اجتازت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي بدأت قبل حوالي الشهر في لاهاي بمحاكمة غيابية لـ 5 عناصر من حزب الله متهمين باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري يوم 14 فبراير/ شباط 2005، إختبار إنطلاقها بنجاح، لكن الانقسام حول مصداقيتها واهدافها، والذي رافق مراحل انشائها، ظل قائما.
وفيما يؤكد خبراء قانون أنّها أثبتت مبدئياً أنها محكمة تعمل وفق أعلى المعايير القضائية والقانونية في العالم، يصر آخرون على أنّها مسيسة، ويصوّب محامو الدفاع على أنّها تعتمد على الاتصالات، التي أجراها المتهمون في ما بينهم وتم رصدها، كدليل أساسي “وهي أدلة ظرفية غير مادية وبالتالي تقبل اثبات العكس″.
وانطلقت أعمال المحكمة في منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2014 بعد 7 سنوات على تأسيسها بقرار من مجلس الامن الدولي، بعرض الادعاء لقراره الاتهامي والبدء بالاستماع الى الشهود الذي وصل عددهم الى 500، مع التركيز على حركة اتصالات المتهمين بين بعضهم البعض وآخرين مجهولي الهوية ومتورطين باعتداء 14 فبراير/شباط 2005 الذي أدى إلى مقتل الحريري و 23 شخصاً آخرين بينهم مرافقيه.
وكانت المحكمة أصدرت في العام 2011 قرار اتّهام بحقّ أربعة أفراد ينتمون لحزب الله؛ لدورهم المزعوم في اغتيال الحريري، وهم سليم عيّاش ومصطفى بدر الدين، وحسين عنيسي، وأسد صبرا.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أصدرت قرار اتّهام جديد بحق عنصر خامس من حزب الله هو حسن حبيب مرعي لمشاركته باغتيال الحريري.ويرفض حزب الله تسليم المتهمين ويتعاطى مع المحكمة على انّها “أمريكية – إسرائيلية ذات أحكام باطلة”.
ورأى نقيب المحامين السابق في بيروت ميشال ليان، الداعم للمحكمة والمواكب لمسار إنشائها وعملها منذ البداية، أن “الصورة التي قدمتها المحكمة في جلساتها الأولى هي أفضل ردّ على الإتهامات التي سيقت ضدها سواء بالتسييس أو بالأحكام المسبقة”.
وذكّر ليان في حديث لـ”الأناضول” بأن المحكمة منذ انشائها كانت “تعالج الإنتقادات الموجهة اليها بقرارات قانونية”، مشيراً الى أن “المحاكمات تجري الآن وفقاَ للقانون الأنكلوسكسوني أي أن المحقق هو المدعي العام في نفس الوقت”.وعن أبعاد الأفلام التي عرضتها المحكمة في بداية الجلسات، وبث شريط الإنفجار مجدداَ، أوضح أن “الهدف من ذلك إثبات أن جريمة إغتيال الحريري ورفاقه هي جريمة إرهابية، ولإعطاء صورة حقيقية عن الجو الإرهابي الذي خلفته هذه الجريمة”.
وأكّد أن المحكمة تعمل وفق “أرقى معايير العدالة الدولية، وهي تعتبر فرصة للدولة اللبنانية لتستفيد منها وتطوّر نفسها وتطور العمل القضائي والتحقيقي في لبنان”.ورأى أن “بصمات” رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن، الذي اغتيل في 19 تشرين الأول/أكتوبر من العام 2012 بتفجير استهدف موكبه في منطقة الأشرفية شرق بيروت، والرائد وسام عيد، الذي قضى بعبوة ناسفة في 26 كانون الأول/يناير من العام 2008، “كانت واضحة في المحكمة من خلال الإنجازات التي حققها هذان الرجلان وساعدت لجنة التحقيق على بناء الأدلة، وهذه الإنجازات تحققت بفعل الأجهزة المتطورة التي حصل عليها فرع المعلومات، فالعالم لم يعد يقبل أن يجري تحقيق بقلم وورقة وبأدوات بدائية لا توصل الى نتيجة”.والرائد عيد والذي كان يشغل منصب رئيس المكتب الفني في مصلحة الإتصالات وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، هو الذي كشف شبكة اتصالات المتهمين باغتيال الحريري والتي تعتمدها المحكمة اليوم كدليل رئيسي في محاكماتها.
وشدد ليان على أن “محكمة الحريري أبعد ما تكون عن التسييس، فهذه المحكمة التي تضم أكثر من 300 شخص من قضاة وتقنيين وخبراء وموظفين من أكثر من 30 دولة في العالم لا يمكن لأي دولة أن تؤثر على عملها وحياديتها، سيما وأنها اليوم موضوعة تحت أنظار كل المراجع القانونية الدولية”.
وجزم بأن “ما يجري في لاهاي يمثل المخرج الحقيقي للبنان من مشاكله لأن العدالة مصلحة رئيسية للدولة والمجتمع والكيان”.أما الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جوني، المقرب من حزب الله، فأشار الى أن “كبار أساتذة القانون الجنائي الدولي لديهم موقف من هذه المحكمة، خصوصاً وأنها عمقت الإنشقاق السياسي في لبنان، لأنها أنشئت خلافاً للمحاكم الدولية الأخرى”.
وذكّر جوني بأن قضية إغتيال الحريري هي في الأصل من إختصاص القضاء اللبناني لأن الضحايا لبنانيين والجريمة وقعت على الأرض اللبنانية، “ولا يجوز في بلد حساس مثل لبنان إنشاء مثل هذه المحكمة، سيما وأن عمل لجنة التحقيق كان مشبوهاً ووضعت أربعة ضباط في السجون من دون أي دليل” لسنوات قبل أن تعود لتفرج عنهم.
وإعتبر أن نظام المحكمة “هجين وغريب”، وما يحصل الآن في لاهاي هو مجرد “مسرحية”، فهذه محكمة أنشئت لأسباب “سياسية، بدأت بإتهام سوريا ثم إنتقلت الى إتهام “حزب الله” في وقت يعيش لبنان أجواء طائفية صعبة جداً، عدا عن أن المحاكمة الغيابية تطرح علامات إستفهام كبيرة، وهذا غير معتمد في المحاكم الدولية الأخرى”.
ووصف النقل المباشر لمجريات جلسات المحكمة بـ”المسرحية التي تحاول المحكمة أن تعطي لنفسها من خلالها مصداقية، علما انّها في نفس الوقت تشحن الجو السياسي والطائفي في لبنان، خصوصاً عندما تسأل الشاهد كيف تأثرت والدته عند مقتل إبنها، أو عندما تشير الى أن المتهمين هم من طائفة معينة الأمر الذي يزيد الإحتقان الطائفي، علماً أنها باتت الحدث الخامس أو السادس بالنظر للأحداث الأخرى التي يشهدها لبنان والمنطقة”.
وتساءل جوني لماذا لم تتوصل المحكمة أو التحقيق الى كشف هوية من إغتال الوزير بيار الجميل بـ”اطلاق الرصاص عليه في وضح النهار ولم يكن القتلة مقنعون”، ولماذا لم تكشف من قتل الصحافي في جريدة “النهار” سمير قصير وتتعقب حركة الإتصالات في الجرائم الأخرى.
واعتبر ان تسليط الضوء على جريمة الحريري وإتهام عناصر من “حزب الله” بارتكابها، “أكبر دليل على تسييسها وعلى أنها تلعب دوراً خطيرا في إشعال الفتنة السنية الشيعية”.والجميل وقصير كانا من ضمن سياسيين وصحافيين وأمنيين تم استهدافهم منذ تشرين الأول/أوكتوبر 2004 بـ 15 عملية اغتيال ومحاولة اغتيال، نجا منها 4 فقط.