مخيم عين الحلوة (جنوب لبنان) ـ خليل أحمد العلي ـ الأناضول – …
مخيم عين الحلوة (جنوب لبنان) ـ خليل أحمد العلي ـ الأناضول -لا يدري محمد أبو صيام (46 عاما) الذي نزح قبل عام إلى مخيم عين الحلوة جنوب لبنان هربا من المعارك في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بالعاصمة السورية دمشق، ما هو مصير ولده ابن الـ15 عاما المفقود هناك منذ أكثر من عام.
ولا يعلم أبو صيام أيضا حقيقة أحوال ولديه الآخرين المحاصرين داخل مخيم اليرموك الذي يقع تحت حصار قوات نظام بشار الأسدرمنذ أكثر من ستة أشهر، لعدم توفر وسائل للتواصل معهم.
ويقول: “يأتي فلان ليخبرني انه رأى ابني في اليرموك وأنّه بخير ويأتي آخرون ليقولوا لي انّه مصاب”.ولعل أصعب ما يعانيه اللاجىء الأربعيني هو أنّه وزوجته وابنه يتمكنون من الحصول على الطعام والأمان فيما لا يعلمون ما إذا كان أولادهم المحاصرون في اليرموك لديهم ما يسد جوعهم.
ويقول: “لا تستطيع أن تأكل وتعيش بسلام وأنت ترى طفلا يموت من الجوع في اليرموك”.أحوال أبو صيام كالعشرات سواه من النازحين الفلسطينيين الذين تركوا “اليرموك” قبل أكثر من عام مع امتداد نار الأزمة السورية اليه، ولجأوا الى مخيم عين الحلوة على اطراف مدينة صيدا جنوبي لبنان، لينضموا الى أكثر من 80 ألف لاجىء فلسطيني يسكنون المخيم منذ عام 1948 على مساحة لا تتخطى الكيلومتر المربع الواحد.
ويتوق للعودة الى “اليرموك” الذي ولد وترعرع فيه، للاطمئنان على أحوال أولاده ومعرفة مصير ابنه المفقود.ويضيف أبو صيام:”تحدثت مع ابني الثاني 3 مرات ومع ابنتي مرة واحدة ولا أعرف حاليا ما هي أخبارهما…عسانا نعود فيلتئم شملنا مجددا في مخيماتنا داخل سورية”.
ويستضيف “عين الحلوة” 21 ألف نازح فلسطيني وسوري قدموا من سورية، 80% منهم من الأطفال والنساء، بحسب منير المقدح، مدير جمعية بدر الثقافية الاجتماعية الصحية، التي تؤمن حاليا السكن لـ120 عائلة في مجمع “الشيخ زايد” داخل المخيم.
ويقول المقدح لوكالة الأناضول: “تم ترميم 50 غرفة في المجمّع بمساعدة الاونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، ومؤسسات دولية اخرى، وتم نقل 50 عائلة اليها، ونحن اليوم نعد 50 غرفة أخرى لنقل ما تبقى من نازحي سورية”، الذين يعيشون حاليا في مجموعة من الخيم المتاخمة للمجمّع.
ويبدو اللاجئون الجدد مرتاحين في الغرف التي تم ترميمها بالرغم من ضيق مساحتها، إذ فرشوها بالسجاد ووضعوا الفرش التي استخدموها للنوم والجلوس، كما تقاسموا المغاسل والغسالات حيث تلتقي النسوة لغسل الأطباق وغسل الملابس.
ويحاول الرجال تمضية الوقت بشرب الشاي ولعب الطاولة، فلا امكانية لايجاد اي عمل يؤمن لهم قوتهم اليومي، فيما الأطفال يلهون ويركضون في أزقة المخيم وبين الخيم التي تأويهم منذ لجوئهم الى عين الحلوة.
ويشكو المقدح من شح المواد التموينية، لافتا الى انّه كان على “الأونروا” أن تقدم وبشكل شهري هذه المساعدات للنازحين خاصة ان وضعهم الاقتصادي سيء جدا، في وقت تخطت فيه نسبة البطالة في المخيمات الفلسطينية في لبنان الـ80%.ولجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948 مع النكبة الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، وما زالوا، بعد مرور 65 عاماً، يتواجدون في 12 مخيماً منتشرا في أكثر من منطقة لبنانية.
وتقدر الامم المتحدة عددهم بحوالي 460 ألفا.ويوضح أن آخر الواصلين من اليرموك كانت عائلة فلسطينية لجأت الى عين الحلوة منذ حوالي الأسبوع، مؤكدا استعداد الفصائل الفلسطينية وجمعية “بدر” لاستقبال أي عائلة جديدة نازحة من سورية.
وأبدى تفاؤلا بأن تحل أزمة مخيم اليرموك قريبا بعد خروج عناصر جبهة النصرة المعارضة منه تطبيقا للاتفاق الذي أبرم قادة الكتائب الفلسطينية في المخيم وممثلين عن الجبهة الشعبية – القيادة العامة.ويقضي الاتفاق، بأن تسلم المجموعات الفلسطينية المسلحة سلاحها الى الفصائل الفلسطينية التي ستدير شؤون المخيم الذي سيكون “محايدا”، ولن يُسمح لأي جهة باستخدامه طرفا في النزاع السوري.
يُشار إلى أن قوات تابعة للنظام السوري تحاصر قرابة 20 ألف مدني في مخيم اليرموك منذ ما يزيد عن ستة أشهر، ما أدى إلى وفاة 100 شخص، جراء نقص المواد الغذائية والطبية في المخيم.
ويُعد “اليرموك” أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سورية حيث كان يضم قبل فرض الحصار عليه نحو 500 ألف لاجئ فلسطيني، إضافة إلى سوريين يقطنون هناك، وفق إحصاءات غير رسمية. ونزح عدد كبير منهم باتجاه لبنان ومناطق سورية أكثر أمنا، هرباً من قصف قوات النظام.وتحدث المقدح عن “تمييز″ في تعاطي المؤسسات الدولية في لبنان بين اللاجئين السوريين والفلسطينيين القادمين من سورية، مشددا على وجوب معاملة مختلف النازحين من دون تمييز، وقال:”هناك تقصير من قبل الاونروا ومنظمات الامم المتحدة لتأمين مقومات صمود أخواننا اللاجئين من سورية وخاصة الفلسطينيين منهم”.
ونفى أن يكون أي مسلح دخل الى عين الحلوة قادما من سورية، مؤكدا التنسيق التام والدائم مع الجيش اللبناني للحفاظ على الامن والاستقرار داخل وخارج المخيم. واضاف:”عند وصول النازحين من سورية أبلغناهم بوجوب الاحتفاظ بمواقفهم سواء أكانوا معارضين او موالين للنظام السوري، باعتبار اننا كفلسطينيين لسنا طرفا في الصراع السوري ووجهتنا تبقى قلسطين”.
وتتولى لجان مشتركة من النازحين الجدد والفصائل الفلسطينية الحفاظ على امن تجمعات اللاجئين من سورية، فيما تمسك لجنة امنية مشتركة مؤلفة من كل الفصائل الفلسطينية أمن المخيم بشكل عام باعتبار ان لا تواجد للجيش اللبناني داخله انما على معابره.سهام حسن (38 عاما)، التي لجأت الى مخيم عين الحلوة “مع اشتداد المعارك في سورية” مع زوجها وابنها، لا تدري مصير اشقائها الذين بقوا في مخيم اليرموك. هي تتابع الأخبار لحظة بلحظة بانتظار استتباب الأمن في اليرموك للعودة الى هناك.
حال سهام كحال سناء قاطرية (45 عاما) التي شاهدت صورة لشقيقتها المحاصرة في اليرموك على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، بدت فيها تأكل الحشائش في احد البساتين.وتشير قاطرية الى انّها تتواصل وبصعوبة مع أهلها في سورية نظرا لرداءة شبكة الاتصالات، لافتة الى ان شقيقتها تسعى يوميا للخروج من المخيم الا أنّه لا يُسمح لها بذلك.
ولا يشتكي النازحون الى عين الحلوة من أحوالهم في لبنان، ويُجمعون على أن أهل المخيم قاموا بواجباتهم تجاههم. فالأحوال الصعبة التي كانوا يرزحون تحتها فور وصولهم تحسنت تلقائيا.ويشير ابو صالح المقدح، المشرف على النازحين في عين الحلوة الى ان طفلا بعمر الـ8 اشهر توفي قبل عام بسبب الرطوبة في الخيمة التي يسكنها، “لذلك يتم السعي لنقل كل النازحين الى غرف في مجمّع الشيخ زايد”.
ويتوقع المقدح ان تتم ازالة كل الخيم خلال شهرين فتنتقل العائلات الـ30 المتبقية في الخيم الى غرف تحوي أبسط مقومات العيش الكريم.لكن ما يطمح اليه هؤلاء اللاجئون فهو العودة الى بيوتهم حتى ولو كانت مهدمة.