بدأ حيتان اللجنة المركزية لحركة فتح، الجري مبكرا في السباق نحو كرسي المقاطعة ( رئاسة السلطة)، مستمدين العزم من البحث الامريكي شبه العلني عن بديل لعجوز السياسة الفلسطينية الرئيس محمود عباس، ليقود المرحلة الجديدة ما بعد فشل المفاوضات المتوقع .
مع اقتراب الرئيس عباس من عمر الثمانين، واكتساح عضو مركزية فتح مروان البرغوثي، (الذي يقضي حكما بالمؤبد في السجون الاسرائيلية) لاستطلاعات الرأي كمرشح شعبي لرئاسة السلطة، وغمز الامريكان في قناة ان ابو مازن لا يملك القوة والصلاحية لابرام اتفاق سلام مع اسرائيل، وتغييب “بلدوزر فتح” محمد دحلان، اشتد الصراع لخلافة عباس.
وباتت تسمع على الملأ اصوات تدعو لاستحداث منصب نائب للرئيس عباس.
تحكم الرئيس عباس بكافة الصلاحيات فتح الباب على مصراعيه لعدد من اعضاء اللجنة المركزية لفتح، ليظنوا بأنفسهم الجدارة والامكانية لتسلم مقاليد السلطة، فحتى الاسير مروان البرغوثي ورغم وجوده في زنزانة اسرائيلية الا انه يستعد وفقا لأحد اعضاء المجلس الثوري المقربين منه، لخوض سباق الرئاسة، معتمدا على دعم شعبي وامكانية تدخل المجتمع الدولي لاطلاق رئيس معتقل سياسيا في دولة احتلال.
البرغوثي سيكون في مواجهة صعبة داخل قصور فتح لا خارجها، فأعضاء المركزية يرفضون حتى التفكير بهذه الاحتمالية.
الجنرال جبريل الرجوب، تغير كثيراً منذ خلافه مع ياسر عرفات وإخراجه من رئاسة جهاز الامن الوقائي، وانتقل من حلبة المواجهة السياسية المباشرة، الى ميدان الرياضة وحشد الشباب في مؤسساته المحتكرة، وغير من لهجة خطابه الهجومية والغير لبقة اعلاميا، واصبح يتحدث مع مقربيه بلغة المحبة والتسامح داخليا، خصوصا بعد ان خسر ما جناه في سنوات نتيجة احتكامه للسلاح في مواجهة عضو المجلس التشريعي جمال ابو الرب،.
استفاد الرجوب من الدرس جيدا، وتشدد في لهجته في مهاجمة اسرائيل مستخدما “لفظ العودة للمقاومة المسلحة” في مقابلة مع احدى الفضائيات العربية، محاولا ان يبدأ سباق الرئاسة مبكرا، لينسى الشارع الفلسطيني اتهامه سابقا بالتنسيق الامني مع اسرائيل وتسليم مقاومين في مقر الامن الوقائي الذي اجتاحته قوات الاحتلال العام 2002.
ويشير قيادي فتحاوي عليم بمجريات الامور، ان الرجوب يعتبر نفسه الرجل القوي الذي يستطيع كبح جماح طموح محمد دحلان، فهو النقيض الطبيعي له الذي يستطيع ايقاف عودته التي باتت بحكم الوقت لا اكثر، لكن معضلة اللواء الرجوب هي بعكس الاسير البرغوثي، فشعبيا لا يحظى الرجوب بتأييد في الضفة الغربية ويكاد يكون معدوما في غزة، بينما يستطيع ارهاب مركزية فتح الطاعنة بالسن.
دحلان المفصول من لجنة عباس المركزية، يعمل بذكاء وصمت، فهو منذ خروجه القسري من حلبة رام الله السياسية، تمدد اقليميا واستطاع نسج تحالفات سياسية رابحة على مستوى المنطقة، كما عزز وجوده في تجمعات اللاجئين الفلسطينيين بالضفة الغربية والشتات وبطبيعة الحال في غزة التي تدين فتح فيها بولائها تاريخيا له، وبغياب رجل قوي في فتح يستطيع خلافة عباس، ومع احتمالية فشل مشروع ابو مازن قريبا سيكون هو الرابح الاكبر الذي تنبأ بهذه النتيجة وحذر منها.
ومسألة عودته- أي دحلان- لن تكون شائكة قانونيا ولا تنظيميا بحال غياب او تغييب الرئيس محمود عباس.
الصراع في مركزية فتح، ليس محتكرا على الثلاثة الكبار (البرغوثي، دحلان، والرجوب)، فالكعكة لها اكثر من طامح، فعضو مركزية فتح والمتحكم بادارتها المالية محمد شتية، يرى نفسه النموذج الاقرب في تولي رئاسة السلطة، ففي ظل صراع الكبار، يراهن شتية ان يكون محصلة التوافق لتمتعه بمزايا السياسي المحبب غربيا، فهو متحدث انجليزي بليغ ورجل اقتصاد بارع، ولم يدخل في اتون حرب فتح الداخلية في اي وقت من الاوقات.
محمود العالول ايضا يراهن على الشارع الفتحاوي، كما يؤكد لنا احد كبار مساعديه، لكي يدفعه للترشح لحسن سيرته ونظافة يده، رغم ان فرصه في مواجهة امبراطوريات فتح المالية تكاد تكون شبه معدومة.
لكن الجميع ما زال ينتظر اشارة رسمية من عباس بشكل جدي برغبته بتتويج خليفة له ( باستثناء دحلان المستعد تماما)، وهو الذي بدأ بالتبلور بعد موافقته(ابو مازن)، على تشكيل لجنة لدراسة الاجراءات القانونية لتعيين نائب له، صراع سيمتد طويلا وسيغلي قريبا في رام الله، مع امكانية انضمام متسابقين جدد اليه من خارج منظومة فتح، ورئيس الوزراء السابق سلام فياض لا ينفي بأي حال من الاحوال استعداده ليكون المنقذ لصراع ومكائد رجالات فتح فيما بينهم، حفاظا على المشروع من الضياع ولو كان تحت اطار شرعية حركة فتح.