فاجأ اللواء المتقاعد…
فاجأ اللواء المتقاعد بالجيش الليبي خليفة حفتر، الجميع، صباح الجمعة الماضية، بالإعلان، عن سيطرة قوات موالية له على مواقع عسكرية وحيوية في البلاد.
كما أعلن كذلك، عبر شاشة فضائية عربية، تعطيل العمل بالإعلان الدستوري لثورة 17 فبراير/ شباط 2011، وتجميد عمل الحكومة والمؤتمر الوطني العام (البرلمان)، قبل أن يعلن عن خارطة طريق جديدة في البلاد.
ورغم أن هذا الإعلان، لم يكن له أي أثر على الأرض لدرجة أن البعض أسماه “انفلاش” في إشارة لكونه انقلابا أمام عدسات الكاميرات فقط، لكنه أعاد إلى الأذهان تاريخ الانقلابات التي شهدتها ليبيا، منذ تأسيس الجيش، والتي باءت جميعها بالفشل، باستثناء انقلاب معمر القذافي.
فمنذ تأسيس الجيش الليبي منتصف أربعينيات القرن الماضي، قبيل استقلال ليبيا عن إيطاليا العام 1951، سجل التاريخ عدة انقلابات عسكرية كان أبرزها، وأولها انقلاب عسكري قاده الملازم أول معمر القذافي في الأول من سبتمبر/أيلول العام 1969م بصحبة عدد من ضباط الجيش ليؤسس لنظام شمولي حكم ليبيا طيلة 42 عاما.
وخلال فترة حكم القذافي حدثت عدة محاولات اتقلابية كان أبرزها:
انقلاب المقدم آدم حواز وزير الدفاع (الأسبق) والمقدم موسى الحاسي وزير الداخلية (الأسبق) في حكومة القذافي في 7 ديسمبر/كانون الأول 1969، أي بعد ثلاثة أشهر من وصول القذافي للحكم، وهما من الضباط المشاركين في انقلاب القذافي.
وبدأت محاولة الانقلاب بالسعي للسيطرة على بعض المعسكرات المهمة، شرقي ليبيا، بسبب محاولة القذافي إقصاء الجميع وتربعه على كرسي السلطة، لكن القذافي أعلن، في نفس اليوم، عن “إحباطه”، واعتقال حواز والحاسي؛ حيث لقى الأول حتفه في السجن، والآخر أطلق سراحه بعد عشرين سنة.
محاولة عبد الله عابد السنوسي في مايو/أيار 1970، وهو ابن عم ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي، وأحد أركان الأسرة السنوسية الحاكمة سابقا، والذي كان يخطط من روما باتفاق مع ضباط منتمين لقبائل من سبها (جنوبي البلاد) مقربة من الأسرة السنوسية لقلب النظام، لكن نظام القذافي استبق هذه المخطط بحملة اعتقالات في صفوف أنصار السنوسي في سبها (جنوب)، وزج بهم في السجون، وأطلق سراحهم بعد سنوات، بينما ظل السنوسي في المهجر بعد فشل محاولته.
محاولة الرائد عمر المحيشي في 13 أغسطس / آب 1975 الإنقلاب بمعاونة 21 ضابطا، منهم بشير هوادي وعبد المنعم الهوني وهما مع المحيشي من أهم رفاق القذافي في انقلابه الأول، وتحمل المحاولة نفس أسباب المحاولة التي سبقتها إضافة إلى معارضة المحيشي تعطيل الإطار الدستوري والقانوني للبلاد عام 1975، وتمكن القذافي من القبض على هوادي والهوني وإيداعهما السجن، بينما فر المحيشي الى الخارج ليمارس نشاطا معارضا من مصر ثم من المغرب، التي سلمته للقذافي عام 1983، وتضاربت الأنباء حول مصيره بين السجن أو القتل فور وصوله.
المحاولة الانقلابية الأولى للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا في 8 مايو / أيار 1984، وهي من أبرز المحاولات الانقلابية، حيث تم تنفيذها داخل معسكر باب العزيزية، معقل القذافي، بمهاجمته بالسلاح، وأفشلها الأخير خلال ساعات بعد محاصرته لعناصر المحاولة وقتل عدد كبير منهم، واعتقل آخرين، وكان أحد أفراد العملية، وهو أحمد حواس، قد اعتقل أثناء دخوله للبلاد مما كشف أسرار المحاولة وسهل إفشالها.
وتكونت الجبهة من عناصر من أركان نضام القذافي هاجرت الى الخارج لتنظم نفسها ضمن مسمى الجبهة الوطنية، وقادت معارضة حكم القذافي لأكثر من خمس عشر عاما، وكانت تشرف على معسكرات تدريب لأفرادها في السودان قبل تنفيذها لمحاولة الانقلاب، ومن أهم قادتها محمد المقريف، أول رئيس للمؤتمر الوطني العام ( البرلمان المؤقت ) بعد انتهاء حكم القذافي، وعلي زيدان رئيس الحكومة المؤقتة الحالية.
المحاولة الانقلابية الثانية للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا في أكتوبر/تشرين الأول 1993 وظهر فيها تخطيط جديد للجبهة باعتمادهم على ضباط من الداخل في صفوف جيش القذافي من أبرزهم مفتاح قروم، قائد الانقلاب، وهي من المحاولات مجهولة التفاصيل باستثناء هجوم لجيش القذافي على معسكر بمدينة بني وليد وقصفه واعتقال عدد من الضباط أبرزهم قروم، الذي نفذ فيه حكم الاعدام ورفاقه بتهمة الخيانة العظمى، بحسب التلفزيون الرسمي الليبي حينها.
كما شاع الحديث خلال العام 2008 عن قيادة المعتصم، نجل القذافي، لمحاولة انقلابية عسكرية على حكم والده، باءت هي الأخرى بالفشل، وبسبب القبضة الأمنية للقذافي، وسيطرته على وسائل الاعلام، لا يعرف تفاصيل ما جرى بدقة، لكن المعتصم كان يشغل حينها منصب مستشار الأمن القومي وقائدا لأحد أهم الكتائب الأمنية التابعة لوالده.
ويعرف المعتصم بين إخوته بالصرامة وحدة الطبع ويبدو أن سعي القذافي الوالد لتوريث نجله الأكبر سيف الإسلام كان السبب الأكبر في سعي المعتصم، ذي الطموح السياسي، لمحاولة الانقلاب باستخدام كتيبته العسكرية، التي يشرف عليها، ما دفع والده الى إبعاده عن المشهد لمدة وتقليص صلاحياته قبل أن يعود إلى قيادة أحد أهم كتائب والده إبان اندلاع الثورة في العام 2011، وليقتل بجانب والده في 20 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته.
وأخيرا جاءت المحاولة الانقلابية المزعومة من جانب اللواء المتقاعد خليفة حفت، والذي أسر من قبل القوات التشادية نهاية الثمانيات من القرن الماضي خلال الحرب بين البلدين، قبل أن ينتقل ليقيم في أمريكا منضما إلى صفوف الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا كمعارض لحكم القذافي حتى اندلاع الثورة العام 2011 حيث عاد إلى ليبيا لينضم الى صفوف الثوار متقلدا منصب قائد القوات البرية في جيش المجلس الوطني الانتقالي، ثم أحيل للتقاعد مع عدد من الضباط ممن بلغوا سن التقاعد بقرار من هيئة أركان الجيش الليبي العام الماضي، ليعود إلى الظهور مرة أخرى الجمعة، معلنا عن “انقلاب مزعوم”، لم يتجاوز أثره شاشة التليفزيون التي ظهر عليها.
ويعزو الكثير من المتابعين للشأن الليبي فشل جميع المحاولات الانقلابية إلى قوة الأجهزة الأمنية إبان حكم القذافي.