القاهرة ـ حازم بدر ـ الأناضول – في سبتمبر/ أيلول…
القاهرة ـ حازم بدر ـ الأناضول -في سبتمبر/ أيلول الماضي، وللمرة الأولى في ميدان التحرير وسط القاهرة، تم رفع صور لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، في مسيرة نظمها سوريون رافضون لضربة كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعتزم آنذاك توجيهها إلى النظام السوري؛ ردا على اتهامات له بقتل أكثر من ألف شخص في هجوم بأسلحة كيميائية على منطقة غوطة دمشق، وهو ما ينفيه المسؤولون السوريون.
وقبل أيام أصدرت السلطات المصرية، التي سمحت لتلك المسيرة بالتحرك إلى ميدان التحرير، بيانا، عبر وزارة خارجيتها، وصفت فيه ممارسات النظام السوري بـ “الوحشية”.
وفي هذا البيان، يوم 6 فبراير/ شباط الجاري، أدانت القاهرة ما وصفته بـ”التصعيد الكبير” من قبل الحكومة السورية بقصف قواتها للمدنيين في مدينة حلب (شمال) بالبراميل المتفجرة و”استشهاد” العشرات منهم، معتبرة ذلك “وحشية ملحوظة”.
وهو بيان صدر بعد يوم واحد من زيارة قام بها رئيس الوزراء المصري، حازم الببلاوي، للسعودية؛ ما دفع خبيرين سياسيين، استطلعت وكالة الأناضول آرائهما، إلى استحضار دور سعودي في هذا التحول بسياسة مصر ما بعد 3 يوليو/ تموز الماضي تجاه الأزمة السورية، لاسيما وأن هذا البيان صاحبه أيضا زيارة للقاهرة قام بها رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، أحمد الجربا، المدعوم سعوديا.
ومع اندلاع الثورة السورية منتصف مارس/ آذار عام 2011، اتخذت مصر إجراءات وصفت بأنها مساندة للشعب السوري، وسمحت، إبان حكم المجلس العسكري (تولى إدارة شؤون البلاد مؤقتا عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك)، بدخول لاجئين سوريين إلى الأرضي المصرية دون الحاجة إلى وثائق سفر.وفي عهد الرئيس محمد مرسي (بين يونيو/ حزيران 2012 والشهر نفسه من العام التالي) تم اتخاذ خطوات أكثر تأييدا للثورة السورية، وصدر قرار يسمح بمعاملة الطلاب السوريين نفس معاملة الطلاب المصريين.
غير أن تلك المعاملة تغيرت تماما بعد عزل مرسي يوم 3 يوليو/ تموز الماضي، وأصبح دخول السوريين إلى مصر مشروطا بتوافر وثائق سفر وتأشيرة دخول وموافقة أمنية مسبقة، وهدأت إلى حد كبير البيانات الحادة التي كانت تتابع ما يحدث في سوريا بالشجب والإدانة، إلى أن جاء البيان الأخير، الذي وصفه مراقبون بأنه الأشد من نوعه منذ عزل مرسي.ولا يستبعد المحلل السياسي السوري، نبيل شبيب، “وجود علاقة بين زيارة الببلاوي للسعودية وصدور البيان المصري”.
ومضى شبيب قائلا، في حديث لوكالة الأناضول عبر الهاتف: “في ضوء التفاهمات المصرية- السعودية بعد 3 يوليو (تموز الماضي)، كان من المستغرب تغريد كل منهما في سرب منعزل تجاه الأزمة السورية، وهو ما بدا تناقضا يتم علاجه حاليا”.واتخذت المواقف المصرية – السعودية من الأزمة السورية مسارات متطابقة إبان حكم المجلس العسكري في القاهرة بعد مبارك، وكذلك خلال حكم مرسي، غير أن تباينا واضحا ظهر جليا بعد عزل مرسي.
وتجلى التناقض المصري – السعودي في الموقف من احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية لدمشق، فبينما أيدت الرياض ذلك، وطالب وزير خارجيتها، الأمير سعود الفيصل، المجتمع الدولي باستخدام “كل إمكانياته” للتدخل ضد نظام الأسد، أعرب زير الخارجية المصري، نبيل فهمي، عن رفض القاهرة للضربة العسكرية المحتملة.وبحسب شبيب “لا يمكن أن تستخدم المساعدات التي تقدمها السعودية لمصر كورقة ضغط على القاهرة، ولكن المسألة يمكن قراءتها في إطار التفاهم بين البلدين، فالمساعدات السعودية تهدف في المقام الأول إلى تثبيت نظام (النظام المصري الحالي) في المنطقة ترى أنه يحقق مصالحها”.
ووفقا لوسائل إعلام مصرية، فإن زيارة الببلاوي للسعودية، الأسبوع الماضي، ستتوج بحصول مصر على ملياري دولار كوديعة، بجانب مساعدات بترولية ربما تصل إلى مبلغ مماثل.وسبق أن قدمت المملكة مع دول خليجية أخرى أكثر من 12 مليار دولار للقاهرة في صور قروض ومنح وشحنات وقود، وذلك منذ أن أطاح قادة الجيش، بمشاركة قوى سياسية ودينية وشعبية، بمرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وأشار شبيب إلى بعد آخر في هذه القضية، وهو “وجود توتر من جانب كلا الدولتين (مصر والسعودية) في العلاقة مع إيران (الدولة ذات الأغلبية الشيعية والداعم الإقليمي الرئيس لنظام الأسد)، وهو أمر لا يمكن إغفاله”.وتابع بقوله إن “السعودية تساند المعارضة (السورية) ليس حبا فيها بقدر ما هو كرها لإيران؛ لأن السعودية تعتبر أن أي مناصرة للأسد هي في الواقع مناصرة لطهران، وهو موقف ربما يمثل مساحة التقاء بين القاهرة والرياض”.
هو الآخر، لا يستبعد المعارض السوري، أحد المستقيلين مؤخرا من عضوية الائتلاف السوري، يامن الجوهري، تأثير السعودية على تغير الموقف المصري، لكنه في الوقت نفسه يطرح تزامن هذا التغير مع انعقاد مؤتمر “جنيف – 2″ الدولي للبحث عن حل للأزمة لسورية، كـ”أحد العوامل المهمة”.
وقال الجوهري، في حديث للأناضول عبر الهاتف، إن “السعودية وغيرها من الأطراف الفاعلة في الأزمة، تسعى عبر المؤتمر إلى التخلص من حكم بشار لأسد، والبحث عن بديل له، وهو ما جعل الموقف المصري يشهد تحولا”.
لكن مصدر دبلوماسي مصري رفض ما ذهب إليه شبيب والجوهري، ورأى أن “الموقف المصري من الأزمة السورية ثابت ولم يتغير”.وتابع المصدر، الذي فضل عدم نشر اسمه، أن الإجراءات المشددة التي اتخذتها السلطات المصرية بشأن دخول السوريين إلى مصر، إنما “جاءت في إطار الحفاظ على الأمن القومي المصري”.ومضى قائلا إن “هذه الإجراءات اتخذت بسبب وضع أمني مضطرب، لكنها ستزول بمجرد استقرار الأوضاع في مصر”.
وبررت السلطات المصرية تلك الإجراءات “المشددة” برصدها مشاركة سوريين في اعتصام مؤيدين لمرسي في ميدان رابعة العدوية (شرقي القاهرة)، والذي فضته قوات الأمن في أغسطس/ أب الماضي؛ ما أسقط مئات القتلى، بحسب إحصاء رسمي.
وهو اتهام رفضه سوريون مقيمون في مصر، وقالوا في أحاديث لوسائل إعلام عربية وأجنبية، إنهم لا يتدخلون في الشأن المصري، ولديهم من الهموم الداخلية ما يحول دون انشغالهم بأي أمر آخر.