ا ف ب ـ تمكنت القوات النظامية السورية ومقاتلو المعارضة من تحقيق مصالحة في احد معاقل المعارضة المسلحة الواقعة في ريف دمشق فيما فشل ممثلو النظام والمعارضة في التوصل الى اتفاق في محادثات السلام في جنيف.
ففي ببيلا الواقعة جنوب دمشق، شاهدت مراسلة وكالة فرانس برس مقاتلي المعارضة وعناصر من القوات النظامية وهم يتبادلون اطراف الحديث، في مشهد كان من المستحيل تصوره قبل ايام.
وتأتي الهدنة بعد أكثر من نحو 18 شهرا من بدء المعارك العنيفة اليومية حول مناطق عدة من المدينة ما دفع المعارضة المسلحة وقوات النظام السوري الى اتخاذ قرار يقدم بموجبه كل من الطرفين تنازلات، دون ان ينسب اي منهما النصر له.
وعقدت اتفاقات للمصالحة في عدد من البلدات المحيطة بالعاصمة كما في قدسيا والمعضمية وبرزة وبيت سحم ويلدا ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، الى جانب ببيلا.
وتقضي هذه الاتفاقات، التي اشرفت عليها شخصيات عامة، على وقف إطلاق النار وتسليم مقاتلي المعارضة لأسلحتهم الثقيلة ورفع الحصار الخانق الذي تفرضه القوات النظامية على المناطق التي يسيطر عليها هؤلاء المقاتلون والسماح بدخول المواد الغذائية اليها ورفع العلم الرسمي للنظام على مؤسسات الدولة في هذه المناطق.
ويجري التفاوض حاليا على اجراء اتفاقية مماثلة في حرستا وداريا، احد اخر معاقل المعارضة المسلحة في ريف العاصمة.
ووسط الشارع الرئيسي حيث تتجمع اكوام الانقاض، تجمع عشرات السكان من مختلف الفئات العمرية هاتفين “واحد، واحد، واحد الشعب السوري واحد” و “بالروح بالدم نفديك سوريا”، حسبما افادت مراسلة الوكالة التي زارت المكان.
وفي الشارع الرئيسي للبلدة الذي شهد دمارا شبه كامل جراء القصف والحرائق، بدت على الابنية فوهات احدثتها عمليات القصف وتدلت منها الصحون الفضائية اللاقطة المحطمة.
كما كست الانقاض قارعة الرصيف واللافتات التجارية المحطمة وبدت الاشجار يابسة وهوت على الارض اغلبها وكتبت على واجهات المحال التجارية عبارات مناهضة للنظام السوري شطبت بعضها بالدهان الاسود.
ونال الدمار من المحال التجارية على طرفي الشارع كما وضعت على مفارق الطرق الفرعية سواتر ترابية يبدو انها وضعت للحماية او لعرقلة الانتقال بين احياء المدينة.
ورفعت السلطات السورية علمها على مبنى البلدية الواقع على بعد نحو 10 كلم الى جنوب دمشق، وكان يستخدم كقاعدة خلفية لمقاتلي المعارضة الذين ما زالوا منتشرين بالبلدة المحاصرة منذ اشهر من قبل القوات النظامية.
وهتف عدد من مقاتلي المعارضة اثر رفع العلم “قائدنا للابد، سيدنا محمد” و “بالحق وبالدين، نريد المعتقلين” فيما هتفت عناصر من القوات النظامية “الله محي الجيش، الله محي الجيش”.
ويرتدي مقاتلو المعارضة الملتحون زيا عسكريا ويعتمرون كوفية سوداء وينتعلون احذية رياضية حاملين على اكتافهم اسلحتهم.
وفيما كانت الجرافات تقوم بازالة الانقاض من الشارع الرئيسي وعد محافظ ريف دمشق حسين مخلوف باعادة اعمار البلدة وتهيئة البنية التحتية وعودة الخدمات اليها.
وقال مخلوف وسط عدد من الصحفيين اصطحبتهم الادارة السياسية للقوات النظامية لمعاينة المكان “نحن نلمس عودة ابناء الوطن الى التكاتف لبنائه” مشيرا الى ان “المصالحات تجري في كل المناطق بالتوازي، الجميع يتعطش لعودة الوئام والتسامح”.
واضاف المحافظ “نشهد هروبا للغرباء” لافتا الى ان “ابناء الوطن لا مشكلة بينهم”.
وكان الرئيس السوري بشار الاسد افاد وكالة فرانس برس ان المصالحات التي تجري اهم من مفاوضات جنيف”.
ووصلت مفاوضات السلام التي جرت في جنيف برعاية روسية-اميركية باشراف الامم المتحدة بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريين واستمرت ثلاثة اسابيع الى طريق مسدود.
واعتبر وزير المصالحة الوطنية علي حيدر في مقابلة مع وكالة فرانس برس الاسبوع الماضي ان “ما يجري على الارض هي مصالحات اجتماعية، هي حل مشاكل مناطق واعادة سلطة الدولة ومظاهرها الى هذه المناطق” مشيرا الى ان ذلك “يؤمن بيئة موضوعية تنطلق منها عملية سياسية مفترضة في مرحلة لاحقة”.
واشار حيدر الى ان “بناء الثقة” يقوم على “الخطوات المتبادلة بين الطرفين”.
وفي ظل هذه الاجواء، يعرب السكان المحاصرون عن فرحتهم بالهدنة.
وقال احد سكان ببيلا، الذي بدأ الارهاق على وجهه، لوكالة فرانس برس “اني سعيد بالهدنة فذلك سيسمح لي بالحصول على الغذاء” متمنيا نجاح المصالحة.
وعانى عشرات الاف المدنيين من الحصار الخانق الذي تفرضه القوات النظامية على المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة ما اودى بحياة العشرات جوعا.
ويشير نشطاء الى اقامة عدد من اتفاقيات الهدنة والمصالحة بعد فرض الجيش النظامي الحصار اثر فشله في السيطرة عليها والقضاء على جيوب المقاومة قرب العاصمة، وبالاضافة الى فشل مقاتلي المعارضة بتحقيق هدفهم في اقتحام دمشق.
واكد ناشط من دمشق عرف عن نفسه باسم أدم ان الاتفاقات المبرمة يؤيدها السكان بشكل كبير، مشيرا الى انهم “فقدوا منازلهم ودفعوا ثمنا باهظا لتلبية احتياجاتهم اليومية الاساسية”، في ظل الارتفاع الشديد في معدلات التضخم والفساد التي تتنامى في زمن الحرب.
واضاف للوكالة عبر السكايب “حتى أولئك الذين يريدون ان يقاتل المعارضون حتى الموت لم يعارضوا الهدنة” مشيرا الى وجود “فرق بين الهدنة والمصالحة، وليس هناك مصالحة، على الأقل حتى الآن. أما بالنسبة للمستقبل؟ الله وحده يعلم”.