“يا شرفاء مصر اقتلوا الإخوان” هذا نموذج عن مجموعة من الشعارات التي أطلقها مغردون إماراتيون وسعوديون قبل فترة، ولقي هذا الوسم على تويتر استهجانا واسعا، واستخدم بطريقة معاكسة للهجوم على الإمارات والسعودية لدورهما في دعم السيسي في مصر والتدخل في الدول العربية وترويج دعايات تحريضية تصل حد الدعوة للقتل عبر الإعلام.
يلاحظ من يراقب الصحف السعودية والإماراتية في الأسابيع الماضية، أن البلدين انتقلا إلى مستوى جديد من حملة إعلامية موسّعة لتعزيز مكاسبهما في المنطقة وتوسيع نفوذهما في مرحلة الثورة المضادة، ولعل فحص المادة الأساسية لهذه الحملة تظهر حجم التدخل السياسي والأمني في ما تنشره الصحف وما يكتبه الصحفيون، ويظهر بجلاء أن فشل التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي استدعى التحرك على مستوى الصحف ووسائل الإعلام التقليدية لتشكيل رأي عام في المنطقة أن هنالك موقفا عاما يدفع السياسات الخطرة التي يتبناها المستوى السياسي في البلدين.
ومن خلال تتبع وسائل الإعلام في البلدين يلاحظ أن كتاب المقالات والصحفيين السعوديين يشنون حملة منذ أسابيع لها عنوان واحد عريض “لا يمكن بأي ثمن السماح بحكم ديمقراطي في مصر”، وتعّبر عن هذه الحملات المحمومة صفحات الصحف السعودية وبعض وسائل الإعلام الإماراتية، ولعل أوضح وجه لها هو النشاط المستمر والدائم على تويتر بقيادة مغردين إماراتيين ينسجمون في الغالب مع تغريدات ضاحي خلفان.
وفي سياق الحملة الإعلامية التي بلغت حد الدعوة لقتل الإخوان وسفك دمائهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم السياسية والمدنية، يستخدم الكتبة السعوديون ومن ينسجم معهم في حملاتهم وتصوراتهم مغالطات شنيعة بحق الواقع وافتراءات عديدة مكررة وثابتة ما يشير إلى نمط التعميمات التي يفرض عليهم الالتزام بها عند الكتابة حول الشأن المصري.
ليس الأمر صراعا مع الإخوان وحلفائهم، بل ببساطة هو خوف من أي خيار ديمقراطي في المنطقة، أو خوف من أي عملية ديمقراطية ستفرز من لا يدينون بالولاء للسعودية والإمارات، ويتم التعبير عن هذا الخوف تحت خطابات ترهب وتخوف من “غياب الاستقرار”، ولا يجد هؤلاء الكتاب السعوديون الذين يملأون الصحافة السعودية والخليجية مدخلا للخوض في قضية خاسرة هي بكل مقوماتها ضد حق الشعوب في التحرر من الاستبداد والسير نحو الحرية، إلا شعارات “الاستقرار والأمن”.
والمعادلة أن السعودية تفرض عبر إعلامها خطابا ترهيبيا يبسّط كل قهر وظلم واستبداد تمارسه النظم العسكرية والقمعية في مقابل الأمن والاستقرار. وهذا هو المنطق الغالب في السعودية نفسها، فما يعرضه النظام السعودي على شعبه هو مجرد البقاء وبالحد الأدنى من الحقوق وظروف الحياة الكريمة وإلا ستنفتح الأحوال في المملكة على اضطرابات وعنف يهددان الاستقرار والأمن.
يرى الصحافيون السعوديون وكتاب الرأي والمقالات أن الشعب المصري ملزم بالبقاء تحت قبضة الاستبداد والقهر وتعمل السعودية ليل نهار وبدعم منقطع النظير لإبقاء المصريين في مجاهل الاستبداد، وترى المملكة أن التحول الديموقراطي في بلد كمصر وبحجمها سيكون وبالا وخطرا محدقا بالسعودية، وينسجم الموقف مع سلوك السعودية الثابت حيال الربيع العربي، ولا يمكن لأي كان التغافل عن أن السعودية تؤوي الرئيس التونسي المخلوع وزوجته.
منذ بدء الربيع العربي رسّخت السعودية نفسها كحامية لنظم مرحلة ما قبل الربيع العربي ولا سيما النظم الوراثية، وكلفها الأمر أموالا طائلة وصفقات سلاح عريضة ومهولة وسعي محموم لقطع الطريق على التجربة الديمقراطية، وتم التعامل مع كل بلد على حدة، ففي مصر يدعم الانقلاب العسكري ضد حكم الإخوان والانتخابات، وفي ليبيا تمول جماعات مسلحة عسكرية وتعلن انقلابات وتنذر بالفوضى التي ستزيد من تعقيد حالة ليبيا المعقدة أصلا، وفي اليمن تغض السعودية الطرف عن أعدائها الحوثيين وتسمح لهم بمهاجمة ما تبقى من الدولة اليمينة لأنهم بذلك يقوضون المرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بعلي عبد الله صالح ويقطعون الطريق على فوز قوى الثورة اليمنية في أي انتخابات مقبلة، وفي سوريا ساهمت السعودية عبر تمويلها الطائفي في دعم داعش ضد الفصائل المسلحة ما فتح الساحة لصراعات جانبية بعيدة عن المواجهة الرئيسة مع النظام، وتشن السعودية هجوما إعلاميا على أية دولة تدور في غير فلكها، وجزء وافر من الحملة الإعلامية يستهدف قطر ودورها لأنها خالفت رؤية السعودية كمهيمنة على الخليج وقائدة له.
تلتقي جملة المقالات والكتابات والتصريحات الإعلامية عند ثلاثة محاور رئيسة، أولها النفس الطائفي الذي يحاول تصوير مجمل الحراك الشعبي في المنطقة العربية على أنه صراع طائفي أو ذو امتدادات طائفية، والتصرف وكأن المملكة راعية السنة ومصالحهم وممثلتهم الوحيدة في المنطقة، وحتى الإخوان يظهرون كخصم على زعامة تمثيل السنة. وثانيها: السعي لتصوير حالة ما قبل الربيع العربي على أنها مرحلة الاستقرار والأمن، وأن الحراك الشعبي المطالب بالحرية في المنطقة إنما هو مدخل لكل العنف والتوتر الأمني ونعثر الأحوال الاقتصادية، وبذلك تقايض المملكة ومثقفوها وإعلاميوها العرب بين الاستقرار المتوهم والموهوم وكل مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، وفي السياق نفسه يبدو الخطاب الإعلامي للسعودية والإمارات مبيحا للعنف والقتل والإرهاب في الخصوم ومصدر ترهيب لمن يفكرون في المسار الثوري كحل للأوضاع المزرية عربيا.
وثالث المحاور الرئيسة التي تلتقي عندها هذه المقالات والكتابات والتصريحات، القلق من تغير في مواقف قوى في العالم من دور السعودية في المنطقة والتحالف مع خصومها السياسيين أو المذهبيين، وفي هذا السياق تستعر الحملات إثر كل اختراق يحققه التيار الديموقراطي أو الرموز غير الطائفية في بلاد الربيع العربي، أو أي انتصار لمحور الثورة ضد الثورات المضادة، ولعل تصاعد الحملات اليوم تشير بوضوح إلى ذعر المحور السعودي من خسارة مكتسباته في الفترة الماضية وفي سبيل ذلك تبذل السعودية والإمارات كل شيء على الأرض وفي الإعلام للتدراك التحولات الكبيرة في المنطقة والمحافظة على محاور ما قبل الربيع العربي، وفي غمرة هذه الانفعالات والاضطرابات يحدث في نادرة تبعث على الضحك حتى القهقهة، أن تخرج فضائية العربية ببيان انقلاب في ليبيا لا يدري به أحد.
بلال عرفة