يعيش نزلاء سجن حلب المركزي أوضاعاً إنسانية أقرب إلى الموت منها إلى الحياة، حيث أصبح معدل الوفيات، في الفترة الأخيرة، أربعة إلى خمسة سجناء يومياً، مختصراً بذلك جزءاً من معاناة السوريين الرهيبة في مواجهة نظام الأسد، حتى تحول ذاك المكان إلى مجرد غرف لانتظار الموت.
محمد جمال جدعو، من مدينة حلب، أحد الأسرى السياسيين السابقين في سجن حلب المركزي، تم الافراج عنه منذ أيام، ويقيم حاليا في مدينة اسكندرون بتركيا، أفاد في حديث مع المكتب الإعلامي للهيئة العامة للثورة السورية، بأن التعذيب والقتل في السجن بات عادة وسمة يومية وحشية يمارسها السجانون ضد النزلاء هناك.
ويقول (جدعو): كنا نتمنى الموت على البقاء في السجن، الذي غابت عنه أدنى معاير الإنسانية، وتحول إلى ساحة تصفية للمعتقلين .
ويضيف جدعو: مع بداية شهر نيسان / 2013، وإعلان معركة تحرير السجن من قبل الثوار، بدأت مرحلة جديدة من الاجراءات العقابية المهينة ضد النزلاء، حيث توقفت إدارة السجن عن توزيع مادة الخبز، واكتفت بإعطاء غرامات قليلة من الرز المسلوق لكل سجين، ورفعت من وتيرة عمليات التعذيب. كما اضطر السجناء إلى حرق ثيابهم من أجل خبز ما تعطيهم إياه إدارة السجن من طحين، حتى باتوا بمعظمهم شبه عراة.
المشهد الإنساني بحسب جدعو بات الأسوأ في تاريخ السجن، وأن أكثر من 90% من النزلاء انخفضت أوزانهم إلى ما دون الستين كغ، وبرزت لديهم عظام الجمجمة والأكتاف والصدر ليصبحوا هياكل عظمية تنتظر كسرة خبز أو موت يريحهم من العناء، ويقول جدعو: من شدة الجوع في أحد الايام اضطر بعض السجناء لأكل قطة كانت داخل ساحة السجن. ويضيف بأن عدد المهددين بالموت يفوق الـ 2000 سجين بسبب انتشار مرض السل بشكل كبير. ورغم ذلك كانت معنويات السجناء عالية مع بزوغ بصيص الأمل في نيل الحرية منتظرين الثوار أن يفرضوا سيطرتهم على السجن خاصة بعد تحرير مشفى الكندي من يد قوات النظام.
في أجواء الجوع والموت المفروضين من قبل ضباط السجن التابعين لقوات النظام نشط تجار الأزمات حتى داخل السجن، وبحسب جدعو أن هؤلاء جميعهم من قرى موالية للنظام وكانوا يبيعون النزلاء الطعام والوجبات بأسعار مرتفعة، حيث أصبح سعر الوجبة الواحدة المؤلفة من (بندورة1، وبصلة، ورغيف خبز) بـ 3500 ل.س، وكان، بحسب جدعو، يتم تحويل الأموال لأقرباء الضباط عن طريق أهل السجناء، ومن لا يستطيع تأمين المال يستطيع انتظار الموت. ويقول جدعو: أستطيع أن أقدر عائدات الضباط داخل السجن من بيع الطعام للنزلاء بــ3 ملايين شهريا لكل ضابط! وأذكر من اسماء هؤلاء الضباط النقيب أيهم، النقيب جلال، الرائد وليم.
وفيما يخص وضع النزلاء من النساء وأحوالهن داخل السجن، قال جدعو: كان في السجن عشرة نساء حوامل من بين النساء اللواتي تم الاعتداء عليهم جنسيا، ومنهن من لديها أطفال داخل السجن وعددهم 5، توفي منهم ثلاثة بسبب الأوضاع المزرية داخل السجن، ومن بين النساء التي تساعد قوات النظام داخل السجن هي إحدى السجينات التي تدعى “أم عبدو”.
ويضيف جدعو: من بين أصعب المواقف التي شهدتها هو قتل عدد كبير من السجناء الذين طلبوا إسعاف، ما دفع عدد من المعتقلين إلى عدم الافصاح عن أمراضهم خوفا من الموت برصاصة من بنادق السجانين؛ لأن شكوى المعتقل من مرضه أصبحت سبباً للضرب والتعذيب، وهنا أذكر أن أشد الضباط إجراماً في هذا السياق هو (الملازم أول وحيد)، طاغية السجن.
ويختم جدعو حديثه بإيراد إحصائية عن عدد الوفيات في السجن، فيقول: إن أكثر من 1000 لقوا حتفهم قتلا بالرصاص، أو تحت التعذيب، أو بسبب الجوع ونقص التغذية.
يُذكر أن محمد جمال جدعو خرج من السجن بعدما دفع أهله رشوة للقاضي مقدارها أربعة ملايين ليرة سورية وذلك قبل بدء المعركة الأخيرة على السجن.