اعتقد مخططو الانقلاب في ليبيا بأنهم قادرون على استغلال مناسبة الذكرى الثالثة لإسقاط نظام معمر القذافي لصالحهم. هذا ما حصل في مصر، فلماذا لا يتحقق في ليبيا؟
كانت الأيام السبع الماضية حافلة بأحداث مثيرة في ليبيا، حيث أعلن ضابط كبير في الجيش الليبي، كانت له ارتباطات استمرت ثلاثة عقود بوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، عن انقلاب عسكري وتعليق البرلمان.
وأمهلت كتيبتان من الزنتان مدججتان بالسلاح البرلمان خمس ساعات لتسليم سلطاته، ولكن تم تمديد الموعد النهائي لمساء الجمعة، لينحسر بعدها التهديد ولكن بعد أن ازدحمت شاحنات “البيك اب” في طابور مزودة بمدافع مضادة للطائرات عند دوار بالقرب من مقر المؤتمر الوطني العام (حماية له). لم يحدث شيء. ولن يُعاتبك أحد إذا استنتجت أن ما حصل أمر عادي تكرر حدوثه في طرابلس.
لكنه لم يكن كذلك، هذه المرة. على الأقل ليس بالنسبة لأولئك الذين حاولوا متابعة تفاصيل هذه الأحداث. ولمعرفة من كانوا في حاجة إلى استيلاء الجيش على السلطة في ليبيا، فإن عليك العودة إلى 23 يوليو من العام الماضي.
بعد أسابيع قليلة من الانقلاب في مصر الذي أطاحت بالرئيس السابق محمد مرسي، تحدث توفيق عكاشة، مقدم التلفزيون يعتبر لسان حال المخابرات، عن الحاجة لتدخلين عسكريين عاجلين في غزة وشرق ليبيا للقضاء على “الإرهابيين”. غير أن قلة في ذلك الوقت أخذت تحريضه على محمل الجد.
قبل بضعة أسابيع، بدأت الأرضية تتهيأ بمقابلات أجراها التلفزيون المصري مع ضابط كبير في الجيش الليبي، اللواء خليفة خفتر، ومحمود جبريل، الذي شغل منصب رئيس الوزراء المؤقت لسبعة أشهر ونصف وكان يوما ما وزيرا للتخطيط في حكم العقيد القذافي. وقد انتقد بشدة قانون العزلة السياسي الصادر من البرلمان، والذي يمنع مسؤولي السابق، من أمثاله، شغل مناصب حكومية في العهد الجديد.
في الأسبوع الماضي، أعلن خفتر في فيديو مسجل أن القيادة الوطنية للجيش الليبي أطلقت حركة تصحيح بخارطة طريق جديدة.
وظهر سحر الأماني لولا الموقف الغاضب للبرلماني الليبي الذي أعلن عن إجراء انتخابات تشريعية في الربيع، وكان هذا بمثابة الحقيقة التي حطمت الأمنية. ظن مخططو الانقلاب بأنهم قادرون على استغلال مناسبة الذكرى الثالثة لإسقاط نظام معمر القذافي لصالحهم. هذا ما جرى في مصر، فلماذا لا يتحقق في ليبيا؟
ولكن من هم (المخططون للانقلاب)؟ أشار البيان الذي نُشر في الفيسبوك باسم “غرفة عمليات الثوار”، والتي تمثل مجموعة من الكتائب الإسلامية، بأصابع الاتهام إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث زعموا أن الإمارات أنشأت “خليتين أمنيتين”، واحدة لإسقاط البرلمان الليبي والثانية في عمان (الأردن)، لتنسيق التغطية الإعلامية.
ليبيا أصبحت أكثر قليلا من مجموعة دويلات (في كل مدينة دولة) تعج بنظريات المؤامرة. وبلغت حالة الفوضى اليومية فيها أن أفرادا في إحدى الكتائب المسلحة المكلفة بحماية المطار بنغازي قرروا يوم الاثنين إقفال المدرج، لأنهم لم يحصلوا على رواتبهم لعدة أشهر. ولكن، هذا لا يعني أنه لا وجود للمؤامرات نفسها.
ذلك أنه لدى مصر ومموليها في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الدوافع والأسباب ما يُغري بإقامة نظام صديق في ليبيا الغنية بالنفط. فمصر تستنزف المال الذي يتدفق عليها من دول الخليج، ومشكلة الوقود تلوح في الأفق، حيث يتوقع الخبراء أن يتجاوز استهلاك والطلب على الغاز الطبيعي الكميات المتوفرة في يوليو القادم.
ورغم أن المساعدات الاقتصادية من الخليج تتضمن 4 مليار دولار من المنتجات النفطية، إلا “الديزل” الخليجي ليس متوافقا مع المصانع التي تعمل بالغاز في مصر. وبالتالي، فإن الحقول النفطية القريبة من حالة الخمول في ليبيا، تشكل مصدرا بديلا مغريا من النفط.
ولم تكن صدمة الأسبوع الكبيرة محاولة انقلاب العسكري، وإنما عن حقيقة أن مدبري الانقلاب استغلوا كافة الذرائع المواتية: السخط الشعبي العام في الذكرى السنوية الثالثة للثورة، برلمان مختل ومنقسم، والمليشيات العسكرية التي ترفض حل نفسها، ومع كل ذلك، فإن شيئا لم يحدث.
والأحداث في ليبيا هذا الأسبوع ليست سوى آخر حلقة من سلسلة الإخفاقات لولي عهد الإمارات، الأمير محمد بن زايد، الذي اتهمه بيان “غرفة العمليات” بإدارة “الخلية الأمنية” بالتعاون مع ساعده الأيمن، محمد دحلان، القيادي السابق في فتح في قطاع غزة.
لقد صنع بن زايد لنفسه أعداء أقوياء في الخليج. فالشقوق بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بدأت تظهر حول الصفقة بين أمركا وإيران بشأن البرنامج النووي. فبينما شنت السعودية حملة نشطة ضدها، رحبت دولة الإمارات بها.
والملاحظة العابرة التي أثارها محمد بن زايد مع دبلوماسي أمريكي، قبل 11 عاما، تطارده اليوم، فوفقا لبرقية ويكيليكس، ألمح بن زايد من طريقة تلعثم ولي العهد السعودي (السابق) الأمير نايف بن عبدالعزيز، فقال للدبلوماسي الأمريكي “ريتشارد هآس”: “لقد كان داروين محقا”، حين قال بأن الأنواع تتطور من أسفل إلى أعلى، وكان يعني بذلك أن الأمير نايف كان يشبه القرد.
ابنه، محمد بن نايف، لم ينس أو يغفر تلك الإهانة لوالده الراحل.
يشغل اليوم محمد بن نايف منصب وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية، وآلت إليه المهام الأمنية التي كانت في يوم من الأيام من اختصاص الأمير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية، والذي كان جزءاً من محور محمد بن زايد.
محمد بن نايف، وزير الداخلية الحالي، انتزع الملف الأمني من الأمير بندر بن سلطان، رئيس المخابرات السعودية، الذي كان جزءا من محور بن زايد. وعندما التقت أجهزة المخابرات الغربية والعربية في اجتماعات إستراتيجية لمدة يومين في واشنطن، مؤخرا، كان الأمير نايف هو من يمثل المملكة وليس بندر.
كانت إدارة بندر لملف الثوار في سوريا هشة، وبشكل متزايد، ولذلك سُحب منه هذا الملف أيضا، وحولت الانشغالات السياسية التي كانت في عهدة بندر إلى وزير الخارجية السعودي، وصار الأمير بندر بلا حقيبة.
وبأفول نجم بندر، انكشف محمد بن زايد أكثر، وأصبح عرضة للنقد من قبل حكام الإمارات الآخرين، من أمثال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي.
على عكس أبو ظبي، أكبر إمارة، تم بناء الثروة دبي على التجارة وتسويق صورتها الدولية، وليس على النفط. دبي ستخسر إذا فضلت المغامرات الخارجية لمحمد بن زايد في مصر وليبيا وفي اليمن أيضا. وقد أثار تمويل بن زايد للتدخل الفرنسي في مالي أيضا انتقادات.
والتنافس ليس فقط دول الخليج فقط، ولكن داخلها أيضا، ويعني هذا أن مقدر الوضع الراهن في الشرق الأوسط سيكون قصير الأجل.
(هافينغتون بوست)
خدمة العصر