في 14 شباط/فبراير التقى الرئيس أوباما مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في رانشو ميراج، كاليفورنيا. وفي العام الذي مضى منذ انعقاد قمتهما السابقة، لقي عشرات الآلاف من السوريين حتفهم فضلاً عن تشريد ما يربو عن 400,000 لاجئ مسجل في الأردن ليصل بذلك إجمالي عدد النازحين عبر الحدود الشمالية إلى ما يقرب من مليون شخص. وعلى الرغم من التدهور الذي تشهده جارتها والزيادة السكانية في المملكة التي بلغت 16 في المئة، إلا أنه من المفارقة أن الأردن هو الآن أكثر استقراراً من الفترة التي تقابلا فيها الزعيمان في آذار/مارس 2013. ومع ذلك، لا يزال اللاجؤون يشكلون تهديداً من المحتمل أن يزداد في المستقبل، لا سيما في ضوء تقدير الرئيس أوباما عندما قال “إننا لا نتوقع حل [الأزمة السورية] في أي وقت على المدى القصير”.
ما الفارق الذي صنعه عام واحد
قبل عام، بدا الوضع قاتماً في الأردن. فقد عانت المملكة عجزاً في الميزانية قدره 30 في المئة فضلاً عن تخفيضها الدعم للمواد الغذائية والطاقة لتلبية متطلبات قرض “صندوق النقد الدولي”، وتقييدها الحريات على الإنترنت. بل والأسوأ من ذلك، تجمع ائتلاف من الإسلاميين وفصائل المعارضة من ذوي الأصول القبلية حول المظاهرات التي اندلعت بسبب فساد القصر المزعوم والحرمان الاقتصادي.
كما أن ظهور “الحراك” – حركة معارضة مكونة من القبائل التي كان أعضاؤها من أنصار الحكم الملكي في الأردن منذ وقت طويل – كان تطوراً جديداً من المحتمل أن يغير قواعد اللعبة. وفي الوقت نفسه، كانت جماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن – التي اكتسبت جرأتها من نجاح «الجماعة» الأم في مصر – تتجاوز يوماً بعد يوم الخطوط الحمراء التقليدية في تحدي القصر.
بيد، عانت المعارضة السياسية أيضاً من مجموعة من الانتكاسات خلال العام الماضي. فبعد الفشل في الضغط على الملك لتغيير القانون الانتخابي غير الملائم، قاطعت جماعة «الإخوان» الانتخابات البرلمانية التي أجريت في كانون الثاني/يناير 2013، جنباً إلى جانب مع الانتخابات المحلية في وقت لاحق من ذلك العام. وفي ضوء غياب مشاركة «الإخوان» في الانتخابات، حصل “الوسط” – وهو حزب إسلامي بديل يُعتقد أنه مدعوم من المخابرات الأردنية – على أكبر كتلة برلمانية.
وفي تموز/يوليو، تم الإطاحة بزعيم حكومة «الإخوان» الرئيس محمد مرسي في مصر من منصبه من قبل الجيش. وترددت أصداء ذلك الانقلاب في الأردن وكان بمثابة عقاب لـ جماعة «الإخوان» فضلاً عن إبراز الانقسامات الموجودة داخل المنظمة.
وفي الوقت نفسه، فإن التعب من الاحتجاجات وتسلل المخابرات وسلسلة الاعتقالات التي نالت قادة المعارضة القبلية وزجهم في السجون لمدد طويلة أثرت سلباً على “الحراك”. ففي أوائل 2013، جذبت مظاهرات الحركة مئات من البدو الغاضبين، ولكن الموقف تغير بشكل كبير في غضون أشهر. وفي تشرين الثاني/نوفمبر على سبيل المثال لم تتعدى مسيرة قامت بها “الحراك” وانطلقت بعد صلاة الجمعة في الطفيلة – وهي مركز للتأجيج القبلي في المملكة – خمسين مشاركاً.
وفي الوقت الذي أصاب الضمور المعارضة السياسية، تحسن الاقتصاد بشكل طفيف، على الأقل على مستوى الاقتصاد الكلي. فقد ساعد قرض “صندوق النقد الدولي” بمبلغ 2 مليار دولار وضمان قرض أمريكي بمبلغ 1,25 مليار دولار على هذا التحسن. وفي حين لا تزال الأردن تواجه مشاكل خطيرة من التضخم وخفض الدعم والبطالة والفساد، أشار بيان صحفي لـ “صندوق النقد الدولي” إلى أن “التعافي الاقتصادي في الأردن يكتسب زخماً يوماً بعد يوم.” كما اتخذت الحكومة أيضاً خطوات لإعطاء انطباع على الأقل بأنها تحارب الفساد. ففي حزيران/يونيو الماضي أعلن رئيس الوزراء عبد الله النسور عن استراتيجية وطنية جديدة لمكافحة الفساد. وهذه التطورات – بالإضافة إلى المخاوف المنتشرة على نطاق واسع بين السكان من حالة عدم الاستقرار في سوريا ومصر – قد أقنعت الشارع الأردني بالرضوخ والانصياع في الوقت الحاضر، الأمر الذي مكّن عمَّان من النجاة من ثورات “الربيع العربي”.
تحديات مستمرة
على الرغم من أن المملكة هي أكثر أماناً واستقراراً من العام الماضي إلا أنها لا تزال تعاني من بعض الصعوبات. فالأردنيون يواصلون شكاواهم بمرارة من الفساد المستشري الذي من الممكن أن يمثل مرة أخرى سبباً مركزياً للاحتجاجات. ففي الشهر الماضي، طالب خمسة عشر عضواً من البرلمان بانعقاد المجلس التشريعي لمناقشة السبب وراء تخفيض “منظمة الشفافية الدولية” لمركز الأردن في “مؤشر مدركات الفساد” لعام 2013 من الثامن والخمسين إلى السادس والستين من أصل 177 دولة شملتها قائمة “المؤشر”.
ومع ذلك، لا تزال آثار الحرب الدائرة في سوريا تمثل تهديداً أكثر خطورة على استقرار المملكة. فإحدى نتائج هذه الحرب هي الزيادة الهائلة للفكر السلفي، حيث تشير تقارير صحفية محلية أن عدة مئات من الجهاديين الأردنيين قد عبروا الحدود للقتال ضد نظام الأسد، وأن عشرات منهم قُتلوا أثناء العمليات العسكرية. وبعد أن تضع الحرب أوزارها سيعود في النهاية العديد من الناجين إلى الأردن كمقاتلين متشددين ويشكلون مخاطر أمنية على الحكومة المعتدلة الموالية للغرب.
ورغم ذلك، فإن الأمر الذي يعتبر أكثر إشكالية هو التأثير الاستراتيجي طويل المدى لتدفق اللاجئين. فالسوريين الوافدين إلى الأراضي الأردنية والذين يبلغ تعدادهم ما يقرب من مليون لاجئ يعملون على إنهاك البنية التحتية المتواضعة للبلاد، لا سيما إمدادات المياه الشحيحة. ومما يفاقم الأمور أن الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين يعيشون في المدن الأردنية، ويتنافسون على السكن والوظائف في سوق عمل ضيق بينما ترتفع معدلات الإيجارات والبطالة وأسعار المواد الغذائية.
لقد كانت المملكة وسكانها أسخياء جداً في استضافة النازحين السوريين ولا تزال كذلك، بيد أن هناك علامات استياء وامتعاض في هذا الشأن. فقد بدأ بعض السكان المحليين في إبداء الحسرة والمرارة من العبء المالي الهائل الموضوع على الأردن التي تعاني من ضائقة مالية، في الوقت الذي يتذمر فيه البعض الآخر من أن المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة للاجئين تفوق شبكة الأمان الاجتماعي الهزيلة التي تقدمها عمَّان للمواطنين الأردنيين. وفي تشرين الثاني/نوفمبر أخبر أحد الأردنيين من أصل قبلي الكاتب قائلاً “إنهم يأخذون الطعام من أفواهنا!”
إن إحدى الحالات المؤسفة ذات الصلة بهذا الموضوع هي مدينة “المفرق” الواقعة في شمال البلاد. ففي عام 2011، كان يقطنها 80,000 شخص، إلا أن أن عدد سكانها قد وصل الآن إلى 200,000 شخص – وارتفعت فيها معدلات الجريمة، ووفقاً لرئيس البلدية لا يوجد أي تمويل إضافي من الدولة. والجانب الأسوأ في ذلك، هو معسكر “الزعتري” القريب – الذي يتسع إلى100,000 لاجئ إضافي – والمشيد فوق مخزون المياه الجوفية لـ “المفرق” والذي يعاني من نظام صرف صحي غير مناسب، الأمر الذي يهدد بتلويث إمدادات المياه الجوفية.
الخاتمة
قد يكون بمقدور الأردن مواجهة هذه التحديات لعام آخر أو عامين. ولكن مع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للأزمة السورية ووجود تقديرات بأنه قد تم تدمير حوالي 30 في المئة من المنازل السورية، فقد يبدو محتوماً على اللاجئين البقاء في الأردن لمدة عقد من الزمن أو أكثر. وإذا ثبَّت هؤلاء السوريون أقدامهم في المملكة، فسوف يؤدي وجودهم إلى تفاقم التوترات الكامنة بلا شك في مجتمع منقسم بالفعل بين الأردنيين من أصل قبلي واللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون نحو 60 في المئة من السكان. ومما يزيد من الأمور تعقيداً أن السوابق التاريخية وإعياء المانحين الواضح تشير إلى أن الدعم المالي الدولي الذي تتلقاه الأردن سيقل تدريجياً في المستقبل.
في أعقاب اجتماع القمة الذي عقد الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس أوباما أنه سيسعى إلى الحصول على مليار دولار إضافية في شكل ضمانات قروض لمساعدة المملكة على الصمود في وجه عاصفة اللاجئين. كما ذكر أنه سيبذل جهوداً لتجديد التعهد الأمريكي بتقديم ما يزيد عن 600 مليون دولار سنوياً كمساعدات اقتصادية وعسكرية. وعند جمع هذا المبلغ المخصص والتمويل التكميلي السنوي التقليدي وتكلفة ضمانات القروض، سيصل التمويل الأمريكي الإجمالي للمملكة في 2013 – 2014 ما يقرب من 2 مليار دولار أو حوالي 300 دولار لكل أردني – أي زيادة قدرها 3 في المئة في نصيب الفرد من “إجمالي الناتج المحلي” سنوياً. بمعنى آخر، يمثل المليار دولار المقدم سنوياً من واشنطن ما يزيد عن 10 في المئة من ميزانية المملكة لعام 2013.
وهذه المساعدات ليست بالقليلة وتتناسب مع الأهمية الاستراتيجية المتزايدة للبلاد في منطقة تعاني من الاضطرابات. ومع ذلك، فقد لا تكون كافية لعزل الأردن من التأثير الاجتماعي والاقتصادي للحرب السورية وامتدادها. وفي ضوء خبرة المملكة الطويلة في التعامل مع اللاجئين وتقاليدها المعروفة بكرم الوفادة، فإن ردة الفعل العنيفة لحالة عدم الاستقرار ضد المهاجرين السوريين قد تستغرق بعض الوقت لكي تطفو على السطح. ولكن لا يخالجك أي شك في ذلك – فالمسألة ما هي إلا مجرد وقت. فإذا لم تضع الحرب في سوريا أوزارها في وقت قريب، فإن المهلة التي أخذتها الأردن من حالة عدم الاستقرار التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2011 قد تكون مجرد أمر مؤقت.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.