مرت ثلاث سنوات منذ بدأ “الربيع العربي”،…
مرت ثلاث سنوات منذ بدأ “الربيع العربي”، الذي فقد الآن رياح التفاؤل وأصبح في أحسن الحالات “انتفاضة”، وأصبح في رؤية أكثر يقظة “زعزعة”. انها ثلاث سنوات، وهي وقت للتلخيص المرحلي.
في هذه المدة طرد الشارع اربعة طغاة: ابن علي التونسي، ومبارك المصري، وصالح اليمني والقذافي الليبي. وتخلص ملك البحرين بعد جهد كثير، وما زال رئيس سوريا الاسد غير آمن، أما الباقون فيتصرفون كأن انتفاضة قد تنشب عندهم في كل لحظة. ولم يعد العالم العربي بسبب الزعزعة كيانا واحدا. فلا توجد قمة عربية ويجهد الحكام في اوقات نادرة فقط اذا جهدوا أصلا في الحديث بعضهم الى بعض. واختفى ايضا التقسيم بين محور معتدل ومحور شر المتطرفين. فهم في الغرب يُقسمون مواطني الدول العربية الى أكثرية مسلمة سنية وأقلية من أبناء الطائفة الشيعية خطرهم المحتمل أكبر الاخطار.
ونلاحظ بين القصور الفاخرة ومشعلي الميادين، نلاحظ الطبقة الثالثة الصامتة وهم المثقفون والأدباء الذين لم يجدوا مكانهم ولا يريدون أن يُغضبوا فيختارون الانطواء على أنفسهم والصمت. وهذا الصمت محرج. فهم متعلقون جدا بالسلطة ويخشون الخروج من الصندوق. وهم في الاساس مشغولون بالسؤال المصيري وهو كيف لا يفقدون وظائف ثابتة ولا يورطون أنفسهم مع الاجهزة الظلامية.
على هذه الخلفية صدر الكتاب الجديد للدكتور مروان المعشر الاردني، وهو مثقف اجتُذب الى السياسة (وزير الاعلام في حكومة عمان ووزير الخارجية) والى مناصب رئيسة في وزارة الخارجية (سفير الاردن في اسرائيل وواشنطن)، وفضل آخر الامر الجلوس في المقعد الوثير لمركز اكاديمي في الولايات المتحدة. “اليقظة العربية الثانية والنضال من اجل التعددية”، وهو بقلمه، وثيقة مُلزمة لكل من يبحث عن التأليف بين التغلغل الى أسرار العالم العربي وتحليل بعيد للبواعث والمسارات.
يعتذر المعشر من أنه استقر رأيه على انهاء الكتابة قبل أن تبلغ سلسلة الزعزعات خط النهاية، وهو يشير الى مسارين رئيسين. الاول “اليقظة المتكلفة”، وحدثت حينما انتقضت الدولة العثمانية الى دول انشأت مستبدين كصدام حسين والقذافي ومبارك و”كل من هم موجودون في الحكم الى اليوم”، كما يقول المعشر بصراحة. وفي الزعزعة الثانية خرج عشرات الملايين الى الشوارع ونجحوا في اسقاط اربعة حكام “فقط” من اولئك الذين “كانت ثقافة الحكم الديمقراطي غريبة عليهم”. وطُرد الاسلاميون، كما في تونس ومصر، بعد ذلك من القصور لأنهم لم يعرفوا كيف يحكمون.
يجب أن نقول في فضل المعشر إنه كسر صمت المثقفين العرب آخر الامر. وقد وجدت نفسي أوافق على مقولتين قاطعتين عنده. الاولى هي أن مقولة “الله هو الحل” (الاسلام هو الحل – المترجم)، والثانية أن المفتاح موجود في المشهد الاقتصادي. فشباب الميادين لم يدعوا حاكما يتجاهل البطالة والفرق المؤلم بين الطبقات. فالاقتصاد الصحيح سيأتي بالاستقرار والمستثمرين والسياح والاستثمارات في البورصة. والذي يحلم بأن يتبنى النموذج القديم – القبضة الحديدية والفساد على حساب الطبقات الضعيفة – ليس من المؤكد أن يبقى.
وحينما يغوص المعشر الى الجرح المفتوح للديمقراطية في العالم العربي وحقوق الانسان ومكانة النساء المتدنية، أتفق معه مرة اخرى. لا يمكن أن تُفرض خطط من الخارج، وما هو جيد للامريكيين ليس من الضروري أن ينجح في مصر أو الاردن أو السعودية.
قد يكون المعشر ساذجا ورومانسيا بل قد يكون يعيش في الأوهام، لكنه يُصر على أن يعلق الأمل بالجيل الجديد على الخصوص – ذاك المنفتح على الانترنت والذي يعيش في الفيس بوك وله توقعات تبلغ السماء وأرجل ذات عضلات يغرق الشوارع بها. وقبل أن يعود المؤلف الى بيته، الاردن، بلحظة يهدي هذا الكتاب الى هذا الجيل، الى “شباب العالم العربي الذين خرجوا للتمرد – لا على آبائهم – بل لأجل أنفسهم”.
يديعوت 10/2/2014