انسحاب الامير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات امين عام…
انسحاب الامير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات امين عام مجلس الامن الوطني السعودي من الملف السوري سواء لاسباب صحية، او لاسباب مرضية سياسية يشكل نقطة تحول رئيسية في المملكة العربية السعودية وسياساتها الخارجية والاقليمية، ويؤكد ما قلناه، وقاله آخرون، بان القيادة السعودية تجري حاليا مراجعة شاملة لهذه السياسة، وتعيد ترتيب اوراقها وملفاتها خاصة في الصراع في سورية.
صحيفة “العرب” اللندنية التي لديها مصادر قوية داخل السعودية كشفت في عددها الصادر امس ان الامير بندر ما زال موجودا في الرياض ويتلقى علاجا اثر آلام وتداعيات امراض سابقة، وهذا ينفي ما تردد سابقا انه سافر الى واشنطن وما زال يتواجد فيها.
من الواضح ان “تركة” الامير بندر جرى تقسيمها وتوزيعها على امراء آخرين، وخاصة الامير بن سعود الفيصل وزير الخارجية ومحمد بن نايف وزير الداخلية الذي يتواجد حاليا في واشنطن في زيارة رسمية، حيث تشير تقارير بان الادارة الامريكية تعتبره رجل المستقبل في السعودية بسبب الدور الذي لعبه ويلعبه في مواجهة الارهاب وتنظيم القاعدة على وجه الخصوص.
الملف السوري سيكون في يد الامير سعود الفيصل ويساعده الامير سلمان بن سلطان، بينما سيتسلم الملف اليمني الامير محمد بن نايف حيث تشكل اليمن ركنا اساسيا في الاستراتيجية السعودية وصداعا امنيا دائما للمملكة، خاصة بعد تزايد نفوذ تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية واتخاذه من اليمن مقرا له.
توزيع “التركة” يعني انتهاء دور صاحبها في الملفات التي كان يحملها واهمها الملف السوري، حيث كان الامير بندر يتبنى سياسات “صقورية” ويدعم جبهات اسلامية مقاتلة بالمليارات، خاصة الجبهة الاسلامية واحرار الشام وجيش الاسلام والوية التوحيد.
ابعاد الامير بندر عن الملفين السوري واللبناني يؤكد ان السعودية بدأت تميل اكثر الى الحل السياسي، بعد ان تلقيت ضربتين موجعتين، الاولى الاتفاق النووي الايراني الامريكي، والاتفاق الروسي الامريكي حول نزع اسلحة النظام السوري الكيماوية، والغاء الضربة العسكرية الامريكية التي كانت مقررة في حينها.
يوجد تحالف ثلاثي قوي يدير الحكم حاليا في المملكة، ضلعه الاول الامير محمد بن نايف وزير الداخلية، والثاني متعب بن عبد الله رئيس الحرس الوطني، والثالث خالد التويجري بوابة الملك عبد الله بن عبد العزيز ومدير مكتبه، وترددت انباء شبه مؤكدة ان هذا الثلاثي لم يكن راضيا عن التورط العسكري السعودي في سورية، ويبدو ان وجهة نظره هذه انتصرت في نهاية المطاف بابعاد الامير بندر بن سلطان عن الملف السوري.
ما يؤكد ذلك اصدار المملكة العربية السعودية قوانين الارهاب التي تجرم كل من يروج لاصلاحات سياسية، او ينتقد النظام الاساسي للحكم بالسجن لفترات تصل الى 15 عاما، واتباعها بمرسوم ملكي يمنع جهاد السعوديين في خارج المملكة ويعاقب من سينخرط فيه بالسجن لمدة تتراوح بين خمسة اعوام وعشرين عاما.
هذا التغيير المفاجيء في موقف المملكة جاء بعد ورود تقارير اخبارية تشير الى وجود عشرة آلاف سعودي يقاتلون على ارض سورية نسبة كبيرة منهم ينضوون في صفوف جبهة النصرة والدولة الاسلامية في العراق والشام القريبتين من ايديولوجية تنظيم القاعدة.
نقطة اخرى لا بد من التوقف عندها وهي وصول تقارير الى القيادة السعودية تفيد بان المملكة هي الدولة التالية بعد سورية التي ستتعرض لاضطرابات داخلية وربما ثورة شعبية، تحت عنوان الربيع العربي، وان الشباب السعودي “المجاهد” في سورية سيلعب دورا كبيرا في هذه الثورة.
التقارير نفسها اكدت ان الدول الخليجية والاقليمية التي اشعلت الحرب في سورية وسلحت الانتفاضة السلمية وعسكرت الثورة السورية هي التي تقف خلف المشروع القادم لنقل الثورة من سورية الى السعودية، وجرى تسمية دولتين هما تركيا وقطر، وهذا ما يفسر العداء المتصاعد حاليا في السعودية ضد الاخيرة.
المملكة العربية السعودية جرى توريطها في الازمة السورية، وتحاول حاليا الخروج من هذه الورطة بأقل الخسائر، وتعمل بالمثل الانكليزي الذي يقول “اذا وقعت في حفرة فان اول شيء عليك فعله ان تتوقف عن الحفر”، ويبدو ان اول خطوة تؤكد توقفها عن الحفر هي سحب الملف السوري من الامير بندر بن سلطان، ومنع ذهاب السعوديين للجهاد في سورية، ولجم الدعاة الذين يحرضون على ذلك.