الحر، اللواء سليم إدريس. ويعقد الائتلاف آماله الآن على فصيل حمود، والذي يتشكل من مجموعة من مقاتلي الجيش الحر تم تنظيمهم تحت جبهة ثوار سوريا.
ويقول أعضاء الائتلاف إنهم تلقوا أموالا وكميات أسلحة مهمة من السعودية لمساعدتهم على تغيير ميزان القوة لصالحهم وأخذ زمام المبادرة من الجماعات “المتطرفة”.
ويقود تنظيم جبهة ثوار سوريا، العقيد جمال معروف وله علاقة وثيقة مع العميد عبد الإله البشير الذي حل محل إدريس.
ويزعم قادة الجبهة أنهم يقودون تحت لوائهم 40 ألف مقاتل معظمهم في مناطق الشمال السوري مع أن قوة الجبهة على الأرض يصعب تقييمها.
ويواجه الائتلاف الوطني والفصائل العسكرية العاملة معه سلسلة من التحديات أهمها محاولات النظام عقد تحالفات محلية مع قيادات المناطق المحاصرة، بالإضافة لاستمرار حملة القصف الجوي ورمي البراميل المتفجرة على المدنيين.
ويأمل النظام من خلال هذه الإستراتيجية سحق جماعات وعقد مصالحة مع أخرى بدون أن يضطر، أي النظام لتقديم تنازلات سياسية.
ولا تزال الإدارة الأمريكية مترددة في تقديم أسلحة ثقيلة وصواريخ أرض- جو للمقاتلين مع أن السعودية تتحرك باتجاه تزويد المقاتلين بها، ولا يعرف في الوقت نفسه أثر عزل إدريس على موقف الولايات المتحدة.
وفي النهاية تقول الصحيفة إن المجموعة التي حضرت محادثات جنيف ليست إلا جزءا صغيرا من المعارضة المسلحة التي تسيطر عليها الفصائل الإسلامية، مثل الجبهة الإسلامية التي يعتقد أن لديها عدد أكبر من المقاتلين ويتعاون بعض أفرادها مع جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة.