لا أعرف كيف يفكر الشيوخ في بلادنا، أعني من سلطنة عمان إلى الكويت، مرورا بجنات عدن الخليجية جميعها، وبلا استثناء على الإطلاق، فأنت حين تقابل المرء منهم، تجده –غالبا- على درجة عالية من التهذيب والطيبة والتواضع، والذكاء مسألة متفاوتة، وقلة منهم يتمتع بقدرات على التحليل الجاد والخروج باستنتاجات منطقية، ويعود هذا إلى التأثير الكبير لما يتلقاه المرء من أوهام في صغره على شكل حِكَم، غرضها صناعة الشخصية لهذا الشيخ أو ذاك، وهي غالبا تؤدي إلى تدمير قدراته ومنعه من التطور الحقيقي ومراكمة خبراته كما يجب، بالعمل والتجربة، وليس بناء على ما يسمى صناعة الهيبة في عالم الشيوخ، التي تتخذ من التخويف طريقا لها، بدلا عن الهيبة والتقدير المترتب على الإنجاز الحقيقي والشجاعة في التعامل مع الظروف الصعبة، والأهم عملية الاحترام التي كانت قائمة بين مجموع المواطنين وفئة الشيوخ.
الشيوخ الذين نتحدث عنهم هنا تحديدا، هم صناع القرار من الدرجة الأولى، الأشخاص الذين تتأثر حياتنا بطبيعتهم وقدراتهم ومزاياهم وعيوبهم، وليس السواد الأعظم من أبناء الأسر الحاكمة، والذين نحمل لهم كل محبة وتقدير، فالشريحة التي تتولى مفاصل الدولة الخليجية، هي المسؤولة عن كل ما نعيشه في هذه البلدان، ومؤخرا، تجاوزت مسؤولية هذه الشريحة حدود الدولة الواحدة، فثمة أفكار تتعدى الحدود ويتم تعميمها بين الشيوخ، تحت حجة الخطر القادم لهذه الدول ومطالب الحرية والمشاركة الشعبية التي تزدهر بين شعوب المنطقة، ما أنتج لنا مؤخرا الاتفاقية الأمنية الخليجية سيئة الذكر، والتي وجد المختلفون في كل شيء منطقة يتفقون عليها، كيف نواجه هذه الشعوب ونتعاون على قمعها ولجم مطالبها!
لطالما رددنا الكلام حول شعبية هذه الأنظمة الحاكمة وقبولها الواسع على الصعيد الشعبي، وأخشى أن تكون السنوات الأخيرة لمثل هذا الكلام، نتيجة ما تقوم به هذه الأنظمة لشعوبها، واتخاذها الخيار الأمني في إدارة الدولة، فنحن نصر على تأكيد شعبية هذه الإدارات الحاكمة عند طيف شعبي واسع، وهم يصرون على التخويف والتطويع والقمع، ونتذكر جميعا كيف حمل المواطنون في البحرين السيارة التي تقل الملك بأيديهم حفاوة وتقديرا، لما كانت البلاد في وارد عملية الإصلاح السياسي، وكيف تغير الأمر بعد أقل من عشر سنوات نتيجة الخيبة الشعبية من ذلك المشروع، هذا كله يؤكد احتمالية الأمرين، القبول الواسع، والرفض والعصيان كخيار آخر.
هل يستمع الشيوخ إلى أحد من حولهم، إلى الناس وقضاياهم، إلى النخبة التي تسعى للإصلاح دون الدخول في منزلقات التمرد والعصيان، أم أنهم يتنعمون بما يتفضل عليهم «الشبيحة» والمنتفعون من حولهم من تقدير للموقف، وتبيان للأحوال، وشرح للأوضاع؟ هل يجد هؤلاء المتنفذون صعوبة في الالتقاء بأكبر شريحة ممكنة من المواطنين، لقاء الحوار والنقاش والمصارحة، لا لقاءات السلام وتوزيع العطايا، لو نظر الشيوخ من حولهم لوجدوا بيئة مثالية لا يمكن تعويضها، والمشاكل رغم كثرتها فإن حلولها ليست صعبة على الإطلاق، والميزانيات تمنح أصحاب الإرادة الحقيقية هامشا كبيرا للعمل وتحقيق مطالب الناس، لكن لا أحد يريد المبادرة، الكل يشاهد كرة الثلج تكبر يوما بعد يوم، وأوهامهم تكبر معها في القدرة على مواجهة هذه التعقيدات بالحلول الآنية، وبالتطبيل في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأغاني الوطنية التي لم تعد ذات تأثير كبير على أحد.
أعرف أن آمالنا بعملية إصلاح شاملة تتراجع، مؤقتا على الأقل، ولكني أثق أيضا أن ما يتصوره الشيوخ واقعا لا يقبل التغيير، يتراجع أيضا، رغم تشدد الطرفين في رؤية كل منهما للأمور، وربما من الواجب علينا، أقول ربما، الحديث عن الطريق الوسط لعبور هذه المرحلة الدقيقة من عمر المنطقة، وهذا يتوقف على مبادرة يقوم بها الطرف الممسك بزمام الأمور، لو أعاد التفكير جيدا بما يحدث من حوله، ونحن جميعا بالانتظار.
علي الظفيري
*العرب القطرية